قضايا
صائب المختار: هل توجد عصور وسطى إسلامية؟

من المعلوم أن مصطلح العصور الوسطى يعني القرون التي عانت فيها أوروبا من التخلف والجهل والسحر والشعوذة. الكل يتفق مع هذا المضمون ولا خلاف فيه. لكن مما يلاحظ ويجلب الانتباه، هو ظهور أصوات من بعض المثقفين والمفكرين العرب ممن كتبوا وروّجوا لفكرة أن هناك قرون وسطى إسلامية مع ازدياد استعمال مصطلح القروسطية. فما المغزى من هذه الأفكار، وكيف ظهرت، ولماذا هي تزداد انتشاراّ في المجتمع العربي؟ أسئلة كثيرة وعديدة تستحق الإجابة عليها.
تُعرّف القرون الوسطى: بأنها حقبة زمنية امتدت لعشرة قرون، ابتداءً من القرن الخامس الميلادي لغاية القرن الخامس عشر الميلادي. وسميت الوسطى لأنها توسطت عصور التاريخ القديمة، تحديداً من عام 476م (عام سقوط الإمبراطورية الرومانية)، وعصور التاريخ الحديث، تحديداً عام 1453م (عام سقوط القسطنطينية). عانت أوروبا في هذه العصور من شدة الجهل والتخلف والسحر والشعوذة. سميت القرون الخمسة الأولى من القرون الوسطى بالقرون المظلمة، لشدة التخلف والجهل فيها، بينما اعتبرت القرون الخمسة التالية هي القرون الوسطى، لأنها كانت نسبياً أفضل من الفترة الأولى حيث بدأت فيها بوادر وبذور النهضة. وأريد أن أنوّه هنا إلى إن أحداث العصور الوسطى إنما هي خاصة بالشعوب والدول الأوربية حصراً، فهي لا تنطبق على الحضارة الإسلامية ولا على حضارة الصين وشرق آسيا، ولا حضارة الهند أو وسط آسيا أو افريقيا. ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغط في سبات عميق من الجهل والتخلف، فيما أصطُلح عليه بالعصور الوسطى، كان باقي أرجاء العالم يعيش عصراً ذهبياً من اشعاع نور الحضارة الإسلامية، متمثلاً في التسامح الديني والتحضّر واكتشاف العلوم التجريبية والتطبيقية (التي يدّعي الأوروبيون أنهم مكتشفوها) مثل علوم الكيمياء والجبر والأرقام والفلك والطب وغيرها. ولا أدرى لماذا يعتقد البعض أن الجهل والتخلف قد غزا العالم في القرون الوسطى ولا يَعتبرون أن العالم كان يعيش عصره الحضاري الذهبي. قد يكون السبب هو أن المؤرخين والمفكرين الأوروبيون اعتبروا أن تاريخهم هذا هو تاريخ العالم كله. ذلك لأن العالم بالنسبة للأوروبيين يتمثل في أوروبا والأوروبيين فقط، فالأوربيون لا يهتمون لغيرهم. وغالباً ما ذهبوا إلى التغاضي ونكران وجود بعض الحضارات غير الأوروبية. والمشكلة في كل هذا أن بعض المثقفين والمؤرخين العرب قبلوا وصدقوا فكرة أن تاريخ العالم يقسّم إلى عصور قديمة ووسطى وحديثة كما وضعه الأوربيون. وقَبِل بعض المفكرين والمؤرخين العرب هذا التاريخ على أنه تاريخ العالم دون تفحص أو تدقيق، بل تصديق أعمى لأقوال الغرب. خذ مثلا كتاب "خلاصة تاريخ العراق" للأب أنستاس الكرملي وهو يقسّم التاريخ العام على أساس التقسيم الأوروبي المذكور أعلاه، ويوجد غيره من المثقفين والمؤرخين في عصرنا الحديث والمعاصر ممن يعترفون بهذا التقسيم ويقبلونه كما هو. يَعرِف جيداً، كل من له معرفة بالتاريخ أن التواريخ المذكورة لتقسيم التاريخ لا تعني شيئاً لغير الأوروبيين كالعرب والفرس والأتراك والصينين والهنود. فلماذا نقبل بهذه المعلومات الزائفة؟
