أقلام حرة
رائدة جرجيس: الكعبة في مواجهة الغرور البشري
ليست الكعبة حجرا يُهدم، ولا جدارا تُنهيهالمنجنيقات، بل معنى عصيّ على السقوط. كل من اقترب منها بسوء، خرج من التاريخ مثقلاً بالخذلان، مهما بدا قويا أو متجبرا
قالوا إن الحَجّاج بن يوسف هدم الكعبة وكأن التاريخ يُختصر في جملة قاسية. والحقيقة، أن الكعبة لم تكن يوما ضحية يدٍ واحدة، بل شاهدة على فتن البشر حين تتصارع السلطة والدم. في حصار مكة، لم تكن الحجارة التي تساقطت من جدرانها فعل كراهية لبيت الله، بل شظايا فتنةٍ سياسية، اختلط فيها الحق بالدم، والقداسة بالصراع. وما فعله الحَجّاج بعد ذلك لم يكن محوا للبيت، بل إعادة بنائه على صورته الأولى، بأمر خليفةٍ رأى أن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه هكذا بقي البيت، وتبدّل الرجال.
وقبل الحَجّاج بقرون، جاء أبرهة الحبشي، واثقا من جيشٍ عظيم وفيلٍ يتقدّم الصفوف، ظانا أن القوة تُسقط القداسة، وأن العدد يهزم المعنى. لم يصل أبرهة إلى الكعبة، ولم يدخلها، ولم يترك أثرًا سوى العبرة. تؤكد الروايات التاريخية أن أبرهة الحبشي لم يُقتل في موضع حملته، بل عاد إلى اليمن مهزوما بعد فشل جيشه، وقد أصيب بداءٍ شديد، فمات هناك بعد عودته بمدة قصيرة.عاد مهزوما، جسده يتفتّت كما تفتّت غروره،عاد إلى اليمن حتى ابتلعه النسيان، وبقي البيت. ذهب أبرهة… ولم تذهب الكعبة. ما بين أبرهة والحَجّاج، يكرّر التاريخ درسه القاسي
قد تُصاب الجدران، قد تتصدّع الحجارة لكن القداسة لا تُقصف، والإيمان لا يُحاصر. الكعبة لم تنتصر لأنها بلا أعداء، بل لأنها فوق صراعاتهم. وكل من حاول أن يجعلها ساحةً لغروره، خرج منها أصغر مما دخل أو لم يخرج أصلا هكذا يكتب التاريخ سطوره الأخيرة دائما البيت باق والطغيان، مهما طال إلى زوال في زمنٍ تُفتح فيه المعرفة بضغطة يصبح الادّعاء بلا فهم... فضيحة.
***
رائدة جرجيس






