قضايا

فؤاد لوطة: وسائل التواصل الاجتماعي وانحلال أخلاق التلميذ(ة)

لا يخفى على أحد أن مهمّة الأستاذ(ة) داخل القسم ازدادت صعوبة مع هذا الجيل من التلاميذ، خاصة المراهقون منهم، بسبب فساد الأخلاق، لكن سبب انحطاط أخلاق الأطفال لا يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي وما يقدمه الإعلام فقط، بل يرجع ذلك إلى سوء تربية الوالدين لأبنائهم وعدم مراقبتهم لما يقومون به وما يتفرجون عليه في هواتفهم ومن يصاحبون في الشارع. إضافة إلى دور المؤسسة التربوية التي قد تهمل مجموعة من الأنشطة التي تربي التلميذ على القيم الأخلاقية، ودور المدرس الذي أصبح يقتصر على تقديم الدرس فقط ونسي أنّ رسالته الأولى هي التربية ومحاورة التلاميذ في كل حصة عن الأخلاق وتذكيرهم ونصحهم بها.
ألا ترون الأطفال في الشارع والتلاميذ أمام مؤسسات التربية والتعليم لا يتلفظون إلا بالكلام الفاحش المنحط والمخل بالحياء، لا يتحرجون في كلمة نابية ولا لفظ قبيح، تسمع أقبح الألفاظ التي تدل على أبشع المعاني، يتلفظون بذلك أمام الصغير والكبير، حتى لو كنت مع أبنائك أو والديك تمرّ بجانبهم لن يحترمونك. فالأمر لا يبشر بخير بل ينذر بكل سوء، أيها الآباء أيتها الأمهات تربية أبنائكم مسؤوليتكم، فالوضع أسوأ مما تتصورون، واعلموا أنكم عنهم أمام الله مسؤولون.
الدور لا يقتصر على الأستاذ (ة) فقط، نرى أن الأستاذ هو خط الدفاع الوحيد والأخير عن القيم الجميلة، عليكم بمساعدته على تربية أبنائكم، راقبوا أبناءكم وبناتكم، نحن نعيش في زمن كثرت فيه الفتن والمحن، نحن نعيش في عالم يعج بالمصائب والآفات والمنكرات، أيها الأب رافق ابنك وتعامل معه بالرفق واللين وهو صغير قبل أن يكبر ويأخذ طريقا مشينا، ثم تقول يا ليتني فعلت وربيت، أيتها الأم اعملي على تربية بناتك على العفة والحياء والالتزام باللباس المحتشم والحجاب وعدم الخروج من غير حاجة وللضرورة، راقبوا هواتف أبنائكم وبناتكم ولا تجعلوهم يستعملونه إلا في المنفعة والفائدة، علموا أبناءكم الصلاة وحفظ القرآن وصلة الرحم واحترام الجار والكبير، علموهم أنّ العم هو الأب الثاني وأن الخالة بمنزلة الأم، علموا أبناءكم أن الخروج والتسكع في الشارع غير نافع بل جالب للبلاء، علموا أبناءكم أن العلاقات غير الشرعية هي مصدر كل أذية، علموهم أن يحافظوا على شرف البيت والعائلة والمجتمع المسلم، أيها الأب أيتها الأم أبناءكم وبناتكم رعايتهم وتربيتهم مسؤوليتكم ...الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّتهِ]. فعلى الرغم من ضغوطات الحياة والتزاماتها وثقل الايام اجعل لطفلك نصيبا من وقتك تتحدث معه ويتحدث معك، ازرعوا في أبنائكم الخصال الحميدة، وحثوهم على حسن السلوك مع المعلمين وحسن الاستماع أثناء الدرس وحسن التعامل مع الآخرين فأبناؤكم سفراء لكم في كل مكان يذهبون إليه. أبناؤكم عناوين لكم ولبيوتكم ولتربيتكم فليكونوا خير سفراء وعناوين يشار لها بالبنان. عليكم بتربيتهم على حب العلم واحترام المعلم لأنه بمثابة الأب، والمعلمة بمثابة الأم. وإذا تكلم ابنك عن المعلم(ة) بكلمة سيئة أو قبيحة أدّبه ولا تضحك في وجهه وتبتسم له، علّمه كيف كنّا ومازلنا نحترم معلمينا مع أننا أصبحنا آباء وبعضنا صار عنده أحفاد. فكما سبق الذكر دور الأسرة لا يقتصر على التوجيه والتنبيه والإشارة إلى ما هو صحيح أو خطأ، بل يجب أن تكون التربية مبنية على الحوار الهادئ الهادف بين الأبناء والآباء. ومن التربية أن تتم مراقبة ما يعرضه الإعلام في جميع وسائله مع تجسير العلاقات مع المدرسة. وتفقد الصحبة المرافقة له أو لها على الدوام.