إن هذه النعرة، نعرة التقليد الأعمى للغرب الأوروبي، أخِذتٌ بالانتشار في الفكر والثقافة العربية. وقد سببت لنا مشاكل نحن في غنى عنها. أذكر على سبيل المثال ما كتبه الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه "تجديد الفكر العربي". ومعلوم أن الدكتور زكي نجيب محمود يعتبر من كبار المثقفين في العالم العربي ومشهود له بالعلم والمعرفة، وهو من جيل المثقفين الكبار في القرن الماضي. يقول الدكتور زكي في مقدمة كتابه هذا، أنه خلال مسيرته الثقافية، تعلّم أن هناك ثقافة واحدة فقط، ناضجة وكاملة ومتطورة، وهي الثقافة الأوروبية (الغربية)، ولم يَعرف غيرها. دَرَسَها في سنين تحصيله العلمي، ودَرّسّها لتلاميذه، وبَرَع فيها. هو لم يطّلع على الثقافية الإسلامية إلاّ من خلال نصوص مشتتة غير كاملة ومبعثرة، لا تفيد الباحث ولا يصل منها إلى معلومة ثقافية مفيدة. ويقول أيضاً، إن صحوة فكرية اصابته في السنين الأخيرة من عمره جعلته ينفر من ثقافة الفكر الغربي، خصوصاً إذا ما كان صاحب الفكر الغربي هو عدوٌ لنا، فلا خير في ثقافة تأتي من عدو. فقرر أن يستبدلها بثقافة الأهل والأجداد، وأن يستعين بتراث الأقدمين (التراث الإسلامي) ليكون عاملاً من عوامل نهضة الأمة، وأن "يمزج تراث اسلافنا مع عناصر العصر الراهن الذي نعيش فيه لنكون بهذه التركيبة عرباً ومعاصرين في آن واحد. ثم يتساءل "ولكن كيف يتم ذلك". ويستفسر "ما الذي نأخذه وما الذي نتركه من القيم التي انبثت فيما خلّف لنا الأقدمون؟ وما الذي نأخذه وما الذي نتركه من هذه الثقافة التي تهب علينا ريحها من أوروبا وامريكا، كأنها ريح عاتية؟ ". إن هذا الكلام يمثل دليلاً واضحاً واعترافاً صريحاً لواحد من كبار المثقفين العرب، بأنه لم يدرس التاريخ الإسلامي ولا الثقافة الإسلامية، وأنه فقط متمرس في الثقافة الأوروبية!! فماذا نتوقع من أفكاره تجاه الثقافة العربية الإسلامية. والملاحظ أن الكثير من المفكرين والمثقفين العرب يسيرون على هذا النهج، مؤمنين بأنه الطريق الصحيح لتجديد الفكر العربي، منبهرين بالنهضة الأوروبية إلى درجة أنهم لا يرون غيرها، ويعتبرون أن هذه النهضة هي الوحيدة والأصيلة في التاريخ. وبذلك فهم ينسون أو يتناسون أن الحضارات السابقة نهضت أيضاً من سبات وجهل عميق كانوا يعانون منه قبل أن يتحضروا، فخطوا الخطى ونهضوا النهضة الكبرى وسادوا على العالم. بالتأكيد لا يستطيع أحداً أن ينكر نجاح النهضة الأوروبية وسيادتها وتفوقها على العالم، لكنها ليست بالضرورة النموذج الفريد في التاريخ والذي يجب أن يحتذى به. يمكن أن يُحتذى بها كنموذج ومنهج للنهضة والتقدم لكن ليس بالأسلوب الذي يتبعه البعض المتحمس للغرب بتقليد أعمى لا يفرّق بين ما هو مفيد لمجتمعنا وما هو مضر لنا.
