قضايا

طه جزّاع: الفيلسوف على العرش

بقيت مدن الفلاسفة المُتخَيلة التي تدعو إلى قيم الحق والعدالة والخير والجمال، مجرد أفكارٍ نظريَّة لا نصيب لها على أرض الواقع، ذلك أنَّ الإنسان بطبيعته المزدوجة، ونفسه المجبولة على حب الشهوات، غالباً ما يكون متلهفاً لامتلاك الثروة والنفوذ والسلطة والجاه والإقبال على بهرجة الدنيا ومغرياتها مما يولد الصراع بين البشر وشيوع أنواع الشرور والقبح والمظالم والعداوات.

ومنذ محاولة أفلاطون قبل ما يزيد على ألفين وأربعمئة عامٍ بناء جمهوريته التي اشتهرت باسم "جمهوريَّة أفلاطون" فإنَّه نفسه قد فشل حين حاول تطبيقها على أرض الواقع بمساعدة صديقه الذي أصبح حاكماً على جزيرة صقلية، غير أنَّ محاولته باءت بالفشل بسبب الصراعات السياسيَّة في الجزيرة التي انتهت باختطافه وبيعه في سوق العبيد قبل أنْ يتمَّ تحريره وإعادته في إحدى السفن حراً لكنْ خائباً إلى أثينا.

بعد محاولة أفلاطون هذه بأقل من خمسمئة عامٍ وفي القرن الثاني الميلادي يتربع على عرش الإمبراطوريَّة الرومانيَّة الامبراطور ماركوس أوريليوس، وكان هذا الإمبراطور فيلسوفاً متأملاً من اتباع الرواقيَّة التي تدعو للفضيلة والتحكم بالرغبات والعواطف، لذلك حاول أنْ يقيمَ حكماً رشيداً عادلاً قبل أنْ يتوفى بالطاعون في مدينة فيينا النمساويَّة خلال حملة عسكريَّة ضد القبائل الجرمانيَّة وعمره لم يزد على الثامنة والخمسين عاماً.

لم يخلد التاريخ ماركوس أوريليوس كإمبراطورٍ عادلٍ أكثر ممَّا خلدته "التأملات" التي كتبها على شكل يومياتٍ وعظاتٍ يوميَّة يعظُ فيها نفسه لكونه من شيوخ الرواقيَّة وأبرز مفكريها. قيل إنَّه جسَّدَ - إلى حدٍ كبيرٍ - صورة الحاكم الفيلسوف كما تخيله أفلاطون، لذلك وصفوه بـ"الفيلسوف على العرش".

***

د. طه جزّاع – كاتب أكاديمي

في المثقف اليوم