قضايا
أكرم عثمان: متلازمة الأحد (Sunday Sundrom)
كيف تتغلب على الشعور بالكآبة مع بداية أسبوع العمل؟
مقدمة تعريفيه: عندما تنتهي إجازة الأسبوع ويتهيأ الموظف للذهاب إلى عمله أو المتعلم إلى جامعته أو مدرسته، ينتابه شعور بالضيق النفسي والقلق والإحباط واليأس مع قبيل الانتهاء من العطلة الأسبوعية والعودة للعمل أو الدراسة، وهي حالة شائعة يطلق عليها اسم "متلازمة الأحد" أو "قلق يوم الأحد".، وقد عرفت "سوزان ألبرز" متخصصة في علم النفس، لموقع "كليفلاند كلينيك " (Clevelandclinic) متلازمة الأحد بأنها " مشاعر تتسلط على الشخص أين كان موقعه وعمله يصيبه بالشعور بالتوتر والقلق والخوف بشكل متكرر قبيل الذهاب للعمل بليلة، وقد تستمر للمساء وربما تبدأ صباح اليوم الذي يستيقظ فيه للذهاب للعمل أو الدراسة. وهذه الحالات تتفاوت درجتها وشدتها وردود أفعالها والتأثير بها من شخص لآخر، ويعود ذلك لنمط شخصيته وقدرته على تخطي هذه التحديات، الشعور بالراحة والاستمتاع في الإجازة والعودة بعدها للعمل، مما يشغل ذهنه وتفكيره في المهام والأعمال والمسؤوليات المتراكمة والمؤجلة[1].
تعتبر متلازمة الأحد شكل من أشكال القلق الاستباقي. يحدث ذلك عندما نواجه مستويات متراكمة ومتزايدة من القلق بسبب التفكير الزائد في حدث أو موقف وتعظيمه والإنشغال في تأثيراته غير الواقعية عند حدوثه أو توقع حدوث تحديات مستقلبية، وتعتبر العودة بعد الإجازة أمراً مزعجاً ومريباً وضاغطاً ومثيراً.[2] . إن توقع المواقف الضاغطة والعصيبة. يجعلنا نتوجه للعمل مبكراً أو نتأخر عنه، فهذا القلق الذهني يصبح مرهقاً لنا أسبوعياً إن لم نواجهه ونضع لها الخطط العملية التي تقلل منه وتخفي آثاره.[3]
يبدو أن الأمر غير مريح عندما نعمل ما يقارب 40 ساعة أسبوعياً، نكد ونتعب ونتعرض للتحديات وتراكم الأعباء والمهمات في العمل وما يتخللها من صعوبات وإشكاليات في العمل الوظيفي على المستوى الشخصي والاجتماعي والمهني، أو يدرس أبناؤنا لمدة خمسة أيام، يبذلون جهوداً مضنية وكبيرة في مواصلة الدراسة والمراجعة والأستذكار اليومي ومتابعة الواجبات ويتعرضون لقلق الامتحانات وما يتمخض عنها من ضغوط وإحباطات بسببها، وما يتبعه من وجود تحديات للعلاقة بين الطلبة أنفسهم ما يواجهونه من تنمر ومشكلات قد تبدو معضلة، تهدد الكيان النفسي ويصابون بالرهاب الاجتماعي، مما تجعلهم يعتبرون العودة للدراسة وما يتبعها من علاقات مسمومة ومزعجة أمر مرهق لهم ومهدد، وتعتبر العودة لممارسة ذلك بعد راحة لمدة يومين من الإجازة الأسبوعية أو الإجازات السنوية شيء ثقيل ويحتاج إلى تعديل لهذا الفهم والوعي لطبيعة التعامل الإيجابي في العودة للعمل والدراسة بنفسية وشغف وروح متوهجة.
