قضايا
أنور ساطع أصفري: سيكولوجية سلب العقل

السيطرة على الأفكار من الانفراد بخلخلة العقول إلى غسيل الأدمغة
علاقة المخدرات بالمشاكل النفسية والفكرية
إنّ المُعاناة النفسية لدى الشباب الذين يتعاطون المخدرات تُترجم بشكلٍ جليّ من خلالِ عدمِ الارتياح، وعدم الاستقرار من الناحيةِ النفسية، وخاصّة في سنّ المُراهقة، ويتوضّح ذلك من الصمت الذي يسلكه المراهق، وحالة الإنطواء التي يمرّ بها، وعدمِ أخذ الإعتبار لذاتهِ، إضافةً إلى اضطراب المزاج وخلل في تأنيب الضمير.
وقد تأخذ هذه المعاناة شكلاً آخراً مثل بداية الإنحراف، ومن ثُمّ يبدأ التطرف والعنف والعدوانية، وتتّضح اضطرابات المزاج وتقلباته أكثر.
وبهذه الحالة يصبحُ الشاب أو أي إنسانٍ آخر، مُعتمداً على هذه المواد نفسياً وجسدياً، وأحياناً يضطّر لزيادة الجرعة، كي يحصل على نتائج أكثر تأثيراً على ذاته، " إنّه الإدمان "، وهذا ممّا يجعل الضرر أشدّ تأثيراً في الجسم وبالعقل، وبهذه الحال يفقد الإنسان قدرته على ممارسة أعماله أو واجباته، في حال غياب هذه المواد المُخدّرة، لأنّه أصبح أسيرها، وإذا تخلّى عنها أو مُنعت عنه قد تظهر عليه حالات أو أعراض نفسية وجسدية خطيرة قد تُؤدي إلى الموت.
لذلك نقول أن مشكلة المخدرات كفيلةٌ بتدمير أي مجتمعٍ إذا انتشرت و هددت البنية البشرية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية، وتُعدّ من أخطر المشاكل التي تُهدد الحالتين النفسية والاجتماعية، وهي سبب رئيس للإحباط والاكتئاب والقلق واليأس والأرق.
العبث بالعقول، وعلاقة الاكتئاب بالمشاكل النفسية وشخصية الإنسان
إنّ الاكتئاب بشكلٍ عام هو ليس فقط إحباطٌ وعزلة، بل يلعب دوراً مؤثّراً أخطر من ذلك و خاصّة على الدماغ وعلى مقدرة الإنسان في الإدراك والتصرف، لذلك إن الأشخاص المُصابون بالإكتئاب لديهم صعوبة في إنجاز المهام التي تتطلّب قدراتٍ عالية من الإدر اك والتفكير، حيث أن الإكتئاب يلعب دوراً واضحاً لدى الشخص المُصاب، حيثُ يُعاني من مشاكل قد تكون بسيطة مثل التنزّه أو التحدّث مع أبناء الحي، أو إتخاذ قرارات بسيطة، وعدم قدرته على معالجة الأمور بشكلٍ طبيعي، إضافةً إلى شعوره بصعوبة الإستيعاب أو التعلّم أو الإستماع، إضافةً إلى معاناته في قصور القدرات العقلية.
كما يُعاني المُصاب بالاكتئاب من صعوبة تذكّر الأمور التي حدثت، وإذا حاول الثذكّر يشعر بالتوتر وتحصل عنده حالة الإنكماش الذهني وسوء النمو.
كلّ هذه الأمور فيما إذا استمرت واستفحلت قد تُؤثّر على الدماغ بشكلٍ مباشر ويحصل تلف في بعض خلايا الدماغ، وهذا يُسبب إيقاف نمو بعض الخلايا، وبالتالي يهرم الدماغ ويشيخ.
غسيل الأدمغة ومراحلها
ما شاهدناه ونشاهده من التعذيب، والتلاعب بالأعصاب، والتحوّل الديني، والجنسي، كلّ هذه الأمور وسواها إنما تتجسّد لتاريخ غسل الأدمغة الطاغي والمُروّع، الذي حقّق اختراقاتٍ جسيمة في مجالِ السيطرة الاجتماعية والدينية والسياسيّة.
وليس سراً أن نسرد أنّ هناك أدوية خاصّة بالأعصاب، أُستخدمت ولا تزال في مجال الاستجواب في أقبية المخابرات.
