قضايا
رحيم الساعدي: بين البرمجة وخوارزميات القران الكريم
(الدعوة الى قراءة مغايرة للقران الكريم)
ان غايتي في هذا المقال هو التاكيد على شمولية القران الكريم، فهو جامع للمعرفة والعلوم والاسماء، والافكار، بدلالة القول الكريم (وعلم ادم الاسماء كلها)، و(ما فرطنا في الكتاب من شيء)، او بدلالة ما سيؤول له التقدم العلمي بعد زمن طويل، والذي سوف يلتقي مع اللغة العالية المقام في ابجديات القران الكريم، وهنا يصح القول، هل يمكننا تصنيع التقارب بين القرآن الكريم والبرمجة في الحاسوب، فلعلنا نصل الى فهم اسرار المخرجات القرانية، وفق لغته العالية على افاهيم البشر، ولعل المقارنة بين البرمجة والاكواد والخوارزميات الحاسوبية وغيرها وبين القران الكريم وتنوعاته هنا تصح.
وعند الحديث عن أقسام لغات البرمجة يمكن الاشارة الى لغة برمجية عالية او اخرى منخفضة او الحديث عن البرمجة الوظيفية ومهمتها وصف طريقة الحل بدلا من كتابة الخطوات للحل، كما ان هناك لغة برمجة نصية تعتمد الاوامر مثل جافا سكريبت او لغة البرمجة المنطقية ويعتمدها اليوم الذكاء الاصطناعي مثل لغة داتالوك وبرولوك وايضا لغة البرمجة المرئية وهي لغات برمجة لا تعتمد على أسلوب كتابة البرمجيات بل تعتمد على الرسومات والصور مثل فيجوال بيسك.
اما مفهوم الخوارزمية فهي مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة اللازمة لحل مسألة ما. وسميت الخوارزمية بهذا الاسم نسبة إلى العالم أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي. والكلمة المنتشرة في اللغات العالمية اللاتينية والأوروبية، وفي الأصل كان معناها يقتصر على خوارزمية لتراكيب ثلاثة فقط وهي: التسلسل والاختيار والتكرار)
والحديث عن مفهوم البرمجة يشير الى انه وسيلة للتواصل بين البشر (المبرمج) والآلة (والتي تتمثل في أي جهاز قابل للبرمجة)، اذ يستخدم الانسان اللغات المختلفة مثل اللغة العربية أو الإنجليزية للتواصل فيما بينهم، وابتكرت اللغات الأخرى (لغات البرمجة) للتواصل بين البشر والآلة، وكما هو الحال بين البشر اللذين يتحدثون بلغات مختلفة حيث يتم إستخدام المترجم ليتمكن البشر من فهم اللغات المختلفة، يتم ذلك أيضا بين البشر والآلة حيث يتم ترجمة لغة البرمجة (التي يفهمها البشر) إلى لغة الآلة والتي تتمثل في الصفر والواحد أو كما تعرف بـ النظام الثنائي وهي اللغة التي تفهمها الآلة عن طريق إستخدام برامج مخصصة المترجم او المفسر. وهذه مجموعة من الاشارات التي يمكن تطويرها مستقبلا.واجزم ان عناية طلبة العلم ببرمجة افكار وتراكيب القران الكريم سيكون لها الشان المهم في المستقبل القريب.
١- ان روح هذا المقال يثبت ان هناك تقابلا بين البرمجة والقران، فالكود او الاكواد يقابلها الاية او الآيات، والكود البرمجي هو مجموعة من الأوامر والتعليمات المكتوبة بلغة معينة لتنفيذ مهمة معينة، ومخرجات هذه المهمة تتحول الى منظومة ومنهج مترابط يقود الى تشكيل عيني او مادي، مثال ذلك البرمجة التي يخطط لها لتصنيع وادارة منظومة الكهرباء، والتي تتحول الى منظم لواقع مادي يعمل على تشغيل المعامل والبيوت والمؤسات المختلفة، فالبرمجة والتي هي مجموعة رموز غير مادية قادت الى تشغيل الماديات واحياء المجتمع.
٢- يبرز في القران الآيات القرآنية والتي هي نصوص إلهية محكمة، مترابطة ودقيقة، تهدف إلى تحقيق غاية واضحة اساسها هداية الإنسان وتنظيم شؤونه الدينية والدنيوية.
