قضايا
غالب المسعودي: العنف الهيكلي في بنية السرديات التاريخية

الخطاب غير المكتمل لا يؤدي أي فعالية كما ان تطور أي خطاب هو خارج الكيان البشري، فعاليته تعتمد على العلاقة الديناميكية والقيمة الادائية للسرديات التاريخية على المنظومات الفكرية للفرد والجماعة، رغم ان الاستجابة غير موحدة لابد من ان يكون الخطاب متضمنا عناصر معينة قابلة للصياغة والتطبيق، هذه النقطة يمكن أن تكون نقطة انطلاق لدراسة العلاقة بين السرديات التاريخية، العنف الهيكلي، وسلطة التأثير للخطاب السلطوي، حيث تتداخل جميعها بشكل معقد لتعكس التفاعلات بين المعرفة والسلطة، كما تسهم في تشكيل الهوية الثقافية والسياسية، وتؤثر على كيفية رؤية المجتمعات لنفسها وللآخرين، اما الخطاب كي يؤكد فعاليته يجب ان يكون محتويا عنفا فكريا أو مفاهيميا بشكل بنيوي ليؤكد انتصاره في الصراع الذي يمكن أن ينشأ بين التطبيقات الفلسفية أو الأيديولوجية للخطاب السلطوي في مواجهة الخطاب النقدي مما يعزز من هيمنته على حساب أصوات نقدية اخرى. في الحقيقة الخطاب السلطوي ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أداة للسيطرة والتأثير، حيث يحدد ما يُعتبر صحيحًا أو خاطئًا في علاقته بالسرديات التاريخية ويستخدم لتبرير العنف الهيكلي، حيث يمكن أن تُستغل ايديولوجيات معينة لتأكيد سلطة خطاب منحاز، ان استخدام سرديات تاريخية محددة يمكن أن يؤدي الى تعزيز العنف الهيكلي من خلال إضفاء الشرعية على أفكار وتهميش أخرى، مما يعزز الحاجة إلى إعادة التفكير في السلطة التي يحملها الخطاب. تتفاعل هذه العناصر بشكل ديناميكي، وتثير تساؤلات حول فهمنا للعالم وإعادة تشكيله وكيفية تأثير هذه الديناميات على المجتمع والثقافة بشكل عام.
الخطاب السردي والفلسفة الاخلاقية
الخطاب السردي العنيف يعتمد على كل من السرديات التاريخية والفلسفة الأخلاقية، العلاقة بينهما معقدة، السرديات التاريخية توفر الخلفية الثقافية والسياسية التي تشكل كيفية فهم المجتمعات للعنف. الأحداث التاريخية تُستخدم لتبرير العنف، مما يؤثر على كيفية تفاعل الأفراد مع القضايا المصيرية ويمكن ان تستخدم السرديات التاريخية لإعادة بناء الفهم الجماعي للعنف، مما يجعل من الممكن تجديد الروايات السائدة التي تؤسس للعنف، الفلسفة الأخلاقية تقدم المعايير التي تُستخدم لتقييم الأفعال، بما في ذلك العنف، الأسئلة حول ما هو "صحيح" أو "خطأ" وتلعب دورًا مهمًا في كيفية تفسير العنف وتبريره، تعزز الفلسفة الأخلاقية النقاش حول أسباب العنف وآثاره، مما يساعد في فهم الأبعاد الأخلاقية وراء الأفعال العنيفة . الروايات التي تُروى قد تؤثر على كيفية فهم الأفراد للأخلاق والعنف والخطاب السردي وتعتمد كليا على تفاعل السرديات التاريخية والفلسفة الأخلاقية. كل منهما يُشكل الآخر، ويؤثر فهم الناس للعنف وتبريره كما في الخطاب الديني في بداية تشكل افكاره ومواقفه تجاه العنف.
العنف وسلطة المعرفة
السلطة تُنتج معرفة معينة، ما يعني أن العنف يمكن أن يكون غير مرئي ويظهر في شكل سيطرة اجتماعية وثقافية من خلال مراقبة الأفراد وتوجيه سلوكهم، يتم تحقيق هذا النوع من العنف الذي يؤثر على الهوية الفردية ويشكل فهمنا للطرق التي يمكن أن يتجلى بها في الحياة اليومية، ليس فقط من خلال الأفعال الجسدية، بل أيضًا عبر الممارسات الاجتماعية والسياسية التي تشكل واقعنا والتي تشير إلى الأفعال الجسدية التي تتضمن إلحاق الأذى بالآخرين، مثل الحروب، الهجمات الإرهابية، أو القمع السياسي والفكري و يمكن أن يتم هذا النوع من العنف ويبرر من خلال أفكار فلسفية، مثل الفلسفات التي تعزز من القوة أو الصراع كوسيلة للتغيير، كما يجب ان لا نغفل ان تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات يتم من خلال الخطابات الفلسفية والدينية، وقد تتضمن التلاعب بالحقائق أو التأويلات المشوهة ويمكن أن تستخدم لتبرير أو تعزيز الأفكار التي تبرر العنف بأشكاله، نتيجة تعزيز الكراهية أو التمييز في كثير من الأحيان، رغم ان هناك تداخل بين العنف الجسدي والعنف الفكري لكن العلاقة تبادلية بينه وبين الأفكار الفلسفية اتجاه العنف ويمكن أن تساهم في خلق مناخ من العنف الجسدي حيث العنف الفكري يمكن أن يؤدي إلى ثقافة تؤيد العنف الجسدي، بينما العنف الجسدي يمكن أن يكون رد فعل على أفكار تعتبرها المجتمعات تهديدًا، العنف الفلسفي يتضمن كلا النوعين، ويعتمد فهمه على السياق التاريخي والاجتماعي.
