قضايا

محمد ساجت السليطي.. التواضع المذهبي الغائب

قراءة في العقل الطائفي العربي

 في المجتمعات العربية ذات الغالبية الدينية، لم تكن المذهبية يومًا مجرّد تمايز فقهي أو اجتهادي في فهم النصوص، بل تحوّلت مع الزمن إلى بنية متكاملة من الانتماء المغلق، تُقاس فيها الحقيقة بمدى قربها من "هويتنا" المذهبية، لا بموضوعيتها أو عدالتها. وفي خضم هذا الواقع، يبرز مفهوم "التواضع المذهبي" بوصفه فضيلة مغيّبة، وأملًا في إعادة الاعتبار إلى الدين كرسالة روحية وأخلاقية، لا كأداة فرز طائفي أو أيديولوجي.

"التواضع المذهبي" هو الاستعداد للاعتراف بنسبية الفهم البشري للدين، والانفتاح على المذاهب الأخرى من موقع إنساني وفكري، لا من موقع الهيمنة أو الازدراء. وهو، بهذا المعنى، موقف نقدي من الذات المذهبية قبل أن يكون تسامحًا مع الآخر. غير أن هذا النوع من التواضع نادر في البيئة العربية، إذ يهيمن على الخطاب الديني والإعلامي والسياسي نمط من التفكير الطائفي يقسّم الناس إلى "حقٍّ مطلق" و"باطلٍ مطلق"، ويمنح كل فريق شرعية إقصاء الآخر أو إسقاطه دينيًا وأخلاقيًا.

تنطلق هذه الدراسة من سؤال جوهري: لماذا يغيب التواضع المذهبي في المجتمعات العربية رغم كثافة الخطاب الديني، وادعاء التعدد والاختلاف؟ وما العوامل البنيوية التي ساهمت في تكوين "عقل طائفي" يعجز عن ممارسة النقد الذاتي أو قبول التعدد داخل المجال الديني نفسه؟

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل الظاهرة من خلال تفكيك البنية الفكرية والنفسية والاجتماعية التي تقف وراء انعدام التواضع المذهبي، عبر قراءة في التجربة الدينية العربية، وممارسات المؤسسات الدينية، وآليات إنتاج الانتماء الطائفي، وتوظيف الدين في الصراعات السياسية.

تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها لا تكتفي برصد مظاهر الطائفية، بل تحاول النفاذ إلى الجذر العقلي والثقافي الذي يُنتجها، وهو غياب التواضع بوصفه وعيًا عميقًا بالذات وبالآخر في آنٍ واحد. كما تبرز أهميتها في كونها تفتح أفقًا للتساؤل حول كيفية استعادة القيم الدينية في بعدها الإنساني، وتحريرها من أسر المذهب والهوية المغلقة.

تعتمد الدراسة مقاربة تحليلية-نقدية، تستند إلى تفكيك الخطاب الديني الطائفي، وقراءة الممارسات الدينية من زاوية علم الاجتماع الديني، وعلم النفس الجمعي، مع الإحالة إلى شواهد تاريخية وفكرية معاصرة من التجربة الإسلامية والمجتمعات العربية.

 التواضع المذهبي.. المفهوم الغائب

رغم تكرار مفردات التسامح والتعدد والاختلاف في الخطاب الديني المعاصر، يبقى التواضع المذهبي مفهومًا غائبًا أو مُغيبًا، سواء في التنظير أو في الممارسة. فالخطاب المذهبي غالبًا ما ينطلق من منطق الدفاع والتبرير، أو من موقع التفوق والاحتكار للحقيقة، فيُسقط على الآخر المذهبي صورًا نمطية مشوهة، دون أن يملك الشجاعة لتفكيك بنيته الذاتية أو نقد تاريخه الخاص.

ما هو التواضع المذهبي؟

التواضع المذهبي لا يعني الذوبان في الآخر، ولا التنازل عن القناعات، بل هو الاعتراف بأن الفهم الديني البشري نسبيّ، وأن المذاهب - مهما بلغت من العمق والثراء - هي اجتهادات بشرية في قراءة النص، لا مساوية للنص نفسه. إنه موقف فكري وأخلاقي يقوم على:

- فصل المذهب عن القداسة المطلقة.

- الاعتراف بأن الآخر قد يمتلك جزءًا من الحقيقة.

- القدرة على مساءلة الذات والانفتاح على النقد.