٣- وعلى هذا فان المقاربة تشير الى أن الكود البرمجي يُبنى بمنطق مترابط ودقيق لتنفيذ مهمة محددة، وايضا فالآيات القرآنية كذلك مترابطة وتهدف الى تحقيق غايات محددة، او شاملة.وهنا يتحتم فهم لغة البرمجة المتداخلة للخروج بنتائج مبهرة.
خذ مثلا السنن القرانية التي توصف بالشرطية (لا يغير الله ما بقوم حتى…/ان تنصروا الله… /وهي عديدة ومتناثرة في برزخ القران، هذه الجمل المعرفية ترتبط وتبوب الحوادث، المختلفة بمستويات الفكرة ونتائجها المتصلة بسلوك الانسان من جهة، وعلاقته بالمجتمع من جهة اخرى، وايضا ترتبط بنظام هندسة الحروف الذي يعد النواة الاولى للفكر البرمجي للقران الكريم.
٤- من زاوية المخرجات، فان الاكواد الخاطئة في البرمجة تقود الى خطا، والعكس صحيح، ولكن التعثر والخطا في خطوات برمجة الحاسوب لا يقود الى بناء متوالي ومستمر يوصف بالصحة لان نتائجه لا تثمر، وهذا ينطبق تماما على كلمات القران التي تشير اولا الى ان أوامر القرآن عندما تطبق بدقة وبشكل منطقي، ستكون النتيجة سعادة دنيوية وأخروية. وثانيا الى ان قواعد الفكر والحكمة والدقة والعلم في القران، لا تسمح بايراد الاكواد الخاطئة، لانها سوف تقودنا الى نتائج خاطئة، وكذلك الخطأ في فهم أو تطبيق القرآن قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة.
٥- ان من اهم امتيازات القران انه ينشر تنوعاته الفكرية او القواعد العلمية باماكن متفرقة، فقد تكمل سورة في اخر القران ما طرحته سورة في بدايته، وهذا هو سر الاكواد او الخوارزميات القرانية العظيمة.
٦- يبرز مفهوم الصياغة الدقيقة في البرمجة ويقابله الإعجاز اللفظي والدقة التشريعية
فالبرمجة لها لغتها وقواعدها الصارمة التي يجب الالتزام بها، وخلافها يقود الى خطأ في التنفيذ، اما في القرآن فيتميز بإعجاز لغوي وبلاغي وتشريعي دقيق، حيث لا توجد كلمة أو حرف في غير موضعه، وهنا تقول المقاربة، اذا كان الخطأ في بناء الكود يُفسد البرنامج، فإن أي تحريف أو تغيير في القرآن يخلّ بالمعنى والغاية الخاصة بكلمات القران، وايضا مسالة اخرى تشير الى ان عدم معرفة البرمجة العالية المقام والدقيقة المعرفة سوف تقود الى جهل بابجدية القران البرمجية، فلا يمكن لنا الاستماع الى لغة المراهقة الفكرية القائلة بان هذا الكتاب، هو نسبي يمكن ثلم قدسيته.
٧- كما يبرز لنا الغاية او الهدف من كل من منهجية القران والبرمجة لان البرمجة تهدف بشكلها النهائي لحل مشكلة أو تسهيل مهمة، في المجتمع، وهذا ما يفعله القران بالتاكيد، والذي يهدف الى تذليل العقبات واسعاد الانسان، فمع اختلاف طبيعة الهدف فان الغاية واحدة.
٨- توجد نقطة مهمة تتعلق بالتاويل او التفسير الخاص باكواد القران، فاذا استخدمت البرمجة مفهوم المترجم أو المترجم البرمجي لتحويل الكود إلى لغة تفهمها الآلة، فان القران يحتاج إلى علماء متخصصين في علوم التفسير واللغة والفقه لفهم الرسائل العميقة والتطبيق الصحيح للأحكام، وتقول هذه المقاربة، كما أن المترجم البرمجي يحوّل الأوامر إلى لغة تفهمها الآلة، فإن المفسّر يساعد في توضيح معاني القرآن بلغة يفهمها الناس.