وهذه الأدوية أو العقاقير يتم تحديثها وتطويرها على الدوام.
ولعل الجميع يتذكّر "مشروع مانهاتن" الضخم والخاص بالعقل، بهدف محو الذاكرة، والتلقين الاوتوماتيكي حتّى في حالات النوم، اضافة إلى مُسببات الهلوسة، المتطرفون و المتشددون استخدموا هذه التقنيات، ورجال الأمن والاستخبارات والمجرمين والارهابيون يحتلّون دوراً مهماً في هذا المجال المخيف، من أجل تغيير قناعات الأفراد ومحو ذاكرتهم.
ولعل الاتحاد السوفياتي والصين أول من قام بهذه الممارسات التي ترتبط بشكلٍ مباشر بغسيل الأدمغة. ومن ثُمّ قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية "بمشروع مانهاتن للعقل" المهتم في غسيل الأدمغة والتحوّل الأيديولوجي، وكان بمثابة الرد على الصين والاتحاد السوفياتي. ومن ثّمّ أصبحت دول كثيرة تعتمد هذا الأسلوب، حيث اعتمدت أجهزة المخابرات في جلسات التحقيق على الإيحاء، وتعريض الآخرين للجهد الجسدي وقلة النوم. وبمساعدة العقاقير وأثناء نوم الذي يتم التحقيق معه، يقوم بالتحدث أثناء نومه بحقائق تستفيد منها أجهزة المخابرات، كي يتلاعبوا بأفكارهم، ومن ثُمّ الإدلاء باعترافاتٍ لا أساس لها من الصحة، وبذلك يكونوا ضحايا لجلسات محاكمة صورية .
إنّ غسيل الأدمغة وسيلة من وسائل السيطرة على البشر وعلى العقول، وهو يُمثّل تهديداً مباشراً ودائماً على الإنسانية وتقييدها.
وحينما يفهم الإنسان هذه اللعبة القذرة يُصبحُ بإمكانه أن يستعيد السيطرة على نفسه وعلى عقله وحماية حريته.
سيكولوجية الذات البشرية، القصور الوجداني والنزعوي
يجب على الإنسان أن يبحث عن كيفية تقييم وإدراك ذاته من خلال التفكير السليم، كي يكتشف ذاته ويكون واعياً كينونته بشكلٍ جيد.
غظنّ مفهوم الذات يتضمن معتقدات أي إنسان حول صفاته أو نفسيته، ووعيه حول صفاته وشخصيته، وهي جزء مهم من بحوث علم النفس الإنساني والاجتماعي والتطوري، حيث أنّه يُمثّلُ البناء الأمثل، أو المرآة التي يرى فيها الإنسان ذاته عندما يكون بمفرده، أو عندما يكون متفاعلاً مع الآخرين.
وبهذه الحال يُدرك الفرد نفسه، ويدرك احساسه الوجودي وبتميّزه أنه كائن مستقل ومنفصل ومتميّز عن الآخرين، من خلال سماته وخصائصه الشخصية المتكوّنة مع مرور الأيام ومنذ طفولته، حيث أن الطفل يصبح واعياً لذاته مع مرور الزمن، ويُدرك بأنه جزء من المجتمع والعالم.
ومن هذا الزمن يتضح مفهوم الذات ويصبح الفرد محط تقدير وجهة نظره حول ذاته، والقيمة التي يضعها لنفسه، وماذا يتمنى أن يكون كنظرةٍ ساميةٍ مثالية.
أحياناً كثيرة لا يحدث تطابق واقع الفرد وبين رؤيته لنفسه، أو ما يودّ أن يكون، فإن هذا الشرخ أو التفاوت الملموس يؤثّر على تقييم الذات.
لذا نرى أن هناك علاقة وثيقة بين حقيقة الذات، وتقدير الذات أو الأنا المنشودة، لذلك قد يحصل وبناءً على النسبية سلباً أو إيجاباً في التطابق، صفات معينة مثل: ذكي - كسول - متفائل - قوي - سعيد - ضعيف - مكتئب - ذكي.
ولكي ننجح في نمو التطابق النفسي للفرد علينا أن نجد الطرق التي يستجيب من خلالها الآخرون إلينا، أو نحونا، وعلينا أن نفكر جيداً حينما نقارن أنفسنا بالآخرين، وأن نؤكّد على دورنا الاجتماعي، وعلى المنظور الذي من خلاله نعرف كينونة أنفسنا مع الآخر.