- النظر إلى الدين من أفق إنساني شامل لا من زاوية الهوية الضيقة.

لماذا هو غائب؟

يُغيَّب التواضع المذهبي في مجتمعاتنا لعدة أسباب:

1. البنية التعليمية الأحادية: حيث يتربى الأفراد على أن مذهبهم وحده هو الصحيح، بينما الآخرون ضالّون أو منحرفون.

2. الخطاب الديني التحشيدي: الذي يتغذى على المقارنة مع الآخر بهدف تعزيز الانتماء لا بهدف الفهم.

3. الذاكرة التاريخية الجريحة: بما تحمله من حروب وصراعات بين المذاهب، تُستعاد وتُوظف في الحاضر.

4. تحالف المذهب مع السلطة: حيث يصبح الدفاع عن المذهب دفاعًا عن هوية سياسية واجتماعية، لا مجرد رأي ديني.

النتيجة

ينشأ خطاب ديني لا يعترف إلا بذاته، ولا يرى في الآخرين إلا تهديدًا يجب الرد عليه، لا تجربة يمكن التعلم منها أو الحوار معها. ويتحول الدين، في ظل هذا الغياب، إلى أداة فرز لا إلى دعوة شاملة، ويصبح المذهب هو الدين نفسه، لا مجرد طريقة في فهمه.

 كيف تشكَّل العقل الطائفي؟

العقل الطائفي ليس نتيجة انفعال لحظي، ولا ظاهرة عابرة. إنه بنية متراكمة، تشكّلت عبر قرون من التفاعل بين عوامل دينية وتاريخية ونفسية واجتماعية، حتى أصبحت منظومة إدراك وتأويل واصطفاف، يرى من خلالها الإنسان العالم والآخر والدين والتاريخ.

1. النشأة في بيئة مغلقة

يولد الفرد في بيئة مذهبية مغلقة، يتربى على أن انتماءه الديني هو الحق المطلق، وأن كل ما عداه باطل أو مشبوه.

يتلقّى الدين لا كدعوة للبحث، بل كإرث مقدس لا يُمس. تُربّى لديه الحصانة لا المناعة، والتسليم لا التفكير، فينشأ على أن الإيمان يعني الولاء المطلق للمذهب، لا للحق بمعناه الكوني.

2. التعليم المذهبي

يُلقَّن الطالب – منذ المراحل الأولى – تاريخًا دينيًا مشحونًا، يتم فيه تمجيد الذات وشيطنة الآخر. في كثير من المدارس الدينية، لا يُدرّس فقه المذاهب الأخرى إلا من باب الرد والتفنيد، لا من باب الفهم والاعتراف، ويُختزل تاريخ الآخر في لحظاته السوداء، بينما يُصنع من تاريخ الذات سردية انتصارية بلا نقد.

3. الذاكرة الجمعية الجريحة

الصراعات التاريخية بين المذاهب، من الفتن الكبرى إلى المذابح الطائفية، خلّفت جروحًا في الوعي الجمعي، يتم استدعاؤها في كل لحظة توتر، وتُستخدم لتبرير الحذر، أو الكراهية، أو الاستعداد للعداء. تصبح الذاكرة مادة تعبئة لا درسًا أخلاقيًا، وتُحمل الأجيال الحاضرة وزر أفعال الأجداد.

4. الرموز مقابل القيم

يتحوّل الدفاع عن الرموز (الصحابة، الأئمة، العلماء...) إلى مركز العقيدة، بحيث يصبح الولاء للرموز أهم من الولاء للقيم نفسها. من هنا، يُقصى الآخر لأنه لم يُجلّ رموزنا، لا لأنه ارتكب ظلمًا أو أخلّ بقيمة. ويجري خلط خطير بين حبّ المقدّس وكراهية المختلف.

5. تديّن الانتماء لا تديّن القيم

في العقل الطائفي، يصبح التدين إثبات انتماء، لا تجسيد أخلاق. الدين يتحوّل إلى هوية سياسية أو اجتماعية، لا طريق نحو الله. فيُختزل الإيمان في شعارات واصطفافات، ويُقاس الالتزام بمدى عدائك للخصم المذهبي، لا بمدى قربك من العدل والرحمة.

العقل الطائفي إذن، ليس جهلًا فرديًا، بل بنية جماعية، تُنتجها المؤسسات، وتُغذيها الخطابات، وتُكرسها الذاكرة، وتُحصّنها السلطة. ومن دون تفكيك هذه البنية، سيظل التواضع المذهبي غائبًا، بل مستحيلًا.

