قضايا
غالب المسعودي: القضيبوقراطية والمازوشية في الشرق الاوسط

مصطلح "القضيبوقراطية" هو مفهوم معقد يجمع بين الفلسفة النفسية والاجتماعية. يرتبط هذا المصطلح بفكرة استغلال القوة والسيطرة من خلال رمزية القضيب، كما تم تناولها سيغموند فرويد في نظريته، القضيب كرمز للسلطة والقوة، يرتبط هذا المفهوم بالمشاعر والدوافع اللاواعية التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع من خلال دراسة كيفية تفاعل الأفراد مع رمزية السلطة، كذلك "القضيبوقراطية" تشير إلى استخدام سلطة القضيب حسب المخرجات الفرويدية كرمز للسلطة والقوة (عصا الحكم)، حيث يتم استخدامه كوسيلة للتفاخر بالقوة والقدرة، يبدو أن هذا المصطلح يعتمد على مفهوم السيطرة والانتصار الجنسي، رغم انه مصطلح غير رسمي وغير معترف به في السياق السياسي العام لكن يمكن أن يعتبر عن مفهوم فردي موجود في بعض الأوساط الخاصة.
القضيبوقراطية في الحكم
مصطلح يستخدم لوصف نظام يقوم بالاعتماد على علاقات وزيجات الحاكم الشخصية والولاءات القبلية والعشائرية في توزيع السلطة واتخاذ القرارات. يعتبر هذا النظام ضد المبادئ الديمقراطية ومبادئ المساواة بين الأفراد. في القضيبوقراطية، يتم تولي السلطة والمناصب الحكومية لأفراد معينين بناءً على صلة قرابة أو الانتماء القبلي، بدلاً من الكفاءة الفردية حيث يتم تفضيل العلاقات الشخصية والقبلية على القوانين والمؤسسات الدستورية. يؤدي ذلك إلى إقصاء أو تهميش الأفراد الذين ليس لديهم الصلات القبلية المطلوبة (الصلات القضيبوقراطية). تعد القضيبوقراطية أمرًا شائعًا في بعض المجتمعات والدول التي تعاني من ضعف الحوكمة والفساد، حيث يتم تفضيل المصالح الشخصية والعشائرية على حساب المصلحة العامة. تتسبب القضيبوقراطية في غياب الشفافية والعدالة وتعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. في الديمقراطيات الحديثة، تعتبر القضيبوقراطية انتهاكًا لمبادئ الحكم الرشيد وحقوق الإنسان، من ناحية دلالية تكون القضيبوقراطية انتهاك جسدي للبنية المجتمعية وذلك بتغليب النزعة الرمزية الفرويدية في أصول الحكم.
المازوشية في الحكم
المازوشية، تشير إلى توجه جنسي يتميز بالمتعة الجنسية المتحققة من خلال تلقي الألم والاذلال. قد يكون هناك صلة بين القضيبوقراطية والمازوشية في سياق السيطرة والقوة. على الرغم من أن لكل مصطلح معناه الفردي والمستقل، إلا أن هناك بعض العلاقات المحتملة بين القضيبوقراطية والمازوشية في سياق علاقات القوة والحكم، يمكن ان نرى فيها تداخل بين القضيبوقراطية وبعض أشكال العلاقات المازوشية مطبقة على الشعوب المحكومة بالقوة الشعائرية، على سبيل المثال، قد يستغل الأفراد الذكور السلطة والهيمنة لتحقيق متعة شخصية على حساب الشعب الذي يشعر الاذلال، القضيبوقراطية هي قضية اجتماعية ونفسية تتعلق بالتوزيع غير العادل للسلطة وهيمنة الحاكم فردا او جماعة بطريقة تشبه الهيمنة الجنسية،اما المازوشية هي قضية جنسية تتعلق بتفضيلات واستجابات جنسية فردية، القبول بالذل في مجتمعات محكومة بالقسوة يمكن أن يكون له هذا التفسير، هذا يشير إلى سياقات اجتماعية محددة ولا يمكن التعميم بشكل كامل على جميع الثقافات والمجتمعات.
الأسباب التي تؤدي الى القبول:
الضغط الاجتماعي والاقتصادي: يكون القبول بالذل نتيجة للضغط الاجتماعي والاقتصادي والقوانين والعادات التي تفرضها المجتمعات المحكومة بالقسوة، حيث يتعرض الأفراد للتهديد بالعقاب أو الاستبعاد الاجتماعي إذا قاوموا أو رفضوا القبول بالذل.
الثقافة والتربية: قد تكون هناك ثقافة أو نظام تربوي في هذه المجتمعات يعلم الأفراد بأن القبول بالذل هو جزء من الواجبات أو القيم المعتمدة (بعض سرديات الخوف الوهمية). لكن يمكن رفض هذا الاعتقاد من خلال التعليم والتنشئة الاجتماعية.
الهيمنة والاستبداد: يكون القبول بالذل نتيجة لهيمنة الطبقة الحاكمة أو الأفراد ذوي النزعة القضيبوقراطية الى السلطة والقوة على الفئات الضعيفة أو المضطهدة، هناك آثار نفسية للقسوة والاضطهاد تجعل الأفراد يقبلون بالذل كوسيلة للبقاء أو وتجنب العقاب.
