قضايا
صباح خيري: فقه الانموذج الحديثي بين صراع التكوين وصيرورة الانغلاق

إنّ الثقافة النقدية الجادة في ساحة الفكر الاسلامي المعاصر توثر ايجابيا على تطور الوعي، ومن النشاطات المهمة في استرجاع التراث وثقافته واعادة قراءته بحضور واعي جاد تؤدي الى عدم الانغلاق والتمرد على الاصل، ولأجل تجديد المنظومة المعرفية عند المتلقي المعاصر لابد من حضور حقل فلسفة العلم الذي هو من ضمن رهانات التحول ورصد التطورات بحسب الزمان والمكان.
ونجد ما يُقدم من الدرس التاريخي للباحثين والمشتغلين في مساحات واسعة من الاطلاع على طبيعة المشهد للفهم الذي يمر عبر الزمكانية، وان رصد ذلك الفهم مع تغيرات والاسباب العوامل التي دخلت عليه من البيئة والزمان قد ادت الى فهم مغاير للتراث او معارض له او صرف النظر عن الاس المعرفي كونه غير مواكب لهذه الصيرورة المتحولة، كما ان الدراسة التاريخية التفسيرية التي تختص دراسة فهم النص وقراءته اثرت المصاديق وتطابقها مع المدلول مخالفة للنص او للفهم القديم ، وسببت تغير لهذه المصاديق البعد عن النص وادخال العقليات بين مساحة الفهم والنص ،ومع رصد الواقعية التاريخية لهذه النصوص تغير حكمها، أو حصره في الزمان والمكان الذي صدرت فيه، فضلا عن مدخلية الفهم الطارئة على النص واثرها، قالوا بتصحيح مسار التاريخية في تناول الحديث الشريف.
فالقصد بالتاريخية هنا دراسة ليست الازاحة، أو عدم الافادة الكلية من المصدر الحديثي وفهمه ككل ولا نقصد به ايضاً عدم امكانية استيعاب هذه النصوص للواقع؛ لانها صدرت بواقع محدد والمصداق والمفهوم معين، بل هي قابلة للفهم والمرونة لهذه كان الباعث الاساس في رصد هذه المرونة المتتبعة عند فهم العلماء والمحدثين والفقهاء في جعل تلك المفهومات آليات لبناء احكام تشريعية أو نظام عقائدي يبني على اساس ابتكار العلماء من اجل استيعاب التغير الحاصل من الفهم والواقع عن طريق نظرية الزمان والمكان .
وممكن القول ان تداعيات (فقه الانموذج) في حقل الحديث الشريفة ودراسته ضمن المتغيرات التاريخية والمعرفية التي جالت في مدونات وذاكرة المشتغلين حول البحث الحديثي اصبح ضرورة ملحة اليوم بسبب المشكلات الحاصلة في فهم الرواية وتسويقها كأسس بديل للقران الكريم وجعلها قطعية العمل على ظاهرها من دون الرجوع الى تاريخية زمنها وعملها الحاضر والمستقبل .
تصنف هذه الدراسات حول فضاء لغة الحديث من الراوي والرواية، والتقسيمات التي تكونت منها منظومات الحديثية، ومنهجيات قبول هذه الرواية والعمل بها ، ثم مكونات ذلك العنصر الحديثي (المتن والسند) ثم ثقافة النقد والتهذيب التي عملها بها بعض اصحاب الرجال في الجرح والتعديل، ويمكن اضافة اعادة القراءة والتبويب المنظومة الحديثية في اطارات موضوعية جديدة بحسب المجالات المعرفة الانسانية والعلمية.
ينبغي قراءة التراث بعد التوفر على ادوات فهمه وعناصرها من اجل تبديد سلطته على العقل ويمكن فتح نافذة للاستشراف واستنطاق هذه النصوص بمتغيرات عدة ومن خلال الفهم الحاصل واستثمار تلك العناصر الثّاوية في طيات الرواية والاحتفاظ بالمنجز البشري وتجربته على ان نقدم قراءة لا تنفك عن ظروف الزمانية والمكانية لفهم النص.
***
أ. م. د. صباح خيري العرداي/ جامعة الكوفة – كلية التربية الاساسية