قضايا
عبد الحليم لوكيلي: بعض الاستعمالات الخاصة "الإيجابية" للغة

ما الاستعمالات الخاصة (الإيجابية) للغة من وجهة نظر توماس هوبز[2]؟
إذا كانت اللغة حينما تستخدم بكيفية عامة، يكون الهدف من ذلك، جعل الفكر كعلامات وإشارات لتذكر ما مضى، أو كدلالات لإضفاء المعنى على الأشياء، فإن الاستخدام الخاص لها يتجلى في مجموعة من الأهداف التي يحصرها هوبز في العناصر الآتية[3]:
أولا؛ حينما يستخدم الإنسان الكلام أو اللغة بكيفية خاصة، فإنه يبتغي من ذلك تسجيل ما استنتجه بعقله أنه سبب لشيء حدث في الماضي، أو في الحاضر، أو يمكن أن يحدث في المستقبل. يقول هوبز: «أولا؛ تسجيل ما نجد بواسطة التأمل أنه سبب لأي شيء حاضر أو ماض، وما نجد أن أشياء حاضرة أو ماضية يمكن أن تنتجه، مما يعني باختصار اكتساب الآداب.»[4].
ثانيا؛ بما أن اللغة ليست وسيلة تفكير فقط، بل أداة تواصل ونقل للمعرفة من الذات إلى الغير (L’autrui)، فإن استخدام اللغة بكيفية خاصة له هدف آخر، يتمثل في أننا نسعى منه إلى تعليم بعضنا بعضا؛ أي تشارك الخلاصات النظرية والعملية التي نتحصل عليها من التأملات (The Meditations)، والخبرات (The experiences) الفكرية والمعرفية في الواقع.
ثالثا؛ لا يكتفي الإنسان في استخدامه للغة على النحو الخاص، بتسجيل الخلاصات النظرية لأسباب الأشياء، أو نشر ذلك طمعا في التعلم والتقدم، وإنما يستخدم الإنسان الكلام بكيفية خاصة، لكي يعبر عن إرادته، وما ينوي فعله بعد ترو (Déliberation)؛ أي أنه يفصح أحيانا عما يبتغيه ويرغب فيه لذاته، حتى يجد عونا له لتحقيق ذلك في علاقته بالآخرين. يقول هوبز: «وثالثا؛ أن نعلم الآخرين بإرادتنا وأغراضنا حتى نحصل على المساعدة المتبادلة من بعضنا البعض.»[5].
رابعا؛ بما أن الإنسان يحمل في جوفه أهواء متعددة، من بينها هوى الفرح، فإنه يستخدم اللغة أحيانا للتسلية واللهو بغية الترويح عن النفس، وذلك، باستحضار مجموعة من القصص والنكث، والتعبير عنها بطرق تبعث في النفس الانشراح والفرح، لكن، شريطة أن يكون مزاحا بريئا من كل ما من شأنه أن يقلل من قيمة الآخرين. يقول هوبز: «ورابعا؛ لبهجة أنفسنا والآخرين من خلال اللعب البريء بالكلام بغرض المتعة أو الترفيه.»[6].
وبناء عليه، إذا كان استخدام اللغة بكيفية خاصة، غايته الأهداف السالف ذكرها؛ أي حفظ أسباب الأشياء، وتعليمها لبعضنا، والتعبير عن إرادة الإنسان ورغباته، وجعلها أداة لخلق جو من الفرح، فإن ذلك يفيد أن اللغة هنا قد استعملت بكيفية إيجابية، الهدف منها تشارك هواجس الذات ومبتغياتها مع الآخرين. معنى ذلك، أنه إذا كانت الغاية هي معرفة أسباب الأشياء، ومن ثم، السعي إلى نشرها للآخرين، للتعبير عن إرادة الذات وميولاتها، وأحيانا لخلق فضاء يبعث على الفرح، فإنها غاية مفيدة وإيجابية.
***
د. لوكيلي عبد الحليم - باحث في الفلسفة-المغرب
..............................
[2] توماس هوبز (Thomas Hobbes) فيلسوف وعالم رياضيات وفيزياء إنجليزي ولد يوم 5 أبريل من سنة 1588م في مدينة مالميسبري (Malmesbury)، وتوفي يوم 4 دجنبر من سنة 1679م. اشتهر بنظريته في مجال الفلسفة السياسية أو المدنية، غير أن له اهتمامات فلسفية في مجالات أخرى كالتاريخ والفيزياء والأخلاق واللاهوت...إلخ. ولعل من أهم أعماله التي تعد مصدرا أساسيا في تاريخ الفلسفة هو كتابه التنين أو اللفياثان (Léviathan).
[3] توماس هوبز. اللفياثان: الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة. ترجمة ديانا حرب وبشرى صعب؛ مراجعة وتقديم رضوان السيد. ط. 1. (أبوظبي: معهد أبو ظبي للثقافة والثرات، 2011). ص. 41.
[4] المصدر عينه.
[5] المصدر عينه.
[6] المصدر عينه.