الدين حين يُختزل في المذهب

من أخطر التحولات التي أصابت التجربة الدينية في العالم الإسلامي، هو اختزال الدين في المذهب، بحيث لم يعد الإسلام عند كثير من الناس هو رسالة النبي، بل صار هو ما تقوله الطائفة وما تفسّره المدرسة المذهبية، وما تقرره المؤسسة التي تحتكر التفسير.

1. من النص إلى التفسير

النص القرآني واحد، لكن فهمه متعدد. ومع ذلك، يتعامل كثير من أتباع المذاهب مع تأويلهم للنص على أنه النص نفسه. فتصبح أقوال الإمام، أو العالم، أو المذهب، بمثابة الحقيقة الدينية القطعية. بل قد يُترك النص أحيانًا لصالح رأي مذهبي لاحق، أو يتم ليّ عنق النص كي ينسجم مع ما تقرر سلفًا في كتب الطائفة.

2. تحويل التراث إلى مقدس

يتحول التراث الفقهي والكلامي والتاريخي إلى منطقة محرّمة، لا يجوز نقدها أو مساءلتها. ويُعامل كلام الفقهاء وكأنه وحي، وتُبنى العقيدة على استنتاجاتهم، لا على النصوص نفسها. وبدل أن يكون التراث مرآة لتعدد الاجتهادات، يصبح معيارًا لمحاكمة الآخرين، وسيفًا يُرفع بوجه المختلف.

3. الدين كهوية لا كقيمة

في هذا الاختزال، يفقد الدين وظيفته الروحية والأخلاقية، ويتحوّل إلى هوية مغلقة.

لا يسأل الناس: هل أنا عادل؟ هل أنا صادق؟ بل يسألون: هل أنتمي للمذهب الصحيح؟

وهكذا، تُختزل التقوى في الشعارات الطائفية، وتُنسى القيم الكبرى مثل الرحمة والصدق والكرامة، لصالح ولاء مذهبي صارم.

4. انغلاق باب التأويل

عبر التاريخ، شكّل التأويل بابًا للاجتهاد والتجديد، لكن مع صعود الخطاب الطائفي، أصبح التأويل تهمة، وخرج من أيدي المفكرين ليدخل في قبضة الفقهاء الحزبيين. فأُغلق الباب أمام القراءات الجديدة للنص، وأُعيد إنتاج الفهم ذاته، حتى أصبح الدين مجرد صدى لصوت المذهب، لا صوتًا حيًّا للحقيقة.

5. تقديس الانقسام

تتحول الخلافات الفقهية إلى مقدسات طائفية، ويُبنى عليها الاصطفاف والانتماء. فمن يوافقنا فهو مسلم كامل، ومن يخالفنا فهو متهم أو منقوص أو على حافة الخروج من الدين. تتوقف مرونة الدين، وتتجمد حيويته، ويصبح خلاف المذاهب حاجزًا نفسيًا وعقليًا بين الناس، لا مجرد تنوع اجتهادي.

إن اختزال الدين في المذهب لا يقتل فقط روح التعدد، بل يفرغ الدين نفسه من محتواه. فإذا غاب الأفق الإنساني والروحي والأخلاقي، لم يبقَ من الدين سوى هياكل مذهبية تتصارع على تمثيله، كلٌ يدّعي أنه الأقرب إلى الله، وهو أبعد ما يكون عن روحه.

من الدفاع إلى العدوان

في كثير من الحالات، يبدأ الانتماء المذهبي من موقع الدفاع: الدفاع عن الذات، عن الحقيقة، عن الهوية، عن التاريخ، عن الشعائر. لكن هذا الدفاع، إذا لم يُضبط بالوعي النقدي والتواضع الإيماني، سرعان ما يتحول إلى عدوان على الآخر، لا في الجسد فقط، بل في الذاكرة والوعي والخطاب والشرعية.

1. الدفاع المذعور

ينشأ كثير من الخطابات الطائفية من خوف جماعي، حقيقي أو متخيّل، من ضياع الهوية أو طمس الخصوصية. فكل اختلاف يُرى تهديدًا، وكل نقاش يُستقبل كتشكيك، وكل تقارب يُعدّ مؤامرة. ينغلق العقل، ويُستنفر الوجدان، ويُبنى الحصن: "نحن الضحية... إذًا الآخر عدوّ".