مشاعر مزعجة ومربكة
هناك أعراض يتعرض لها من يصاب بهذه المتلازمة، حيث تظهر على الشخص قلة النشاط وضعف في التحفيز، والصعوبة في بداية يوم العمل بروح وشغف، انخفاض الطاقة والحركة وشعوره بالإرهاق البدني والذهني والنفسي، قلة التركيز والمعاناة من التشتت وقلة الرغبة في الذهاب للعمل وكأنه مرغم عليه دون وجود دافعية للذهاب إليه، الغياب بعذر التمارض أو السهر نتيجة الأرق الذي عانى منه ليلته أو التأخير عن الدوام وصعوبة التبكير والذهاب في الموعد المحدد، الشعور العصبية والنرفزة وضعف التكيف والتوافق مع زملاء العمل والموظفين، والأرق وقلة النوم وذلك يعود للإنزعاج من الهم والقلق والتوترالذي يصيبه.[4]
مسببات وأسباب غياب التكيف
إن الدوافع والأسباب التي تحدث متلازمة الأحد أو قبيل نهاية أسبوع العمل ناتجة عن التفكير الزائد في العودة للعمل أو الدراسة، مما يتسبب في القلق والتوتر عند العديد من الموظفين والطلبة، فالتحول من إجازة وراحة واستجمام ونوم إلى الذهاب للعمل، مما يجعل الشخص يعاني من صعوبة في التكيف النفسي مع هذه الحالة وضعف في التوافق مع متطلبات العودة وأداء المهمات في العمل أو التعليم، الترهل والشعور بالإجهاد وقلة الطاقة الإيجابية التي تتسببها الراحة والإجازة، ضغوط العمل التي تراكم الكثير من الواجبات والمهمات من مشاريع وتعدد المسؤوليات وتراكمها، مما تحدث حالة وجدانية وانفعالية سلبية، ضعف التخطيط والأستعداد وغياب تنظيم وإدارة الوقت بشكل فعال يؤدي إلى تخبط وعشوائية ورهبة من المهمات القادمة، ضعف الشعور بالرضا عن الوظيفة أو التعلم، يجعل الذهاب للعمل بروح ضعيفة ونفس غير مطمئنة، وغياب التوافق الاجتماعي وضعف التواصل مع الزملاء وغياب العلاقات القوية والمتينة معهم يشعر الموظف بالوحدة والإنعزال عن محيطه.[5]
فعندما ترتبط الأعراض بالمسببات من السهولة ، وتبيان أثر ذلك على متلازمة الأحد التي تظهر أعراضها جلياً في حياة الأفراد والعاملين والطلبة، فهذه الأمور تتعلق بمشكلات شخصية للفرد من ضعف في القدرات والمؤهلات والمهارات التي يفتقدها، ستكون سبباً وجيهاً لمعاناته من القلق والتوتر وضعف القدرة على تحمل الضغوط الواقعة عليه، ناهيك عن غياب التخطيط وتنظيم الأوقات بشكل يجعله في فوضى وعشوائية وتراكم للأعباء والمهمات وعدم القدرة على إنهاء عمله في نهاية الأسبوع ستكون على حساب إجازاته وراحته، فتجعله أمام خيارين إما أن يستغني من الترفيه والاستمتاع بالإجازة وينهي عمله، وإما أن يترك كل شيء لبداية الأسبوع فتراه في حالة من التشويش والتفكير الزائد في الأعمال التي تنظره، فلا راحة لمن أشغل نفسه، ولا صفاء نفسي لمن ترك شغله، يتحول فيما بعد إلى شبح يهدد منامه وينغص عليه أوقاته ونومه واستقراره. بالإضافة إلى وجود مشكلات تتعلق بفقدان المهارات الشخصية في إدارة الذات وضعف بناء علاقات اجتماعية سوية تجعل العمل بالنسبة إليه مريح ويشعر به بالمتعة والتواصل الفعال مع أقرانه ونظرائه، وهذا بحد ذاته يهدد الكيان ويجعله في توتر وإحباط وياس. وأن ضعف الانتماء للمهنة وقلة الإنسجام واقعاً مؤلماً على شخصية الموظف في مهنته والطالب في تعليمه وتحصيله. كل هذه المعضلات تجعل الأسباب تتمخض عنها أعراض تظهر على طبيعة الفرد وتحتم على الفرد والقائمين في منظمته او مؤسسته أن يبحثوا عن الطرق والأساليب تعالج الأسباب وتببد هذه الأعراض وتنمي القدرة على التعامل مع هذه المتلازمة بوعي وادارك وبناء للمهارات والتوجهات الإيجابية.