ولا بُدّ من الثقة والاستقلالية والمحبة بعيداً عن أي قيود أو إملاءات.
يجب أن يتحلّى الفرد بالجرأة بهدف استخدام عقله بعيداً عن أي وصايةٍ أو قيد.
لذلك عندما نتحدث و نستخدم كلمو "القصور"، فهذا يعني أن إنسان ما لا يستخدم عقله، أو لا يجرؤ على استخدامه، ولا يستطيع أن يتحكّم بتفكيره الخاص، أي هناك عجز ما، عجز في استخدام العقل، هناك من يصفه بالاستبداد كأساسٍ للوصاية التي تُهمين على المرء وفي كلّ المجالات، بما فيها الفكرية.
وخروج هذا المرء من هذه الحالة هي مهمته نفسه، ومسؤوليته، السبب لا يكمن في عدمِ القدرة على الفهم، ولكن قولاً واحداً في الحاجةِ إلى الشجاعة لاستخدام عقله بعيداً عن تشجيع من الآخرين.
وكما قال "كانط" "تجرأ على التفكير، امتلك الشجاعة لاستخدام حسّك الخاص".
وهذا يعني أن الانسان مسؤول عن عجزه وقصوره، وهو يتحمّل المسؤولية لعدم بلوغه النضوج في السن القانونية، وهي السن التي يكون فيها الإنسان قادراً على التفكير بحرية دون أي وصايةٍ أو إملاء أو إشارات وإرشاد من الغير.
إن التمرد والخروج من القصور يحتاج إلى جهدٍ ومشوار معقّد، وعملية شائكة، تجتمع فيها الثقافة وعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس ونظريات المعرفة والتاريخ إضافة إلى الأديان.
حيث أن الإنسان بشكلٍ عام هو مقيد بمشاعره واستجاباته ومواقفه التي ترسم له ومنذ طفولته في المنزل، في الشارع، وفي المدرسة، والمعلمين والمناهج ورفاق دربه، فالإنسان يصبح أسير هذه البرمجه، ولا يستطيع البسطاء وهم الأغلبية من الخروج من هذا التجذّر الذي يرسم ردود أفعاله ومشاعره ومواقفه بدون تفكير أو ردة فعل، هنا تماماً نحن نكون أمام قصورٍ ذاتي فكري ومعرفي ونفسي.
وجديراً بالذكر أن الشكل السلطوي الذي يحدد ممارسات السلطة السياسية والقضائية والدينية، يحدّ من تفكير المرء، ومن إبداعه الفكري، ولكن وبكلِ تأكيد حينما لم تعد هناك سلطة قمعية ولم تعد هناك طاعةٌ عمياء، ستتمكّن الإنسانية من نضجها الفكري.
ولم يتحرر الفكر، ومستحيل أن يُبدع المفكر إلاّ من خلالِ الحرية التي تبيح استعمال العقل وفي كلّ المجالات، وتوسيع المعارف، وتقدم الإنسانية نحو السمو والتألق.
سيكولوجية التفكير والوظائف السلوكية
سيكولوجية التفكير تعتبر من العمليات العقلية الأساسية، وبنفس الوقت هي تشغل الحيّز الرئيس من مجمل حيثيات القدرات.
حيث بإمكاننا السيطرة على معظم المشكلات التي نقع في مطباتها من خلال التفكير، وكل شخصٍ عليه أن يُفكّر، الموظف يُفكر، المعلم يفكر ويطلب من تلامذته التفكير، والوالد يطلب من أبنائه التفكير، فمن خلال التفكير نرتقي سلوكاً، وبمستوى سلوكنا وأدائنا العقلي في مختلف مجالات الحياة.
التفكير هو عملية معرفية، كما هو خاصيّة راقية، حيث أن الإنسان وحده الذي يتميّز بها من بين المخلوقات الأخرى.
التفكير هو عملية إدراك داخل عقل الإنسان، ويعتمد على استخدام المعرفة المختزنة في الجسم الإدراكي لدى كل إنسان، وهو عمل ذو هدف، يبدأ بعقدةٍ ويتوصّل في النهاية لحلّها.
ديكارت قال: "أنا أفكّر إذن أنا موجود".
فكان التفكير من وجهة نظره دليل على وجود الإنسان.
