قضايا

غالب المسعودي: الحياة بلا عقل

في هذا الكون اللامتناهي تعد التجربة الإنسانية للحياة اشكال وجودي ملغز، في كل الاحوال ستكون الإجابة فردية على سؤال كبير ومصيري ان تمكنا من الإجابة بشكل افتراضي، كما لم يجد الانسان البدائي تفسيرا لوضعه في مواجهة الطبيعة وتخندق الوعي في مرحلة تطوره الأولى داخل نسق ميثولوجي وأصبح واقعا لازماني غير مفارق انساقه الأولى زمانيا ومكانيا نطرح هذه الإشكالية عندما نستمع الى خطاب موجه بسذاجة ممنهجة وكان المتلقي كائن(براميسيوم) ظنا منه ان الطرح عميق ويثير الكثير من التأمل. هنا يمكننا النظر إلى الأمر من زاوية اخرى ،اعني انه يريدنا ان نعيش حياة بلا عقل، ننغمس في الملذات و العيش في حالة من اللامبالاة نعيش لحظات ممتعة رغم اننا فقدنا القدرة على التفكير وفهم الحياة، انه يدرك ان التفكير الزائد أو التحليلات العميقة تؤدي إلى الشعور بالقلق والاكتئاب ويعرف أن العقل يثقل كاهلنا، يعرف انه جنبنا الاستمتاع باللحظة ، لذا اصر أن لا نستخدم العقل لفهم الحياة والتخطيط لها، بينما سمح للعواطف أن تأخذنا في تجارب ممتعة وملهمة لأننا سنكتشف في النهاية ان الحياة ليست عقل، هناك أمثلة تشير إلى كيف يمكن أن يعيش الإنسان حياة بلا عقل أو تفكير عميق بينما يعاني الآخرون من مشاق التفكير والعقل، بعض الأشخاص يعيشون في مجتمعات بدائية في مجاهيل منعزلة في غياهب الغابات والمحيطات، حيث تتركز حياتهم حول الأنشطة اليومية البسيطة قد يجدون السعادة في الزراعة أو الحرف اليدوية او صيد الحيوانات دون التفكير في تعقيدات الحياة الحديثة، الأطفال يعيشون لحظات من البراءة والفرح دون التفكير في المشاكل أو التحديات ويتمتعون بحياة خالية من الهموم رغم أنهم لا يمتلكون الحكمة والعقلانية. في بعض روايات الخيال والفانتازيا، نجد شخصيات تعيش في عالم سريالي دون التزام بتفكير منطقي، مما يجعلهم بعيدين عن التعقيدات التي يعاني منها الآخرون، بينما يعاني آخرون من عبء التفكير الزائد.
إمكانية وصول الإنسان لهذه المرحلة
من الممكن أن يسعى الإنسان إلى تبني نمط حياة بسيط، مثل التخلي عن التعقيدات الاجتماعية والمادية، والتركيز على الأمور الأساسية مثل الغذاء والمأوى، يمكن للإنسان أن يتجه نحو العزلة أو التأمل، مما يساعد في الابتعاد عن الضغوط المتعلقة بالعلاقات أو المسؤوليات بعض الفلاسفة والروحانيين يسعون لتحقيق حالة من التنور الداخلي والسكينة من خلال العزلة والابتعاد، حيث يتم تجاوز الرغبات والمشاعر المعقدة.
التحديات
الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، ولديه احتياجات عقلية وعاطفية معقدة، مما يجعل الوصول إلى حياة خالية من العقل أو الجنس تحديًا كبيرًا. المجتمعات الحديثة تعزز من قيمة العقلانية والنجاح، مما يجعل من الصعب التخلي عن هذه القيم بينما يمكن للإنسان أن يسعى نحو حياة أبسط وأقل تعقيدا، لكن الانسان له حاجات مطبوعة غريزيا فهو يسعى الى البقاء والخلود، وإن أراد الحياة البسيطة بلا هدف عليه تحقيق حالة مشابهة لحياة (الهايدرا) وهي حيوانات خالدة لا تتطلب عقل وهذا يحتاج تغييرات جذرية في طريقة العيش والبنية وازاحة العقل جانبا والذي سعت الاساطير الى تحقيقه من خلال رمي المصير في ساحة التجريد.
التغلب على الصراع الداخلي
التغلب على الصراع الداخلي عند تبني نمط حياة بسيط يتطلب بعض الاستراتيجيات والتقنيات منها معرفة القيم الأساسية التي تساعد على اتخاذ قرارات تتماشى مع أسلوب الحياة، الوعي الذاتي يمكن أن يساعد في فهم المشاعر والأفكار بشكل أفضل، من المهم التعرف على المشاعر المتناقضة التي قد تواجهنا، تقبل هذه المشاعر كجزء من العملية دون الحكم عليها يساعدك في التعامل معها بشكل أفضل.
مقارنة فلسفية بين العقل واللا عقل