مهمات وأدوار فاعلة
من السهولة بمكان أن نتعامل مع الممارسات التي تعالج هذه المتلازمة وتخفي آثارها ووجودها من خلال التخطيط الأسبوعي وتنظيم عادات إيجابية في التحضير للعمل والأستعداد المهني والدراسي واستكمال كل المهمات والأدوار التي يشغلها الموظف في عمله والطالب في دراسته وتعليمه، التفكير في قضاء الإجازات مع العائلة والأسرة والأصدقاء والترفيه والاستجمام والاستمتاع بالأوقات بأشياء مفيدة ونافعة وممتعة، تشيكل عادات إيجابية للنوم بشكل منظم وهادىء والشعور بالراحة وإعطاء قيمة للطاقة الإيجابي والنشاط المفعم بالقوة والروح النفسية الداعمة للتفكير المثمر والمفيد، من خلال تطوير ممارسات الإنشغال بالأفكار الداعمة والتي تدعم الروح الإيجابية والانتفاع بما هو مفيد والشعور بالرضا والاطمئنان والمزاج الهادىء واللطيف. الاستعداد ليوم الوظيفة أو الدراسة والترتيب والتنظيم المسبق من الليل للملابس والحذاء ومتطلبات وأدوات العمل والاحتياجات التي تتطلبها الأدوار والمسؤوليات التي يكلف بها الشخص. القيام بتمرينات خفيفة في العمل مع الزملاء أو بصورة منفردة في مكتبه قبل بداية الدوام أو صباحاً في بيته وهو مليء بالنشاط والطاقة، إضافة طقوس وعادات إيجابية يوم الدوام لجعلها متعة وتسلية من خلال مشاهدة فيديو تحفيزي، كتابة خاطرة أو بوست على مواقع التواصل الاجتماعي أو لوحة العمل، التواصل والتفاعل الاجتماعي مع زملاء المهنة أو الدراسة والتحدث والدردشة معهم وشرب القهوة واسترجاع الذكريات الجميلة من الإجازة الاسبوعية.[6]
ممارسة الاسترخاء والتأمل من خلال التنفس العميق، بحيث يجلس الشخص على كرسي أو سرير مريح ويغمض عينيه ويبدأ بالتنفس العميق ببطء، يستخدم الشهيق لمدة 4 ثوان، حبس الهواء ثانيتين، الزفير 8 ثوان أو عدات، ويكرر التمرين من 5- 7 مرات، ممارسة الأسترخاء العضلي وهو مغمض العينين من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين ببطء، ومن ثم من أسفل إلى أعلى، بحيث يضغط على الجبهة ثم يرخها، العينين، الحاجبين، الفم، الحنك، رويداً رويداً إلى القدين وهكذا. ومن السهل بعد إغماض العينين وممارسة الاسترخاء التنفسي، ثم يبدأ يمارس الاسترخاء الـتأملي بحيث يتخيل نفسه وهو في جولة في الطبيعة أو البحر، يستمتع بهذ المناظر الخلابة لمدة 7-10 دقائق، ويحدث نفسه على إنتقاء وتفعيل الأفكار والمشاعر التي انتابته أثناء الاسترخاء وتفعيلها أثناء يومه وشغله، واسترجاع أفكار ومشاعر مريحة حدثت وربما سوف تحدث معه في عمله أو دراسته، يستطع أن يشعر بالراحة والاستقرار البدني والنفسي.[7]
التخطيط لعمل نشاطات وفعاليات لكسر الرتابة والشعور بالملل، وبناء الثقة بالنفس والشعور بالراحة والأطمئنان من خلال أشياء مسلية ومريحة تعطي روح ودفعة قوية للنفسية وتنشيط الجسم والذهنية العقلية، قضاء أوقات مع العائلية في متعة ونشاطات تتحدث عن أفضل الممارسات لشخصياتهم ومواقفهم في الحياة، والتذكير بأجمل وأفضل النتائج التي حصل عليها الشخص في عمله ودراسته، ممارسة رياضة المشي أو الجري برفقة أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، ولعب أشياء مسلية وممتعة تجلب المسرة والمتعة، الاستماع للقرآن الكريم او الأناشيد أو الموسيقى الهادفة المريحة، التخطيط لعمل عائلي قبيل إنتهاء الإجازة لمدة ساعة من المرح والفكاهة والتسلية، تناول الأفطار بنفس مرتاحة لديها الرغبة والشغف للذهاب للعمل في أجواء مريحة وإيجابية مع الأسرة، الخلود للنوم براحة دون الإنشغال بالتفكير السلبي، وطرد القلق والتوتر من خلال عدم مواصلة التفكير في الأفكار والمشاعر السلبية ، بل تبديلها بأفكار إيجابية ومشاعر لطيفة تجاه العمل والحياة التي نحياها.[8]
