قضايا

مجيدة محمدي: المعلومة والثقافة بين الإعلام الموجَّه والإعلام التوجيهي

السلبيات والإيجابيات

مدخل: بين التوجيه والتوجيهية:

كلنا نعلم ان عصرنا يهيمن عليه التدفق المعلوماتي السريع، وتلعب وسائل الإعلام والثقافة دورًا جوهريًا في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات. لكن هذا الدور يتراوح بين الإعلام والثقافة الموجهة، التي تعمل على إيصال رسائل محددة ضمن إطار معين، والإعلام والثقافة التوجيهية، التي تهدف إلى التحكم في السلوك والتفكير وفقًا لمصالح فئات معينة. ورغم أن كلا النموذجين يسعيان إلى التأثير، فإن الفارق الجوهري بينهما يكمن في درجة الحرية المتاحة للمتلقي، ومقدار الوعي النقدي الذي يتم السماح به أو التلاعب به.

الإعلام والثقافة الموجهة: أداة تأثير أم وسيلة توعية؟

الإعلام والثقافة الموجهة هما شكلان من أشكال التأثير المقصود، لكن مع درجة معينة من المرونة تتيح للمتلقي إمكانية الفهم النقدي والاختيار. يمكن أن يكون هذا التوجيه إيجابيًا، حين يهدف إلى نشر قيم إيجابية مثل التسامح، الديمقراطية، أو التوعية البيئية. كما قد يكون سلبيًا، حين يصبح مجرد وسيلة للتلاعب بالعقول، بغية تحقيق أهداف أيديولوجية أو اقتصادية محددة.

إيجابيات الإعلام والثقافة الموجهة:

* نشر الوعي المجتمعي: يساهم الإعلام الموجه في نشر القضايا الهامة مثل حقوق الإنسان، الصحة العامة، وقضايا البيئة، ما يساعد على خلق مجتمع أكثر وعيًا ومسؤولية.

* تعزيز الهوية الثقافية: يمكن لوسائل الإعلام الموجهة أن تحافظ على التراث الثقافي، وتعزز الشعور بالانتماء عبر إبراز القيم الوطنية والاجتماعية.

* محاربة الجهل والتطرف: عندما يكون التوجيه هادفًا، فإنه يمكن أن يشكل درعًا ضد الأفكار المتطرفة والمعلومات المضللة.

سلبيات الإعلام والثقافة الموجهة:

* التحيز والإقصاء: حتى الإعلام الذي يبدو حياديًا قد ينحاز لمجموعة على حساب أخرى، مما يؤدي إلى غياب الأصوات البديلة.

* التبسيط المخل: قد يتم اختزال القضايا المعقدة في شعارات سطحية، مما يقلل من قدرة الجمهور على الفهم النقدي والتحليل العميق.

* الاعتماد على مصادر محددة: قد يؤدي التوجيه الإعلامي إلى هيمنة مصادر بعينها، مما يقلل من تنوع المعلومات ويعزز وجهات نظر معينة دون غيرها.

الإعلام والثقافة التوجيهية: من التلاعب إلى السيطرة:

في حين أن الإعلام الموجه يترك مجالًا للوعي النقدي، فإن الإعلام التوجيهي يتسم بقدر أكبر من التحكم والتلاعب. فهو لا يسعى فقط إلى نقل المعلومات، بل إلى إعادة تشكيل الواقع وفقًا لمصلحة فئات محددة، وغالبًا ما يكون هذا النوع من الإعلام خادمًا لمراكز القوة السياسية أو الاقتصادية.

إيجابيات الإعلام والثقافة التوجيهية:

* القدرة على ضبط المجتمعات في أوقات الأزمات: قد يكون الإعلام التوجيهي ضروريًا أحيانًا عند الأزمات الكبرى، مثل الحروب أو الكوارث، حيث يكون ضبط تدفق المعلومات مهمًا للحفاظ على الاستقرار.

* التعبئة الجماعية: يمكن أن يكون الإعلام التوجيهي أداة لحشد الجماهير وراء قضية معينة، سواء كانت وطنية، دينية، أو اجتماعية.

سلبيات الإعلام والثقافة التوجيهية:

* القمع الفكري: يتم استبدال التفكير النقدي بالدعاية، مما يؤدي إلى خلق مجتمع يعتمد على المعلومات المعلبة بدلًا من التحليل المستقل.

* تزييف الوعي: يتم تشكيل الحقائق بطريقة تتناسب مع مصالح معينة، مما يؤدي إلى خلق صورة زائفة عن الواقع.

* هيمنة السلطة على الحقيقة: في النظم التي تعتمد الإعلام التوجيهي، يصبح الإعلام مجرد بوق للسلطة، مما يؤدي إلى طمس الأصوات المعارضة وفرض سردية واحدة لا يمكن مساءلتها.

الإعلام بين الحرية والتوجيه: أين نرسم الخط الفاصل؟

المعضلة الأساسية تكمن في التوازن بين التوجيه المسؤول والتوجيهية القمعية. هل يمكن للإعلام أن يكون مؤثرًا دون أن يكون متحكمًا؟ هل يمكن أن ينقل رسالة دون أن يمارس وصاية على الفكر؟

في المجتمعات الديمقراطية، يُفترض أن يكون الإعلام حارسًا للحقيقة، أي أنه يلعب دور الناقل للمعلومات مع الاحتفاظ بمساحة للنقاش والتعددية. لكن حتى في هذه السياقات، نجد أن رأس المال والإيديولوجيا يلعبان دورًا كبيرًا في صياغة الأجندات الإعلامية، مما يعني أن الإعلام الحر ليس دائمًا مستقلًا.

أما في المجتمعات غير الديمقراطية، فإن الإعلام يصبح مجرد أداة توجيهية، مما يؤدي إلى تدجين الجماهير بدلًا من تثقيفهم، وخلق مجتمع يتلقى بدلًا من أن يفكر.

خاتمة: نحو إعلام مسؤول وثقافة نقدية:

إن الحل لا يكمن في إلغاء التوجيه، بل في تحويله إلى عملية شفافة وواعية، حيث يتم تقديم المعلومات مع مساحة كافية للنقد والنقاش. ينبغي أن يكون دور الإعلام هو خلق مجتمع يعي التوجيه ولا يقع ضحيته.

كما يجب أن تكون الثقافة وسيلة تحفيز للفكر، لا أداة قولبة للعقول. فالمجتمع الذي يمتلك ثقافة نقدية وإعلامًا حرًا، هو المجتمع القادر على مواجهة التحديات، دون أن يكون ضحية للدعاية أو التضليل.

***

مجيدة محمدي – شاعرة وباحثة تونسية

في المثقف اليوم