٩- اذا كانت البرامج تحتاج إلى تصحيح أخطاء، وتحديثات مستمرة لتواكب التطور.
فان القرآن لا يتغير، لكنه مرن ويتسع لاجتهادات العلماء لفهمه بما يناسب العصر دون الإخلال بالنصوص القطعية، فياتي الفهم والاجتهاد متناسبا باختلاف الزمان والمكان. مع بروز بعض الاكواد بكونها اعلى من سقف الزمن النسبي.
١٠- ومن المسائل المهمة نجد الوثائق المرجعية، والتي تقابل مفهوم السنة النبوية وكتب التفسير لان التوثيق الجيد) يشرح كيفية عمل الكود ويُسهل على الآخرين فهمه.
بينما تبرز هنا السنة النبوية وكتب التفسير وهي مراجع تساعد المسلمين على فهم النصوص القرآنية.
١١- من زاوية المنهجية نلاحظ ان القرآن يتميز بالمنهجية والترتيب. فهو يقدم تعليمات واضحة تنظم حياة الإنسان في مختلف المجالات (العبادات، المعاملات، الأخلاق).
فيما تعتمد البرمجة الدقة والترتيب المنطقي لتحقيق هدف معين فالكود المنظم والمرتب يسهل فهمه وتنفيذه دون أخطاء.
١٢- وحتى الأوامر والتعليمات في القرآن مثل “أقيموا الصلاة”، “ولا تقربوا الزنا”، “وأمر بالمعروف”.
فانه في البرمجة: يتبع المبرمج نفس المبدأ، حيث يكتب أوامر وتعليمات يفهمها الحاسوب مثل if-else, for, while.
١٣- وعند مناقشتنا المدخلات والمخرجات في القرآن سيتضح ان الأفعال والسلوكيات (المدخلات) تؤدي إلى نتائج (المخرجات). على سبيل المثال: “من عمل صالحًا فلنفسه”.
ويقابلها في البرمجة من ان البرنامج يعتمد على المدخلات للحصول على مخرجات. مثلًا، في برنامج آلة حاسبة، إذا أدخلت 2+2 (المدخلات)، ستكون النتيجة 4 (المخرجات).
١٤- لا يمكن اغفال مفهوم التكرار بكل من القران والبرمجة فيشمل التكرار في كلا المجالين فالتكرار في القرآن يكون في الآيات لتعزيز المعنى وتثبيته، مثل تكرار آية: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} في سورة الرحمن. فيما تنتقي البرمجة الحلقات التكرارية (مثل for وwhile) لتكرار أوامر معينة بهدف تحقيق نتيجة محددة.
١٥- وما يتعلق المتغيرات فان في القرآن مرونة في الأحكام تبعًا للحالات والظروف (مثل أحكام الصيام للمريض والمسافر)، يرافق ذلك في البرمجة حيث نجد استخدام المتغيرات لتخزين القيم التي قد تتغير أثناء تشغيل البرنامج وهذا يعني القدرة على التكيف مع الظروف المختلفة سواء في القرآن ام في البرمجة.
١٦- ان القران يستعرض الأخطاء الخاصة بالانسان والمجتمع والكائنات الاخرى مثل الشيطان ومن تبعه، واخطاء الامم والمجتمعات، وحتى امم الحيوانات ويقدم التصحيح الخاص بها، مركزا على تصحيح الأخطاء البشرية والتوبة والرجوع إلى الله.
وغاية هذا التصحيح هو تقويم السلوك الانساني، فالقرآن ليس مجرد برمجة عابرة بل هو وحي إلهي يشمل أبعادًا روحية وأخلاقية ومعرفية، بينما البرمجة هي أداة تقنية تُستخدم لتحقيق وظائف عملية. لكن كلاهما يتشاركان مبادئ مثل النظام، الأوامر الواضحة، المدخلات والمخرجات، تصحيح الأخطاء، والغاية النهائية.
وسوف يتبع هذا الموضوع مواضيع اخرى ان شاء الله لا تتعلق بالبرمجة العصبية او مشجرات القران بقدر تعلقها بفهم منظومة معلومات القران الكريم وكيف تتداخل وتنتج المختلف من العلوم والافكار.
***
ا. د. رحيم محمد الساعدي