قضايا
عدنان الظاهر: إبن النديم وإبن خلدون

كعادته، أقحم إبن خلدون نفسه في مسألة " الصنعة " أي تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب وبيّن رأيه في هذه المسألة وهو ليس كيميائياً أصلاً وأكثر.. تكلّم في موضوعات هي أقرب للخرافات والدجل ولَعَمري كيف ورّط نفسه فانكفاَ ثم سقط في وحل الهلوسات التي لا تليق به كمؤرِّخ معروف وعالم إجتماع كما دأبَ البعضُ على نعته؟ إليكم نماذج من هذه الخزعبلات والترّهات التي كتبها إبن خلدون في مقدمته:
أنهى إبن خلدون كتابة مقدمته في العام 779 الهجري (أي حوالي العام 1358 الميلادي).
كتبها في المغرب وأهداها إلى (…أتحفتُ بهذه النسخة منه خزانة مولانا السلطان الإمام المُجاهد الفاتح الماهد…، أمير المؤمنين أبو فارس عبد العزيز إبن مولانا السلطان الكبير المُجاهد المُقدّس أمير المؤمنين أبي الحسن إبن السادة الأعلام من بني مرين) / (الصفحات 5 و6 من المصدر 25). في حين نشطت أغلب وأشهر حركات الإستشراق وترجمات آثار العرب ومخطوطاتهم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. لقد سبق إبنُ خلدون هذا النشاط بأكثر من خمسة قرون من الزمن. معه عذر ولكن، لِمَ أغفل ذكر إبن النديم وفهرسته الأشهر؟ أفَلمْ يسمعْ به أو أن يطَّلعَ عليه؟ لقد ذكر إبن خلدون في مقدمته
(الصفحة 3) مشاهير المؤرخين من العرب المسلمين أمثال إبن إسحق والطبري وإبن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي وسيف بن عمر الأسدي والمسعودي وغيرهم من الفلاسفة كالغزالي وإبن رشد والكندي والفارابي وإبن سينا والكيميائيين والمشتغلين بصنعة الكيمياء كالمجريطي والمٌغيربي والطغرائي وجابر بن حيان وسواهم. كما ذكر الكثير من مصادر علماء الفقه والشريعة خاصة على الصفحات 261 – 246 من مقدمته. وقد إنتقد غامزاً دقّة المسعودي والواقدي بالقول (… وإن كان في كتب المسعودي والواقدي من المطعن والمغمز ما هو معروف عند الأثبات / المقدمة ص 3). كيف يعرف إبن خلدون المسعودي ويجهل مُعاصره إبن النديم؟؟ لو كان إبن خلدون، كما أحسب، قد إطَّلع على فهرست إبن النديم لكان غيّرَ الكثير من مواقفه وآرائه. أو أن الرجل قد عرفه وإطّلع عليه بالفعل لكنه لسبب ما أهمله ولم يأخذ به.
سأرجع إليه ثانيةً حين أتعرض لموضوعة إبن خلدون وكيمياء الذهب.
يبدو لي أنَّ الرجل مستودع هائل ونادر للمتناقضات. فقد جمع في رأسه الصرامة الموضوعية التي سبقت زمانها من جانب، والإعتقاد بالخوارق والمعجزات والسحر (المُقدمة: علوم السحر والطلّسمات/ الصفحات 393 - 399) والخزعبلات من جانب آخر. نقرأ نموذجاً من هذه التخريفات التي لا تليق برجل كإبن خلدون على الصفحة 73 من مقدمته ما يلي (… ومن تأثير الأغذية في الأبدان ما ذكره أهل الفلاحة وشاهده أهلُ التجربة أنَّ الدجاج إذا غُذيت بالحبوب المطبوخة في بعر الأبل وأُتُخِذ بيضُها ثم حُضِنتْ عليه جاء الدجاج منها أعظم ما يكون. وقد يستغنون عن تغذيتها وطبخ الحبوب بطرح ذلك البعر مع البيض المُحضّن فيجيء دجاجها في غاية العِظَم وأمثال ذلك كثير…). هل نُصدّق أن قائل هذا الكلام هو نفسه إبن خلدون صاحب نظريات البداوة والحضارة والعمارة والفساد؟؟
هل سمع الناس بسخافات كهذه وهل يليق ب (مؤسس علم الإجتماع) أن يتورط بخوض مثل هذه الخرافات؟ أريد تفسيراً من المعجبين به جداً جداً علماً أني سبق وأنْ بيّنتُ في بعض كتاباتي أنَّ كل ما قاله من أفكار [سمّاها البعض نظريات !؟] موجوده قبله بعدة قرون منها ما هو مذكور في القرآن (وإذا أردنا أنْ نُهلِكَ قريةً أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها فحَقَّ عليها القولُ فدمرّناها تدميرا سورة الإسراء الآية 16) وفي سورة النمل ألآية 34 (قالت إنَّ الملوكَ إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعِزّةَ أهلها أذِلّةً وكذلك يفعلون) أليسَ هذا الكلام في عمران الدول وفسادها الذي أطال إبن خلدون الكلام عنه في مقدمته؟ وبعضها مذكور في القرن الهجري الثاني على لسان بعض خلفاء بني العبّاس ولا سيّما أبو جعفر المنصور. يبقى موضوع تعاونه مع الغازي المغولي (تيمورلنك) واستخذائه له في المقابلة التي تمت بينهما خارج أسوار دمشق المحاصرة وتقديمه له معلومات عن أحوال وجغرافية الشمال الإفريقي في عدّة كراسات، حسب اعترافه، وهذا بالطبع عمل إستخباراتي خطير تورّط فيه إبن خلدون لكي ينجو بنفسه ويدع دمشق وأهل دمشق لسيوف المغول الغُزاة قتلاً ونهباً وسبياً وحرائقَ ودماراً. هذا هو {عالم الإجتماع !؟ }.
***
د. عدنان الظاهر
آذار 2025