2. تحويل الآخر إلى كائن مشوّه

العدوان لا يبدأ بالسلاح، بل بالصورة الذهنية. تُبنى صورة الآخر من خلال سرديات منحازة، تتقصّد التشويه، وتُعيد إنتاج الكراهية عبر القصص المتوارثة، والنكات الساخرة، والاتهامات الدينية. يُجرد الآخر من صفاته الإنسانية: فلا عدل له، ولا تقوى، ولا صدق، لأنه ببساطة... "من تلك الطائفة".

3. الشرعنة اللاهوتية للعداء

لترسيخ العداء، يُستدعى الخطاب الديني المذهّب، فتُنتزع من التراث أسوأ الروايات وأكثرها عنفًا، وتُقدَّم باعتبارها تمثل جوهر الطائفة الأخرى. ثم يُبنى خطاب "الولاء والبراء"، و"الحق المطلق والباطل المطلق"، ويُصبح الاختلاف عذرًا للنبذ، والنبذ مدخلًا للتكفير، والتكفير تمهيدًا للعدوان.

4. من الكلمة إلى الرصاصة

حين تُهيمن هذه البنية الذهنية، يصبح العنف نتيجة طبيعية:

- في الخُطب: سبٌّ وشتم وتحقير.

- في الكتب: تشويه وتحريض.

- في المنابر: تعبئة واستنفار.

- في الشارع: تهديد وتصفية واستبعاد.

وكل فعل يُبرَّر باسم "الدفاع عن العقيدة"، حتى لو كان عدوانًا صريحًا.

5. الدفاع الذي يقتل الدين

المفارقة أن هذا "الدفاع العدواني" لا يحمي الدين، بل يقتله من الداخل. لأنه يُفرغه من معاني الرحمة، والعدل، والحرية، والتواضع. فيتحوّل الدين إلى خندق، والمذهب إلى سلاح، والناس إلى فرق متقاتلة باسم الله، والله منهم براء.

الدفاع عن الهوية حق مشروع، لكنه لا يكون مشروعًا إذا تحوّل إلى أداة قمع. والحرص على المذهب فضيلة، لكنه يصبح رذيلة حين يُمارَس على حساب الحقيقة والعدل والكرامة. الطائفية لا تبدأ بالسلاح، بل تبدأ بفقدان التواضع المذهبي.

هل من مخرج؟

بعد هذا العرض لبنية العقل الطائفي، وآليات تشكله، وتجليات غياب التواضع المذهبي، يظل السؤال الكبير:

هل من مخرج؟ هل يمكن في بيئة مشبعة بالانغلاق والذاكرة الجريحة والانتماء المتعصب، أن يُولد وعي جديد؟

وهل للتواضع المذهبي من فرصة واقعية، أم أنه مجرد حلم طوباوي في زمن الانقسام؟

1. إعادة مركزية القيم بدل المذاهب

أولى الخطوات للخروج من الطائفية هي ردّ الدين إلى جوهره القيمي: العدل، الرحمة، الكرامة، التواضع، حرية الضمير. حين تصبح هذه القيم مركز الخطاب، ينزاح المذهب من موقع التقديس إلى موقع الاجتهاد، وينفتح المجال لرؤية إنسانية وروحية للدين.

2. تفكيك الهويات الطائفية

لا يمكن أن يُولد تواضع مذهبي دون مساءلة الهويات الدينية المغلقة. فالهوية الطائفية حين تتحوّل إلى مطلق، تصير قفصًا للفكر والدين والوجدان. المطلوب هو إعادة تعريف الذات الدينية بوصفها هوية أخلاقية مفتوحة، لا جماعة مغلقة.

3. تحرير التعليم الديني

المدارس الدينية هي المصانع التي يُشكَّل فيها الوعي. ولذلك، فإن أي إصلاح يبدأ من تحرير التعليم من النزعة المذهبية المغلقة، وإدخال مناهج مقارِنة، تعرّف بالاختلاف المذهبي بوصفه تراثًا إنسانيًا، لا تهديدًا عقائديًا.

4. تشجيع التأويل والنقد

فتح باب التأويل، وتشجيع القراءة النقدية للنص والتراث، وإعادة الاعتبار للعقل في التعامل مع الدين، من أهم أدوات الخروج من الانغلاق. فالمذهب المغلق يخاف من العقل، والمذهب الواثق يتسع للنقد.

