قضايا

آمال طرزان: في استضافة جدتي الملكة حتشبسوت (2)

من الرعاية إلى القيادة "كسر قيود الصور النمطية للعمل النسائي" (نساء رائدات)

بينما كنت جالسة أمام مكتبي أتصفح شاشة "اللاب توب"، أخذت قطعه من الشوكولا التي أهدتني إياها طفلتي الجميلة "فريدة" ابنة صديقتي، وأغمضت عيني لحظة كي أستمتع بلذة الشوكولا، إذ وجدتني فجأةً بحديقة القصر الملكي العريق، حيث كانت الشمس حانية والنسيم يلاطف أوراق الشجر، جالسة بجواري جدتي العظيمة الملكة حتشبسوت، وبرفقتها سيدة جميلة ذات سحر وأناقة لا تضاهى.

- سألتني جدتي بنظرة استجواب: إلى أين سبحتِ بخيالك يا بنيتي؟ فارتجفت قائلةً لها : لا أصدق، فقد تجدد لقائي بكِ ونظرت إلى السيدة الجميلة التي برفقتها. ابتسمت الملكة حتشبسوت ابتسامة دافئة قائلةً: "هذه هي الملكة سميراميس، زوجة الملك الآشوري "شمشي أدد الخامس". جئنا للاطمئنان عليكن يا بنات الشرق. "لم تجيبي على سؤالي إلى أين سبحتِ بخيالك؟

-  كنت أتذكر كل ما قاله لي الهرمنيوطيقي العربي من وجهات نظرة حول التحدي الذي واجهته المرأة العربية وأسباب تدني مكانتها، وإذا بخاطري كأنما تلك الشوكولا الرائع مذاقها  قد نقلتني عبر الأزمنة.

–جدتي الملكة: ماذا قال لكِ الهرمينوطيقي العربي؟

- قال دكتور شرف الدين عبد الحميد: أن المختصين بالنِسْوية ذكروا عوامل كثيرة مؤثرة لتدني وضع المرأة، ولكني سأخبرك عن اقتراحي فيما يخص العقل العربي: توارث العرب ذهنيتين مسئولتين عن قهر المرأة العربية في القرن الواحد والعشرين: ذهنية العصر الجاهلي، وذهنية العصر اليوناني. وكلتا الذهنيتين تدثرتا بدثار روائي ديني يهودي مسيحي إسلامي. ولكن هذا الدثار لم يفلح في حجب الذهنية الأصلية: الجاهلية اليونانية. وقد أصاب عين الحقيقة جدتي الملكة فعلى سبيل المثال: بعد الدور البارز والرائد الذي لعبته المرأة المصرية في العصر الفرعوني، وكيف كانت تحظى بالتقديس والاحترام كالآلهة "إيزيس" رمز للوفاء والإخلاص والآلهة "ماعت" رمز العدل ..إلخ، وكذلك وصولها إلى وظائف دينية في المعابد مثل وظيفة كبيرة الكاهنات، لكن للأسف وجود البطالمة حد من مكانة المرأة المصرية؛ "فعندما كانت المرأة المصرية كاملة الأهلية لها أن تتصرف في نفسها وفيما تمتلك بحرية تامة، كان القانون الإغريقي يعتبر المرأة قاصراً لابد من وجود وصي شرعي عليها، وقد أثار هذا الوضع حفيظة الإغريقيات في مصر حيث كن لا يتمتعن بحقوق المصريات اللاتي يرونهن في السلم الاجتماعي، ونتيجة لذلك اضطر بطليموس الرابع إلى الحد من حقوق المرأة المصرية في الزواج والمعاملات" (1) وبذلك انتقل إلى مجتمعنا المصريّ نموذج المرأة الإغريقية، وكذلك إلى مجتمعاتنا العربية، وتم تقليص قدرات المرأة العربية ودورها في الحياة العامة كالسياسة والاقتصاد...إلخ، ومع مضي الزمن قصر دورها على الأعمال المنزلية فقط. وإلى اليوم جدتي الملكة لا تزال النساء يواجهن العديد من المشكلات والتحديات في الحياة العامة للوصول إلى المناصب القيادية والإدارية، فعلى الرغم من وجود قوانين تهدف إلى النهوض بوضع المرأة، إلا أن الوعي المجتمعي مازال يفضل الرجال في المناصب القيادية و الإدارية في معظم المؤسسات بالقطاع العام والخاص، مع وجود تنميط في تحديد مجالات العمل للمرأة؛ فغالبًا ما ينظر المجتمع إلى المرأة على أنها مناسبة للأعمال المرتبطة بالرعاية، مثل التدريس والوظائف المكتبية والتمريض والعناية بالمنزل، وعندما تحاول الكثير من النِّساء المشاركة في مجالاتٍ جديدةٍ مثل الهندسة الميكانيكية أو المعمارية أو الشرطة ...إلخ، يشكل المجتمع عقبة أمامهن. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها بنات جنسي، إلا أنها أنتجت نماذج رائعة من النساء المبدعات اللواتي نجحن في تجاوز هذه التحديات وحققن إنجازات مشرقة.

– جدتي الملكة: لذلك يمكنك تسليط الضوء على هؤلاء النساء الرائدات في مجتمعاتنا العربية المعاصرة.

- ولكن من أين ابدأ جدتي؟

 - ارتسمت على وجه جدتي الملكة "حتشبسوت" نظرة ضاحكة مليئة بالأمل واتجهت بنظرها إلى الملكة سميراميس. وأمسكت بيدي قائلةً بصوت حنون وها هي الملكة سميراميس سترافقك في رحلتك إلى بلاد الرافدين. ترى ما الذي ينتظرنا على أرض العراق؟

***

د. آمال مصطفى

...................

(1) محمد العزب موسى: وحدة تاريخ مصر، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011م، ص79.

 

في المثقف اليوم