العلاقة بين المفاهيم
القضيبوقراطية تعزز سلوكيات سادية في بعض الأحيان، حيث يمارس القادة سلطتهم بشكل قاسي، المازوشية تفسر لماذا يقبل البعض بالاستبداد، مما يسهم في استمرارية الأنظمة القمعية، هذه الظواهر تؤثر على العلاقات الاجتماعية وتعيد تشكيل مفهوم القوة في المجتمع، تتداخل هذه المفاهيم في توضيح كيف يمكن أن تتشكل السلطة وتستمر، وكيف تؤثر على الأفراد والمجتمعات.
القضيبوقراطية والمازوشية
يمكن أن تكون هناك علاقة بين القضيبوقراطية والمازوشية في العلاقات الاجتماعية السادية. العلاقات السادية تشمل الحصول على السلطة والمتعة من خلال القوة والتحكم والتلذذ بتعذيب الاخر، ويتم استخدام العصا من قبل الحاكم السادي واقعيا ورمزيا، بينما يستمتع المجتمع المازوشي بتلقي الألم والانضباط كمصدر لمتعة الحاكم. القضيبوقراطية تعكس ايضا رغبة بعض الأشخاص في التحكم والسيطرة على الآخرين فكريا. قد يكون هذا المفهوم موجودًا في بعض الثقافات أو الأنظمة الاجتماعية التي تشجع على الهيمنة والسيطرة. لكن للقضيبوقراطية ذات صلة ببعض الاضطرابات النفسية والفكرية، مثل اضطراب الشخصية النرجسية. هذه الاضطرابات تؤدي إلى انتشار سلوكيات غير صحية مثل تعزيز القيم الثقافية القائمة على الهيمنة وتفضيل للقوة في بعض الأوساط، يتميز الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية بالتفاخر بالقدرات والمهارات الخاصة بهم والشعور بالأهمية، ويميلون إلى استخدام القوة والسيطرة في العلاقات الاجتماعية لتلبية احتياجاتهم الشخصية، الاضطرابات المازوشية تتضمن التمتع بتلقي الألم أو الاذلال لتحقيق ما يريده الحاكم، بالنسبة لبعض الأشخاص المازوشيين، يكونون مستعدين للتعاون مع حاكم سادي يمارس القضيبوقراطية بشكل ممتاز، الحاكم القضيبوقراطي يظهر رغبة مفرطة في السيطرة والتحكم في الشريك السياسي وفي النشاط الاجتماعي بشكل عام. رغم ذلك يجب أن نلاحظ أن هذه الأعراض ليست محددة بشكل حصري للقضيبوقراطية، وقد تظهر في سياقات أخرى أيضًا، إنها مجرد مؤشرات ممكنة تعزز الاشتباه في وجود تفضيلات قضيبوقراطية لدى متسلقي المناصب، اذ ان هناك علاقة بين القضيبوقراطية وبعض السياقات الأخرى مثل الاستبداد السلطوي، تشترك هذه السياقات في النمط العام للرغبة و التحكم والسيطرة على الآخرين وتستخدم القوة والسلطة لتحقيق ذلك، يؤثر الاضطراب النفسي أو( القضيبوقراطية )على القرارات والتصرفات الشخصية للفرد وقد يؤثر على طريقة تفكيره وتصرفاته في العلاقات الشخصية والاجتماعية و على المفهوم العام للحاكم العادل، لذا إن الصحة العقلية والنفسية الجيدة تعتبر واحدة من العديد من الصفات والمواصفات المرتبطة بالقدرة على الحكم. حيث يفضل أن يتمتع الحاكم بثبات عقلي ونفسي وقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة وفقًا للمعايير الأخلاقية والقانونية. لذا لا يمكن القول إن التركيز على القضية القضيبوقراطية (الاهتمام المفرط بالجنس والهوس الجنسي وتطبيقه في أصول الحكم) سيؤدي إلى تطور المجتمعات والتصدي للتحديات في مجال الحضارة والتنمية الحضارية. عندما يتم التركيز الزائد على الجنس ولو رمزيا، يمكن أن يحدث تشويش في الأولويات والمناقشات الأخرى المهمة في المجتمعات يؤدي ذلك إلى إهمال قضايا أخرى مثل التعليم، والاقتصاد، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والتحديات البيئية، والسلام، والتعايش السلمي بين الثقافات والديانات. بالإضافة إلى ذلك، التركيز المفرط على الجنس والهوس الجنسي يؤدي إلى إشاعة العنف الجنسي والتمييز والتحرش الجنسي في المجتمعات. ويؤدي إلى خلق بيئة غير آمنة وغير صحية للجميع، ويعزز الثقافة التشهيرية والمعادية للمرأة. بدلاً من ذلك، يمكن أن يكون التركيز على التحديات الحضارية في المجتمعات والتي تشمل مجموعة متنوعة من القضايا المهمة مثل تعزيز المساواة وحقوق الانسان، ومكافحة التحرش الجنسي والعنف الجنسي، وتشجيع الحوار المفتوح والمنفتح حول القضايا المجتمعية. بالتالي التركيز على الممارسات القضيبوقراطية في الحكم بشكل مفرط لن يؤدي إلى تطور المجتمعات ومواجهة التحديات الحضارية بشكل فعال، وتبرز ظواهر منافية للأخلاق والذوق العام (ظاهرة الفاشنستات ومشاهير التكتوك). من الأفضل توجيه الجهود نحو تحقيق التوازن الصحيح والشامل في المجتمعات والحاجة للحكم الرشيد وبناء دولة ديموقراطية حقيقية.
***
غالب المسعودي – باحث عراقي