قضايا
يونس الديدي: من أنا لأقول إن قصته أقل جمالاً من قصتي؟

في عمق التجربة الإنسانية، ثمة سؤال يتسلل إلى وعينا كلما واجهنا قصة الآخر: من أنا لأحكم على جمال حكاية لا تشبه حكايتي؟
نحن أبناء قصصنا، نحمل في وعينا ذاكرة ممتدة، تشكلت من تفاصيل لا يراها أحد سوانا. ومع ذلك، كم نميل أحيانًا إلى مقارنة تلك الحكايات التي لم نعشها، فنُسقط عليها مقاييسنا الخاصة ونصادر حقها في التفرد!
الوعي الإنساني ليس صندوقًا مغلقًا، بل هو نهرٌ تتدفق فيه التجارب، كل تجربة هي ضفة جديدة تشكل مجرى هذا النهر. عندما نتأمل الحياة، ندرك أن لكل إنسانٍ طريقًا محفوفًا بألوان لا يراها غيره؛ ألوان ينسجها الألم حينًا، والحب حينًا آخر، وبينهما يختبئ الفرح والحزن، الخسارة والانتصار. لكن، أيّنا يملك الحق في القول إن لونًا أشد بهاءً من الآخر؟
قصصنا، وإن بدت متشابهة في العناوين الكبرى—حب، ألم، نجاح، خسارة—فإنها تتباين في التفاصيل، في العمق، في الظلال الدقيقة التي تمنحها فرادتها. شخص يكتب فصلاً من حياته وهو يتعلم الحب بعد خيبة طويلة، وآخر يكتب عن النجاح بعدما فقد كل ما ظنه نجاحًا. هذه الرحلة، بما تحمله من التناقضات، ليست مجالًا للتفاضل، بل هي مجال للفهم، للتأمل، للانحناء احترامًا أمام اتساع التجربة الإنسانية.
إن ما يجعل القصة جميلة ليس مقدار الألم الذي تحمل، ولا حجم الأفراح التي تُسرد، بل كيف انعكست في روح صاحبها، وكيف أعادت تشكيل نظرته للعالم. شخصٌ يروي لك كيف تعلم أن يبتسم رغم الفقد، وآخر يحدثك عن دهشته الأولى أمام حبٍّ نقيّ؛ كلٌّ منهما يمسك بحجر كريم صقله الزمان، لكن كل حجر يلمع في زاوية مختلفة من الضوء.
الوعي هنا هو البوصلة؛ إنه ذاك الإدراك الذي يجعلنا نرى الجمال في الاختلاف، لا في التشابه. حين نبلغ هذا المستوى من الوعي، ندرك أن قصتنا الخاصة ليست مقياسًا للحياة، بل هي جزء من لوحة أكبر، تتجاور فيها آلاف القصص دون أن يلغي بعضها بعضًا. إن محاولتنا لقياس قيمة قصة ما بمسطرة تجربتنا الشخصية أشبه بمحاولة قياس البحر بكف اليد.
كم من مرة اعتقدنا أن نجاحنا أعظم من نجاح غيرنا، لأننا لم نرَ الصعوبات التي خاضها، ولم نشهد الليل الطويل الذي سهر فيه؟ وكم من مرة حسبنا أن ألمنا أعمق، فقط لأننا لم نذق مرارة ألمه؟ إننا، في كل مرة نفعل ذلك، نرتكب خيانة بحق إنسانية الآخر، ونحجب عن أنفسنا فرصة التعلم من حكاياته.
الحياة، في جوهرها، ليست مسابقة للفوز بقصة أجمل، بل هي فسيفساء متكاملة، كل قطعة فيها ضرورية لتشكيل الصورة الكبرى. ما يجعل هذه اللوحة بديعة هو التنوع: قصص الفقد التي تزرع فينا التعاطف، وحكايات النجاح التي توقظ فينا الأمل، ولحظات الحب التي تجعلنا نؤمن أن الحياة تستحق أن تُعاش رغم كل شيء.
لذلك، حين تسمع قصة لا تشبه قصتك، لا تُسرع إلى المقارنة. بدلاً من ذلك، اسأل نفسك: ما الذي يمكن أن يضيفه هذا الصوت المختلف إلى وعْيي؟
قد لا تتفق مع طريقته في النظر إلى الحياة، لكنك ستجد في حكايته مرآةً صغيرة تعكس جزءًا من إنسانيتك التي لم تكتشفها بعد. هذه هي الثراء الحقيقي: أن تصبح أكثر اتساعًا، أكثر فهمًا، أكثر قربًا من روحك ومن أرواح الآخرين.
في النهاية، لسنا هنا لنثبت أن قصة ما أجمل من الأخرى، بل لنتعلم كيف نصغي، كيف نحتفي بهذا التعدد الذي يجعل الوجود أكثر عمقًا.
فكل حكاية، مهما بدت بسيطة أو عظيمة، هي عالم كامل يستحق الاحترام. وكلما أدركنا ذلك، كلما أصبحنا أكثر إنسانية.