ليست الحضارة الأوربية هي الحضارة الوحيدة التي نهضت في تاريخ البشرية، فكل الحضارات التي سبقتها، وسادت على العالم في زمانها، كانت قد نهضت من حالة سبات وتخلّف عانت منه قبل النهضة. خذ على سبيل المثال الحضارة الإسلامية: كان العرب عند ظهور الإسلام قوم اميين متخلفين، لا حضارة لهم ولا منزلة لهم تذكر بين الحضارات التي سادت العالم في ذلك العصر (الحضارتين الفارسية والرمانية). كانوا مجرد قبائل بدوا رحّل متفرقين ومشتتين. وباعتناقهم الإسلام، في القرن السابع الميلادي، بدأت عندهم بذور النهضة. فاتحدوا وتعلّموا وتثقفوا، وغزوا العالم، واكتشفوا العلوم، وأنشئوا حضارة سادت على العالم. وأتساءل هنا: أليست هذه نهضة تماثل النهضة الأوروبية، مع مراعاة زمان حدوثها؟ وبنفس المقياس يمكن اعتبار كل الحضارات السابقة قد مرّت بمراحل النهضة، كلٌ حسب عصره وزمانه، فالنهضة ليست حكراً على الاوروبيين. لكن المؤرخون والكتّاب الأوروبيون عملوا على طمس وإغفال هذه الحقائق بهدف رفع شأن الحضارة الأوروبية وسطوتها على العالم عن طريق احتكار المكتشفات العلمية والثقافية وحصرها بهم.
المستشرق الألماني توماس باور، أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية، نشر كتاباً بعنوان "لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟" تُرجمة إلى العربية ونشر بتاريخ 2020. ناقش المؤلف، في كتابه هذا، معنى مصطلح "العصور الوسطى الإسلامية" ومصطلح "القروسطية". بدأ نقاشه بمقارنة واقعية وصحيحة بين حال أوروبا في عصر حاكمها شارلمان (768-814م) التي تمثل فترة العصور الوسطى، وبين حال الحضارة الإسلامية في زمن هارون الرشيد (786-809م) التي تمثل فترة العصر الذهبي، ويشير بهذا المثال إلى التحيّز الواضح في استعمال مصطلح العصور الوسطى، فهم يُعِّدون هارون الرشيد وصلاح الدين من حكّام العصور الوسطى، لكنهم لا يقبلون اعتبار زمن شارلمان حقبة العصر الذهبي. ويقول توماس باور " إن الكثير من علماء الإسلاميات (يقصد الأوروبيون طبعاً) في الواقع ينطلقون من افتراض يبدو طبيعياً بوجود عصور وسطى إسلامية، وإنه من المنطقي استخدام مصطلح العصور الوسطى لوصف الثقافة والادب والعلوم في العالم الإسلامي". هذا الافتراض والترابط انطلق من اعتبار أن فترة العصور الوسطى تُعد أكثر حقبة سيطر فيها الدين على الاطلاق، واعتبروا أن الثقافات الإسلامية دينية بشكل خاص، لذلك فمن الطبيعي وجود عصور وسطى إسلامية!! وإن العصور الوسطى الإسلامية كانت تجسيداً للتعصب الديني. ويؤكد توماس باور إن مثل هذه الفكرة السخيفة عن المجتمعات الإسلامية في فترة ما قبل الحداثة بعيدة تماماً عن الواقع، حيث تميّزت الثقافة الإسلامية وبشكل مدهش بنسبة عالية من التسامح. وفي الوقت الذي طغت صفة العصور الوسطى على تاريخ العالم، بضمنها الحضارة الإسلامية، طُمِست وهُمّشت معالم العصر الذهبي واهملت على الرغم من أن أنوار العصر الذهبي كانت هي المنتشرة في أكثر أرجاء العالم. وصدقها بعض المفكرون والمثقفون العرب وكتبوا بها.
