قضايا
محمد القاسم: حاجة المجتمع للأساطير

يعتاد المجتمع أي مجتمع على مجموعة أمور، تشكل في نهاية المطاف نمطا سلوكيا جماعيا يعمل به أفراد المجتمع عملا دائميا لا يكاد ينفك عنهم، فيكون من سلوكيات المجتمع وطقوسها المعتمدة، وثقافة البيئة التي رسخ فيها وركز رمحه الصلب فيها، في حين يكون سلوك المجتمعات سلوكا جاذبا للخرافات والأساطير، بوصفها حكايات جميلة وممتعة، فلا تكاد تجد بيئة معروفة أو مجتمعا هنا أو هناك إلا واهتم بمثل هذه الأمور. وقد أفهم أمرا مهما أن هذه الرغبة العارمة التي تكتنف أفراد المجتمع لتقبل هذه الخرافات والأساطير إنما تأتت من حاجة المجتمع لها، لا بوصفها الدواء لمشاكل المجتمع الفكرية أو الصحية أو الاقتصادية وإنما بوصفها الداء المحبب لفكرها المتعطش لمثل هذه الأمور. بل أرى أن المجتمع يتقبل هذه الخرافات والأساطير على أنها تعويذة هدوء لفكرها، أو صدمة انعاش لعقلها، أو ترنيمة إيحاء لخيالاتها التي لا تنقطع تفكر بمثل هذه الأشياء.
في حين ترى مجتمعات كثيرة أن وجودها وكيانها قائم على مثل هذه الأشياء، ومن دونها لا قيمة لهذا المجتمع بالمرة، ولا أريد أن اسمي هذه المجتمعات فهي واضحة. ويمكن تقصي مهمة الخرافات والأساطير في بعض المجتمعات على انها طابع ثقافة هذا المجتمع أو ذاك، أو أنها صور رمزية ظلهرية لحقائق باطنية تكللت عقول أفراد المجتمع بنتاجها وهيكلتها على مستوى ما يؤمن به أفراد هذا المجتمع.
ولا يفوتني هنا أن أذكر أن المجتمعات كلها بلا استثناء عملت على بلورة هذه الخرافات والأساطير وجعلها قابلة للتصديق والتمثيل، وبالتالي الإيمان بها على أنها رمزية هذا المجتمع بوصفها صورة جميلة معبرة عن شكل المجتمع وندرته وقدرته على التأثير والبرود بوصفه مجتمعا حضاريا مميزا.
وعليه فإن حاجة المجتمع للأساطير جعلها تنمي هذه الخرافات والأساطير وتظهرها على أنها من كمالات المجتمع وسلوكياته الجميلة الأخاذة.
***
أ. م. د. محمد إسماعيل القاسم بابل