نافلة الأمر تحتاج منا إلى وعي بطبيعة المراحل والفترات التي نعيشها، ولا نجعل الهم يتسلل لنا مهما كانت ظروفنا ودرجتها وقوتها، بالتبصر والصبر والتحمل وعدم إشغال الفكر والتوجه نحو الهموم، نتمكن من الستفادة من الأجواء الروحانية الداعمة لنا سواء في قراءة الأدعية والأذكار والقرآن الكريم وأن الله عز وجل لطيف بنا يسدد خطانا ويبدد أوهامنا والظلام الذي يحيط بنا، بالإضافة إلى استخدام العد العكسي من 100- 0 قبيل النوم حتى لا نوسع دائرة القلق، بل نركز اهتمامنا على مهمات وأعمال تريحنا وتدخل البهجة والسرور لنا، مما يشغل الذهن والتركيز بهدوء دون الإنشغال بالقلق والتوتر في الذهاب للعمل. تأكيد الرغبة في الذهاب للعمل بنشاط وشغف وروح وثابة مفعمة بالإيجابية. " ويلاحظ أن النوم الهادىء المريح وتناول الطعام برفقة من ننسجم معهم ونودهم يحسن من الحالة المزاجية ومتلازمة الأحد التي ربما نعاني منها، ويخفف من القل والتوتر المصاحب لتلك الحالة التي تشغلنا وتثقل كاهلنا. والتركيز على بناء المهارات الشخصية والاجتماعية التي تبدد الضغوط في العمل وتمكن الشخص من مواجهة حياته وظروف عمله بصورة إيجابية، والقدرة على حل المشكلات، وتلق بالدعم والمساندة من القريبين والمحيطين والتعبير عن الرأي والمشاعر المزعجة والمهددة والضاغطة بوعي وتفهم.
أخيراً قد يسهم العلاج المتخصص المتعلق بالصدمات وقضايا التعلق وانعدام القيمة الذاتية التي تكمن وراء أمراض الصحة العقلية مثل اضطرابات القلق والقلق الاجتماعي والاكتئاب. باستخدام طرائق العلاج المعرفي والسلوكي، للمساهمة في التعرف على أنماط التفكير والشخصيات والمساهمة في المساعدة لتخطي المتلازمة والضغوط التي تصاحبها، وخلق بيئة تفكير ملائمة ومنظمة وصحة عقلية ونفسية تجعل الموظف في عمله والطالب في تعليمه قادراً على التأقلم والتكيف مع العمل والتهيء له بطريقة منظمة وملائمة ونفسية قادرة على التمتع بالطاقة الإيجابية والصحة العقلية في إثبات الذات وتحقيق النجاح في العمل والدراسة والشعور الرضا والسعادة.[9]
الخلاصة المفيدة
إن مواجهة متلازمة الأحد تتطلب وعياً وبناء لنمط الحياة وإيجابية التفاعل مع البيئة المحيطة والتفكير التخطيط المنظم، استثمار الإجازة بحكمة وفائدة، بناء عادات إيجابية، وتعزيز العلاقات وتعزيز طاقة التفاؤل والتحفيز للعمل والدراسة والنمو والتطور المستمر والمستدام...
***
د. أكرم عثمان - مستشار ومدرب دولي في التنمية البشرية
2025
..............................
[1] https://elhadeth.mr/node/24922
[2] https://www.lucidity.org.uk/calling-sunday-syndrome-sufferers
[3] https://www.headspace.com/articles/sunday-anxiety
[8] https://www.lucidity.org.uk/calling-sunday-syndrome-sufferers
[9] https://www.newportinstitute.com/resources/co-occurring-disorders/sunday-scaries