5. بناء خطاب ديني جديد

نحتاج إلى فقهاء ومفكرين ووعاظ يتحدثون بلغة القيم، لا بلغة الاصطفاف. ينبذون الكراهية، ويتحررون من الحسابات السياسية والطائفية، ويدافعون عن الإنسان بما هو إنسان، لا بما هو تابع لطائفتهم. خطاب يزرع الوعي بدل الولاء، ويُعيد للدين طُهره الأول.

ليس المطلوب طمس الفوارق المذهبية، ولا تذويب الهويات، بل العكس: المطلوب هو التواضع الذي يعترف بها، ويعقلنها، ويجعلها جسرًا للفهم لا خندقًا للعداء. إنها معركة وعي، تحتاج إلى شجاعة فكرية، وأصوات مخلصة، ومؤسسات تربية تؤمن بأن الله لا يُعبد بالكراهية، وأن الحق لا يُختزل في مذهب.

خاتمة

إن التواضع المذهبي ليس ضعفًا في الإيمان، ولا تهاونًا في الدفاع عن العقيدة، بل هو أرقى درجات النضج الديني، وأصدق تعبير عن فهم الإنسان لمحدوديته، وعن إدراكه أن الله لا يُحدّ في مذهب، ولا يُختصر في طائفة، ولا يُحتكر من قبل جماعة.

في مجتمعات أنهكتها الحروب الطائفية والانقسامات المذهبية، وأفسد فيها الدين السياسي الوجدان العام، لم يعد يكفي أن نتحدث عن التسامح، أو نتغنّى بالوحدة، ما لم نواجه البنية التي تصنع الكراهية وتعيد إنتاجها جيلًا بعد جيل.

التواضع المذهبي لا يولد من الخطاب الرسمي، بل من إعادة تربية العقول والقلوب:

- من تعليم الناس أن المذاهب اجتهادات، لا حقائق مطلقة.

- من نقد التاريخ الديني دون خوف، وقراءته بعيون مفتوحة لا بأفواه مغلقة.

- من إعادة مركزية الإنسان في فهم الدين، لا المذهب أو الطائفة أو الزعيم الروحي.

لقد آن الأوان أن نخرج من عقلية "الفرقة الناجية"، إلى أفق "الحق الواسع"، ومن منطق الولاء للمذهب، إلى منطق الولاء للقيم، ومن الاصطفاف وراء الراية، إلى السير وراء البصيرة. إن ما يحمي الدين من التوظيف الطائفي، ويحمي الإنسان من السقوط في التعصب، هو هذا الإدراك الرفيع بأن الحقيقة لا تُختزل فينا، وأن لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق.

فهل نملك الشجاعة الفكرية والأخلاقية لنبدأ من هنا؟

***

محمد ساجت السليطي - كاتب وباحث عراقي

..............

المصادر والمراجع

1. الجابري، محمد عابد. بنية العقل العربي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1982.

2. حنفي، حسن. التراث والتجديد. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980.

3. الطوزي، محمد. الإسلام السياسي: قراءة سوسيولوجية. دار توبقال، 1992.

4. الغرباوي، ماجد. مدارات عقائدية ساخنة. مؤسسة المثقف، 2020.

5. فضل الله، محمد حسين. خطاب الاعتدال في مواجهة التطرف. دار الملاك، بيروت، 2005.

6. شحرور، محمد. الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة. دار الساقي، بيروت، 1990.

7. العروي، عبد الله. الإيديولوجيا العربية المعاصرة. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1995.

8. نصر حامد أبو زيد. الخطاب والتأويل. المركز الثقافي العربي، 2000.

9. علي حرب. نقد النص. المركز الثقافي العربي، بيروت، 1993.

10. هشام جعيط. الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر. دار الطليعة، بيروت، 1992.

11. إريك هوبسباوم. اختراع التقاليد. ترجمة: فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007.

12. بيير بورديو. العقلانية العملية. ترجمة: جلال بدلة، دار الفارابي، بيروت، 2012.

13. عبد الجبار الرفاعي. الدين والنزعة الإنسانية. مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2018.

14. كمال عبد اللطيف. الهوية والاختلاف في الفكر العربي المعاصر. دار توبقال، الدار البيضاء، 2006.

15. برهان غليون. اغتيال العقل: مدخل إلى تحليل الخطاب الاستعماري. المركز الثقافي العربي، بيروت، 1990.

 

في المثقف اليوم