إن مصطلح العصور الوسطى لم يكن بريئاً، فقد استعمل وبكثرة للتشهير بالدول التي يعتبرونها متخلفة، ووصف حالة التخلف والجهل التي تمر بها شعوب العالم الثالث وتحديداً العربية والإسلامية. وقد تحوّل الآن مصطلح القرون الوسطى من كونه يمثل حقبة زمنية معينة مرت بها أوروبا، إلى كونه صفة مخصصة للتخلف والتعصب الديني، وهذا ما يوصف به المجتمع العربي حالياً. فالسعودية والعراق وسورية، مثلاً، تعيش الآن قرونها الوسطى من التخلف وعدم النهضة (كما توصف هذه البلدان حاليا فكرياً وسياسياً وحضارياً)، بينما يتم غض النظر عن واقع أحدثه الأوروبيون هو أن القرن العشرين هو الأكثر دموية في تاريخ العالم. وهكذا يتبين أن وصم بقية العالم بالقروسطية، هو فعل استراتيجي امبريالي غرضه استمرار إعلاء التفسير الغربي للحداثة العالمية على ما عداه من التفسيرات (توماس باور). ويقول توماس أيضاً "هي فكرة تعود إلى هيجل في كتابه "أطلس الفلسفة"، حيث كتب إلمر هولينشتاين: ما يبدو للغرب كقصة تَقَدم، يظهر في الشرق كقصة ركود. ولهذا السبب فإن المصير المحتوم للقارات المتخلفة -من وجهة نظر هيجل- هو أن تتم رعايتها والاشراف عليها من قبل أوروبا". وهذا ما حدث فعلاً عندما وضع العراق والشام تحت الانتداب البريطاني والفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى من خلال انشاء عصبة الأمم وعلى أساس أن هذه الدول التي تحررت من سيطرة الدولة العثمانية عاجزة عن إدارة الدولة بسب تخلفها، لذلك يتم تكليف دول متحضرة للإشراف عليها وتعليمهم أساليب إدارة الدولة الحديثة.
أمّا مصطلح القروسطية فهو غريب ودخيل على الثقافة العربية، ظهر فيها حديثاً. ويبدو لغوياً أنه نتج عن دمج كلمتي القرون وكلمة الوسطى، لسهولة الاستعمال. إلا أن المعنى أعم واشمل، فقد أصبح لا يُستعمل لوصف فترة زمنية (حقبة القرون الوسطى)، وإنما يستعمل للتعبير عن حالة التخلف والجهل التي تعيشها المجتمعات المتخلفة. وعندما توصف المجتمعات بالقروسطية فإن ذلك يعني إنها ذات سلطة قمعية استبدادية، متخلفة لا تواكب روح العصر. لذلك فإن المصطلح أصبح غالباً ما يستعمل لوصف المجتمعات العربية والإسلامية. فعلى سبيل المثال، وصَفَ د. صادق جلال العظم بعض الممارسات الدينية المتشددة بأنها تعكس "عقلية قروسطية"، في إشارة إلى تحكيم نصوص دينية بتفسير جامد ومتسلط بعيداً عن العقلانية الحديثة. وكذلك قال محمد عابد الجابري في كتاب "المثقف العربي همومه وعطاؤه" عندما طُلب منه أن يكتب مقال عن "المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية" فكتب ما يلي "كيف يمكن الحديث عن المثقفين في حضارة تنتمي إلى الماضي، إلى القرون الوسطى، في حين أن مقولة المثقفين حديثة"، وكأنه لا يعرف أن حقبة القرون الوسطى تستعمل حصرياً لوصف تخلّف الأوربيين، وإن عصر الحضارة العربية كان عصراً ذهبياً. وهناك امثلة كثيرة أخرى مشابهة لا يتسع المجال لذكرها.
والحقيقة، فقد نجح الأوربيين في إلصاق تهمة القرون الوسطى والقروسطية بالمجتمعات المتخلفة وتحديداً العربية منها. ونجحوا أيضاً في النأي بحضارتهم الأوروبية عن وصفها بالقرون الوسطى والقروسطية على أساس انها مرّت بنهضة متواصلة ليس فيها تخلف، بعكس الحضارة الإسلامية التي عانت وما زالت تعاني من التخلف، فانحصر مفهوم القروسطية بالمجتمعات المتخلفة فقط ولا يستعمل لوصف المجتمع الغربي المتحضر. ومما يؤسف له أن هذا المصطلح كثر استعماله عند المفكرين العرب. يذكر توماس باور في كتابه المذكور أعلاه مثال على استعمال مصطلح القروسطية "إن وصم كل من أفغانستان والعراق بالقروسطية قد ساعدت بالتأكيد على جعل التدخل الأمريكي فيهما أكثر قبولاً".