السيطرة على مواقف اتخاذ القرار بعد تفكيك عناصره وتحليلها
اتخاذ القرار يحتاج إلى معلوماتٍ وبيانات، وبنفس الوقت تقييم البدائل بهدف الوصول إلى الأفضل قدر الإمكان، كما تربطه عدة معايير للوصول إلى البديل الأفضل.
للوصول إلى قراراتٍ رشيدةٍ وفاعلة، لا بُدّ من البداية تحديد المشكلة، وجمع المعلومات والبيانات الملائمة المتوفرة، وتحديد ما هو متوفّر من بدائل متاحة، وعند اختيار البديل الأفضل تنتهي عملية إتخاذ القرار المناسب.
ولكن قد تواجه عملية اتخاذ القرار عدة مشاكل، أو ما يُعيق اتخاذ القرار، مثل: الامكانيات المادية، الطاقة البشرية، والأمور التقنية، هذا فيما يختص بالنواحي الداخلية، ولكن قد تواجه متخذ القرار عوائق خارجية أيضاً مثل: هل يُؤثّر القرار على سياسة الدولة؟، أو على الرأي العام، أو على المنافسين، وكذلك المستهلكين، والنقطة الأخيرة الموزعين.
فعند اتخاذ أي قرار علينا أن نأخذ بعين الاعتبار بأن القرار المُتخذ يُحقق الهدف المرسوم، وليس بالضرورة أن يؤدّي القرار إلى إرضاء كل الأطراف أو الجميع، وعلى الدوام هناك بدائل لاختيار الأفضل، وفي الختام أن عملية اتخاذ القرار هي عملية ذهنية وفكرية بحته، ولكن في النهاية تتحوّل إلى عملٍ مادي ملموس وهادف.
ولا بُدّ إلاّ أن ننوّه بأن مرحلة اتخاذ القرار تمر باستشارات ومشاركة الآخرين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون مركز اتخاذ القرار محصور في يدِ شخصٍ واحد وغالباً هو المدير المسؤول.
تحويل العقل البشري إلى استجابات أوتوماتيكية
من المفروض أو بالمنطق أن العقل البشري لا يمكنه أن يتحوّل إلى مجرد مركز التقاط اشاراتٍ بهدفِ الاستجابة لها.
نعم حقّق الباحثون اكتشافات عديدة بهدف تحويل العقل البشري إلى آلةٍ أوتوماتيكية، والأصح أن نقول نعم، العقل البشري بإمكانه أن يكون متفاعلاً بينه وبين التقنيات، لأن العقل البشري في المقام الأول، وفوق مختلف أشكال الآلات، يكفي أن المشاعر والأحاسيس التي يملكها لا تملكها الآلات المُصنّعة.
كلنا نسمع أن الذكاء الاصطناعي سيحلّ محل البشر، وهذه العملية ما هي سوى روبوتات يُسيّرها العالم بتحكّم، وهدفها السيطرة على العقل البشري، الإنسان.
ولكن كل هذه الكلمات أو النظريات هي ضرب من الوهم والخيال، الذي من الصعوبة بمكان تنفيذه.
يكفي سبباً واحداً أن المنطق خارج نطاق هذه اللعبة، والمنطق شئنا أم أبينا تخضع له كل الدساتير والقوانين، والسلوك هو الذي يجب أن يسود في أي بحثٍ أو مشروع.
نعم بالإمكان اختراع روبوتات تتلقى الأوامر وتنفّذها، وبإمكانها خدمة الإنسان والمجتمع، من خلال تجهيزها لخدمة كبار السن مثلاً، أو تأمين نظام المرور بالشوارع، أو لخدمةِ الأطفال ومراقبتهم، حتّى في مجال ترتيب المستودعات في الشركات والمصانع، وسواها، وأي خطأ يقوم به الذكاء الاصطناعي يؤكّد الحاجة إلى التدخل البشري والمراجعة البشرية.
بالأساس الذكاء الاصطناعي هو من صنع البشر، وبالتالي فإنه يُجهز لخدمة الإنسان، والبشر هم وحدهم الذين يُزوّدون الروبوت بالمعلومات ليقوم بعد ذلك بتنفيذها.
ولكن أيّاً كانت الأمور فإنّ الذكاء الاصطناعي قد يُؤمّن فرصاً مثل كفاءة متطورة، لكنه بنفس الوقت هو روبوت وفي المقام الأول يُعاني من فقدان اللمسة الإنسانية والمنطق الإنساني والمشاعر الإنسانية.
***
د. أنور ساطع أصفري