فمن أنا، حقًا، لأقول إن قصته أقل جمالاً من قصتي؟
في عمق التجربة الإنسانية، ثمة سؤال يتسلل إلى وعينا كلما واجهنا قصة الآخر: من أنا لأحكم على جمال حكاية لا تشبه حكايتي؟
نحن أبناء قصصنا، نحمل في وعينا ذاكرة ممتدة، تشكلت من تفاصيل لا يراها أحد سوانا. ومع ذلك، كم نميل أحيانًا إلى مقارنة تلك الحكايات التي لم نعشها، فنُسقط عليها مقاييسنا الخاصة ونصادر حقها في التفرد!
الوعي الإنساني ليس صندوقًا مغلقًا، بل هو نهرٌ تتدفق فيه التجارب، كل تجربة هي ضفة جديدة تشكل مجرى هذا النهر. عندما نتأمل الحياة، ندرك أن لكل إنسانٍ طريقًا محفوفًا بألوان لا يراها غيره؛ ألوان ينسجها الألم حينًا، والحب حينًا آخر، وبينهما يختبئ الفرح والحزن، الخسارة والانتصار. لكن، أيّنا يملك الحق في القول إن لونًا أشد بهاءً من الآخر؟
قصصنا، وإن بدت متشابهة في العناوين الكبرى—حب، ألم، نجاح، خسارة—فإنها تتباين في التفاصيل، في العمق، في الظلال الدقيقة التي تمنحها فرادتها. شخص يكتب فصلاً من حياته وهو يتعلم الحب بعد خيبة طويلة، وآخر يكتب عن النجاح بعدما فقد كل ما ظنه نجاحًا. هذه الرحلة، بما تحمله من التناقضات، ليست مجالًا للتفاضل، بل هي مجال للفهم، للتأمل، للانحناء احترامًا أمام اتساع التجربة الإنسانية.
إن ما يجعل القصة جميلة ليس مقدار الألم الذي تحمل، ولا حجم الأفراح التي تُسرد، بل كيف انعكست في روح صاحبها، وكيف أعادت تشكيل نظرته للعالم. شخصٌ يروي لك كيف تعلم أن يبتسم رغم الفقد، وآخر يحدثك عن دهشته الأولى أمام حبٍّ نقيّ؛ كلٌّ منهما يمسك بحجر كريم صقله الزمان، لكن كل حجر يلمع في زاوية مختلفة من الضوء.
الوعي هنا هو البوصلة؛ إنه ذاك الإدراك الذي يجعلنا نرى الجمال في الاختلاف، لا في التشابه. حين نبلغ هذا المستوى من الوعي، ندرك أن قصتنا الخاصة ليست مقياسًا للحياة، بل هي جزء من لوحة أكبر، تتجاور فيها آلاف القصص دون أن يلغي بعضها بعضًا. إن محاولتنا لقياس قيمة قصة ما بمسطرة تجربتنا الشخصية أشبه بمحاولة قياس البحر بكف اليد.
كم من مرة اعتقدنا أن نجاحنا أعظم من نجاح غيرنا، لأننا لم نرَ الصعوبات التي خاضها، ولم نشهد الليل الطويل الذي سهر فيه؟ وكم من مرة حسبنا أن ألمنا أعمق، فقط لأننا لم نذق مرارة ألمه؟ إننا، في كل مرة نفعل ذلك، نرتكب خيانة بحق إنسانية الآخر، ونحجب عن أنفسنا فرصة التعلم من حكاياته.
الحياة، في جوهرها، ليست مسابقة للفوز بقصة أجمل، بل هي فسيفساء متكاملة، كل قطعة فيها ضرورية لتشكيل الصورة الكبرى. ما يجعل هذه اللوحة بديعة هو التنوع: قصص الفقد التي تزرع فينا التعاطف، وحكايات النجاح التي توقظ فينا الأمل، ولحظات الحب التي تجعلنا نؤمن أن الحياة تستحق أن تُعاش رغم كل شيء.
لذلك، حين تسمع قصة لا تشبه قصتك، لا تُسرع إلى المقارنة. بدلاً من ذلك، اسأل نفسك: ما الذي يمكن أن يضيفه هذا الصوت المختلف إلى وعْيي؟
قد لا تتفق مع طريقته في النظر إلى الحياة، لكنك ستجد في حكايته مرآةً صغيرة تعكس جزءًا من إنسانيتك التي لم تكتشفها بعد. هذه هي الثراء الحقيقي: أن تصبح أكثر اتساعًا، أكثر فهمًا، أكثر قربًا من روحك ومن أرواح الآخرين.
في النهاية، لسنا هنا لنثبت أن قصة ما أجمل من الأخرى، بل لنتعلم كيف نصغي، كيف نحتفي بهذا التعدد الذي يجعل الوجود أكثر عمقًا.
فكل حكاية، مهما بدت بسيطة أو عظيمة، هي عالم كامل يستحق الاحترام. وكلما أدركنا ذلك، كلما أصبحنا أكثر إنسانية.
فمن أنا، حقًا، لأقول إن قصته أقل جمالاً من قصتي؟
***
يونس الديدي - كاتب مغربي متخصص في الشؤون الاجتماعية والسياسية