العنف الهيكلي
ان استخدام نظرية العنف الهيكلي مع نظرية الهوية الاجتماعية لفهم كيف تؤدي الهياكل الاجتماعية إلى تعزيز الهويات الجماعية التي تبرر العنف في أوقات الأزمات، مثل الحروب أو الثورات، تتفاعل هذه النظريات لتطوير استراتيجيات جديدة لتعزيز فعل العنف والتعامل معه، مثل دمج افكار عنيفة مع استراتيجيات المقاومة . هناك شكل اخرى من العنف مستمد من تأثيرات العنف الخطابي في السرديات التاريخية له تأثير متنوع على الوعي الجمعي المعاصر ويؤثر بشكل عميق على الهياكل الاجتماعية والسياسية وهو العنف التكفيري. العنف الخطابي، سواء كان دينيًا أو سياسيًا، يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الانقسامات بين الجماعات، مما يخلق بيئة من الكراهية وعدم الثقة ويستخدم لتشكيل هويات جماعية، حيث يمكن أن يؤدي إلى تعزيز المشاعر القومية، الطائفية أو الدينية، العنف الهيكلي يشير إلى الأنظمة والهياكل الاجتماعية التي تساهم في إنتاج عدم المساواة والتمييز، مثل العرق، والجنس، والطبقة الاجتماعية وكيف يؤدي إلى تهميش الجماعات وإضعاف قدرتها على التعبير عن نفسها أو المشاركة في البناء الحضاري كما يبين كيف تتداخل السرديات التاريخية مع العنف الهيكلي لتشكيل تجارب الأفراد والجماعات، ان استخدام الأدوات الفلسفية لتحليل كيف يتم تشكيل السرديات التاريخية وكيف تؤثر على الهياكل الاجتماعية والدعوة لتطوير سرديات بديلة تعكس تنوع التجارب الإنسانية وتساعد في معالجة العنف الهيكلي، من خلال هذه المقاربة الفلسفية يمكن تقديم إطار فلسفي لفهم كيف يمكن للعنف في السرديات التاريخية أن يتفاعل مع العنف الهيكلي، مما يؤدي إلى إعادة التفكير في كيفية كتابة التاريخ وفهم الهويات الإنسانية.
النظريات النقدية والعنف الهيكلي
تلعب النظريات النقدية دوراً مهماً في فهم العنف الهيكلي في السرديات التاريخية، وتساعد في كشف كيف تعكس السرديات التاريخية أنماط الهيمنة والسلطة، وتسلط الضوء على التحيزات التي تؤدي إلى تهميش بعض الفئات وتقدم الأدوات اللازمة لتفكيك السرديات التاريخية التي تؤسس للعنف، مما يسمح بفهم كيف تُبنى الروايات وتُستبعد تجارب معينة كما تسلط النظريات النقدية الضوء على قضايا العدالة الاجتماعية وكيف يؤثر العنف الهيكلي على الفئات المختلفة، مما يساعد على فهمه بشكل أعمق، و تدعو إلى إعادة التفكير في الهياكل الاجتماعية والسياسية، مما يمكن أن يعزز من النضال من أجل العدالة الاجتماعية. تساهم النظريات النقدية في الدعوة إلى سرديات تاريخية جديدة تعكس تجارب الفئات المهمشة، مما يساعد على تصحيح السرديات التي تعزز العنف الهيكلي وتساهم في فهم كيف تتشكل الذاكرة الجماعية للهويات الوطنية وكيف تؤثر على التفاعلات الاجتماعية كما تعزز النظريات النقدية من فهم الرموز الثقافية و تأثيرها على تشكيل الهياكل الاجتماعية، مما يسهم في تحليل العنف الهيكلي .ان دراسة كيف تؤثر السرديات الثقافية على التفاعلات الاجتماعية والسياسية من خلال تقديم نظريات نقدية تملك أدوات التمكين، يساعد المجتمعات على مواجهة العنف الهيكلي والتعبير عن تجاربها كما تسلط الضوء على استراتيجيات المقاومة التي يمكن أن تتبناها الفئات المتضررة لتغيير السرديات الهيكلية بشكل عام، النظريات النقدية تعزز من القدرة على معالجة قضايا العدالة والتغيير الاجتماعي.
***
غالب المسعودي