وبما أننا تحدثنا عن الإعلام فلا ننسى دوره؛ إعلامنا اليوم الذي لا أراه يحث ويرشد إلى التحلي بالأخلاق الجميلة، صحيح أنكم تقدمتم في إعلامكم لكنكم لم تتقدموا في السلوك الأخلاقي بدرجة موازية، ما يثيرنا أن عدم التوازن بين الجانب الأخلاقي والجانب التكنولوجي يخلق إشكالية قد تكون مدمرة ولا تقف عند حد في المستقبل القريب أو البعيد، وهذا ما يثير القلق بأن هذا التقدم في انحلال الأخلاق سيتضاعف في السنوات القادمة إن واصلنا على هذا الحال. فانهيار الحواجز القيمية والأخلاقية راجع إلى الثورة التكنولوجية المتعلقة بالفضائيات الرقمية والإخبارية التي أسستها العولمة”، بمعنى أن مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية بشقيها السمعي البصري والكتابي، أضحت تؤثر على طريقة تفكير المجتمع، وطريقة تفكير الطفل والمراهق بالخصوص، بل وأصبحت توجه تصرفاته أيضا. فالوسائل التكنولوجية في حد ذاتها لها أضرار بالغة على أطفالنا، منها تعطيل قدراتهم العقلية، وتعويدهم على الاتّكالية؛ كما أنه يكبح جماح الإبداع لديهم، ويؤدي إلى التراجع الفكري والنفسي والتعليمي ويصنع جيلاً من الكسالى والمنعزلين والمعقدين نفسياً، كما أنه يتسبب في مشاكل صحية أهمها الإصابة بداء السمنة، ويفكك الروابط العاطفية بين الوالدين وأطفالهم ما يهدد كيان الأسرة والمجتمع. لا يمكن أن ننكر أننا في عصر التكنولوجيا، ولا ننكر فائدتها في حياتنا، لكنها سلاح ذو حدين، فهي كما تستطيع صُنع جيل ذات مستقبل مُبهر، تستطيع أيضاً أن تصنع جيلاً فاشلاً إنْ لم نُحسن التعامل معها، ولا يمكننا منع أطفالنا عن مختلف أنواع الأجهزة الإلكترونية واستخدام التكنولوجيا، لكن يمكننا التقرب منهم ومصادقتهم، والسماح لهم بالاستخدام المعتدل للتكنولوجيا خلال وقت محدد في النهار، ويكون ذلك تحت المراقبة دون أن يشعروا بذلك، فهناك الكثير من التطبيقات التي تتيح لنا التعرّف على تحركات أطفالنا وتحديد المواقع التي كانوا يتصفحونها، وقراءة الرسائل التي يتلقونها أو يرسلونها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كما يجب علينا توجيههم إلى كل ما ينفعهم ويساعدهم في بناء مستقبلهم، وتعريفهم بالضار ومدى ضرره عليهم وعلى مجتمعهم، وكذلك حثهم على المشاركة في مختلف أنواع الأنشطة التي يمارسونها، وتعريفهم بفائدتها في حياتهم، وعلى كل ما من شأنه رفع مستوى التركيز والخيال في عقولهم.
إنّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تعتبر أشعة مقطعية على الأخلاق في مجتمعاتنا، ومرآة كاشفة للمخفي من الميل الأخلاقي بشكل كامل، وفاضحة للكبت الذي تعيشه هذه المجتمعات وحالة الانجراف الأكبر وراء ما تعرضه هذه الشبكات من خدمات تشوش على الناس القيم الأخلاقية، وذلك من خلال كيفية انتقائهم ما يودون إطلاع الآخرين عليه.
وبهذا يمكن القول إننا أمام ثلاثة أضلاع، اختيار ما يعرضه الإعلام، وإقامة العلاقات مع المدرسة بالزيارات الدورية، ومراقبة الصحبة مع التوجيه الأسري، بالتالي يمكن التحسين من أخلاق أبنائنا، فإذا اختل التوازن في أحد الأضلاع ضاعت وتهاوت الأخلاق. لذا نرجو من الأسرة والإعلام مساعدة المؤسسة التربوية والمعلم على تربية أبنائهم وإرشادهم إلى طريق الصواب.
***
ذ. فؤاد لوطة

 

في المثقف اليوم