ولا يفوتني أن أذكر هنا كتاب "تاريخ ضائع، التراث الخالد لعلماء الإسلام ومفكريه وفنانيه" من تأليف مايكل هاملتون مورجان، وهو دبلوماسي امريكي وكاتب ومحلل سياسي. نشر الكتاب عام 2007. اختار المؤلف لكتابه اسم "تاريخ ضائع" (وهو يقصد التاريخ الحضاري الإسلامي المغيّب)، ليوضّح كيف تم تهميش وطمس ونسيان انجازات الحضارة الإسلامية بالكامل في السرديات الأوروبية لتاريخ العلم والثقافة، لكي ينسب الأوروبيون لأنفسهم فقط تلك الاكتشافات العلمية، ويتعمدوا انكار جهود غيرهم في تطور العلوم والمعرفة. يركز الكتاب على فكرة أن الغرب مَدين للحضارة الإسلامية بقدر كبير من التقدّم والتطوّر الفكري والعلمي، ويستعرض أحوال العصور الذهبية الإسلامية، وكيف كانت منارة عالمية للعلم والمعرفة في الوقت الذي كانت أوروبا تعيش ظلاماً دامساً. ويشرح تأثير العلوم الإسلامية على النهضة الأوروبية، مثل ابن سينا وكتابه "القانون في الطب"، والرازي وكتابه "الحاوي في الطب"، ودور الخوارزمي في اكتشاف الأرقام والصفر وعلم الجبر، وجابر ابن حيان وابن الهيثم في الكيمياء والبصريات. يقول المؤلف في مقدمة الكتاب "معظم الأمريكيون بما فيهم الأمريكيون المسلمون، وحتى عدد كبير من المسلمين حول العالم، لا يعرفون سوى قشور التاريخ الإسلامي أي " إنهم كانوا عظماء في يوم من الأيام وإنهم اخترعوا علم الحساب ثم سقطوا في مستنقعات التأخر". كما إن معظم الغربيين قد تلقنوا أن جذور المجد الغربي تعود إلى أيام الرومان والاغريق، وأنه بعد سبات ألف عام في مجاهل عصور الظلام حدثت المعجزة واستيقظت أوروبا لتعيد صلاتها بأصولها الرومانية والاغريقية. أما الاسهامات الفكرية للعرب والفرس والهنود والصينيين فقد اختزلت واقتصرت على الحواشي المتناثرة هنا وهناك".
والرسالة من هذا المقال: إلى المثقفين العرب المبهورين بالنهضة الأوربية بشدة، إلى درجة أن ابصارهم غَفلت عن مساوئ ومضار النهضة الأوروبية وكأنها غير موجودة، والتي لا تناسب المجتمع الشرقي. وأذكّرهم بتجربة النهضة اليابانية الناجحة، التي تزامنت مع النهضة العربية في مصر في عهد محمد على باشا الكبير والتي تعثّرت مسيرتها ولم تعطي ثمارها بعد. ومن الأسباب المهمة في نجاح التجربة اليابانية هو اهتمام وتركيز العلماء والمفكرين اليابانيين على فهم العلوم والتقدم التكنولوجي والسياسي، والابتعاد عن عادات واعراف وثقافة المجتمع الغربي، التي لا تناسب مجتمعهم، واعتزاز اليابانيون بتاريخهم وتراثهم واعرافهم السائدة في مجتمعهم، وبذلك لم يحدثوا فجوة كبيرة في عقول وثقافة مجتمعهم كما حصل ويحصل في مجتمعنا.
***
د. صائب المختار