يمثل العقل القدرة على التفكير، التحليل، والتفكير النقدي. يرتبط بالعقلانية، المنطق، والوعي الذاتي. يمكن أن يُفهم على أنه حالة من الانفصال عن التفكير المنطقي، أو الاستسلام للعواطف والحدس. قد يرتبط بالبراءة، البساطة، أو الحياة الغريزية يمكن للعقل أن يساعد في تحليل المشكلات المعقدة وإيجاد حلول فعالة يتيح للأفراد وضع خطط طويلة الأمد وتحقيق الأهداف، يمنح القدرة على فهم العالم من حولنا بشكل أعمق قد يؤدي إلى شعور أكبر بالحرية والانطلاق بعيدًا عن قيود التفكير ويمكن أن يفتح باب الإبداع والتفكير غير التقليدي، حيث يُسمح للأفكار بالتدفق دون قيود ويعزز من التواصل مع المشاعر والأحاسيس، مما يمكن أن يعزز العلاقات الإنسانية ،قد يؤدي التفكير الزائد إلى القلق والتوتر، مما يمنع اتخاذ القرارات ويصبح الأفراد متصلبين في آرائهم، مما يمنعهم من قبول أفكار جديدة ،ويمكن أن يؤدي إلى فقدان الهدف والاتجاه في الحياة قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية بناءً على المشاعر اللحظية، تعتبر الفلسفات المختلفة، مثل البوذية، أن التوازن بين العقل واللا عقل هو المفتاح لتحقيق السعادة. العقل يساعد في فهم العالم، بينما يسمح اللا عقل بتجربة الحياة بشكل كامل العقل واللاعقل يمثلان جانبين مختلفين من الوجود البشري. التوازن بينهما يمكن أن يؤدي إلى حياة مليئة بالمعنى، حيث يتم استخدام العقل للإرشاد واللاعقل للاستمتاع باللحظة.
دور الثقافة في تشكيل علاقة الإنسان بالعقل واللاعقل
تلعب الثقافة دورًا حيويًا في تشكيل علاقة الإنسان بالعقل واللاعقل بعدة طرق ،تحدد الثقافة ما يُعتبر عقلانيًا أو غير عقلاني، مما يؤثر على كيفية تقييم الأفراد لأفكارهم ومشاعرهم بعض الثقافات تعزز التفكير النقدي والتحليل، بينما تفضل أخرى الاعتماد على الحدس والعواطف ،تختلف أساليب التعليم عبر الثقافات مما يؤثر على كيفية تطوير العقلانية، بعض الثقافات تركز على التفكير النقدي، بينما تفضل أخرى التعلم من التجارب العملية بالعقل واللاعقل، حيث يمكن التشجيع على التفكير المنطقي أو التعبير عن المشاعر، تعزز الثقافة الفنون والإبداع، مما يسمح للأفراد بالتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بطرق غير عقلانية ،تلعب القصص والأساطير دورًا في نقل الأفكار والقيم الثقافية، وغالبًا ما تتضمن جوانب من اللاعقل تعزز بعض الثقافات الطقوس التي تشجع على الانفصال عن العقلانية، مثل التأمل أو الاحتفالات الدينية، مما يساعد الأفراد على الاتصال بجوانبهم العاطفية والروحية تحدد التقاليد كيف يجب أن يتفاعل الأفراد مع مشاعرهم وعقولهم، مما يؤثر على قراراتهم وسلوكياتهم، أدت العولمة إلى تبادل الثقافات، مما أثر على كيفية فهم الأفراد لعلاقتهم بالعقل واللاعقل قد يتبنى البعض أفكارًا عقلانية جديدة بينما يظل آخرون متمسكين بتقاليدهم ،التغيرات في القيم الاجتماعية، مثل الحركة نحو الفردانية، قد تؤثر على كيفية تقييم الأفراد للعقلانية والعاطفية. تشكّل الثقافة الإطار الذي من خلاله يتفاعل الأفراد مع العقل واللاعقل، مما يعكس كيف يمكن أن تتباين هذه العلاقات عبر المجتمعات المختلفة، إن فهم هذا الدور يساعد في تعزيز الوعي الذاتي والتوازن بين الجوانب العقلانية والعاطفية في الحياة.
تعريف العقل واللاعقل عبر الزمن
يمكن للثقافة أن تُغيّر تعريف العقل واللاعقل عبر الزمن، وذلك من خلال عدة عوامل مع ظهور أفكار فلسفية جديدة، قد تتغير تعريفات العقل واللاعقل على سبيل المثال، يمكن لفلسفات مثل الوجودية أو البوذية أن تُعيد تشكيل كيفية فهم العقلانية والعواطف. تطور علم النفس وفهم العقل البشري يمكن أن يؤثر على كيفية تعريف العقل، حيث تبرز أهمية العواطف والحدس في اتخاذ القرارات الحركات الاجتماعية مثل النسوية أو حركات حقوق الإنسان قد تعيد تعريف ما يُعتبر عقلانيًا أو غير عقلاني، من خلال تسليط الضوء على تجارب جديدة. تبادل الثقافات عبر العولمة يمكن أن يؤدي إلى تداخل الأفكار، مما يغير النظرة التقليدية للعقل واللاعقل ،قد تتبنى ثقافات جديدة طرق تفكير مختلفة تؤثر على تعريفاتها، تأثير التكنولوجيا على الحياة اليومية يمكن أن يُعيد تشكيل فهمنا للعقل، حيث تُصبح القدرة على معالجة المعلومات والبيانات جزءًا من تعريف العقلانية في أوقات الأزمات، قد تتحول المجتمعات نحو الروحانية والعواطف، مما قد يؤدي إلى إعادة تقييم ما يُعتبر عقلانيًا، مثل التركيز على الرفاهية النفسية والتواصل العاطفي تنعكس على تعريفات العقل واللاعقل ،كذلك الديناميات الثقافية والاجتماعية، تظل قابلة للتغيير مع مرور الزمن هذه التحولات تعكس التفاعل المستمر بين الفكر، الثقافة والعقل والسياقات الاجتماعية.
***
غالب المسعودي

في المثقف اليوم