قضايا

وداد فرحان: صانعة الحضارة

عانت المرأة كثيرا، وكانت ضحية الأنظمة والأعراف والتقاليد، متحسرة تطوي صفحات الظلم والحرمان، وهي تواجه الظلم والحيفً اللذان هضمتهما هضماً، وهي تواجه على مدى العصور معاملة العار التي تنأى بها عن المستوى الطبيعي للخلق وكأنها ليست من البشر.

ورغم أن الحضارات جاءت للنهوض بالإنسان من مراحل التخلف الى وهج المعرفة والتقدم في كل المجالات، إلا أن المرأة كانت الحلقة المفقودة ولم تنل قيمتها التي صيرها بها الخالق ومنحها في تلك الصيرورة خصائص متجانسة يفقدها الآخر.

لقد وصفتها بعض الحضارات القديمة بالشجرة المسمومة، وزادوا عليها بأنها رجس من عمل الشيطان، ولاغرابة في ذلك فان الأديان قد حملتها مالم تحتمل فكانت الخطيئة الأولى في الخلق التي أخرجت الرجل من الجنة الى الأرض.  أنها المخلوق الذي يفتقد الروح، وللرجل الحق في دفنها حية، لأنها اللعنة وسبب الغواية، ويحق بيعها وتبادلها كسلعة سوقية.

وفي القرن الخامس الميلادي قرر الفرنسيون بأنها "إنسان، خلقت لخدمة الرجل".

لقد كان العرب يوأدون بناتهم عند الولادة لما تشكله من ظاهرة معيبة أسريا وعشائريا، فهل كان المجتمع ذكوريا بحتا؟ وكيف لهذا المجتمع من التكاثر والانتشار في غياب النصف الثاني لتكوين الحياة؟

ما تزال المرأة في جميع المجتمعات -وان ادعت تحررها- تعاني من قتل الهوية وهضم حقوقها.

ومازالت تنظر الى المستقبل كشبح قاتل، لا تقوى على صراعه، فهي في غياب الحماية تكون صيدا سهلا لمخالب الشهوات الباطشة، تطاردها سهام العيون وتطمع بها بطون الرغبات. وهكذا فإنها سلعة، يتداولها تجار الأخلاق الذين يحكمون على هويتها بالرمي بالرصاص على جدران شهوات العالم، حالها حالك الظلام، فبعدما كانت المرأة تقتل، أصبحت اليوم هي التي تقتل نفسها وترحل الى عالم مجهول تحسبه أرحم من كل بهرجات ورحمة الحياة الدنيا.

مازالت المرأة تواقة للنهوض بحريتها، الحرية التي ما أن ينطق بها يصار الى استيعاب خاطئ لمفهومها وكأنها الخروج عن المألوف والتمتع بالممنوعات على خلاف سيادة الرجل والمجتمع. إن الحلقة المفقودة في حياة المرأة هي حريتها، فلم نسمع يوما أن أحدا طالب بحرية الرجل كونها من المسلمات التي فرضها الرجل عبر التاريخ بسبب تكوينه وبنيته وقوته التي لا ينافسه عليه منافس ولا يقوى على انتزاعها منه قوي، على خلاف المرأة التي هي الأضعف بنية وتكوينا.

لقد ارتبط وراثيا مفهوم حرية المرأة بالشرف والعرض والدين، مما سبب اهمالا لها خوفا من المساس بالمقدسات المجتمعية حسبما يعتقد البعض.

إنّ حرية المرأة هي قدرتها الكاملة على امتلاك إرادتها في اختيار معتقدها وسبل حياتها العملية والاجتماعية كاختيار شريك حياتها، مثلها مثل الرجل الذي ينبغي ألا تكون له عليها وصاية. المرأة مازالت بحاجة الى ارادتها في اختيار طريقة حياتها ولا ضير أن تقوم بذلك مساهمة مع الرجل.  ويبقى على المرأة أن تفهم حريتها بعيدا عن الجهل في أطر تفسير مفهومة الخاطئ الذي تتوهم البعض منهن بأنه الخروج على المألوف بانفتاح كبير وكأنها تخرج من دوامة الشعور بأنها مواطن من الدرجة الثانية الى ضوء امتلاك الإرادة الحرة المنفلتة.

حرية المرأة لا يراد بها الانتفاضة على الرجل والمجتمع، بل الارتقاء بها كإنسان يريد العيش بسلام وبأسلوب متوازن مع الرجل، فإنها إذا ما أعطيت حريتها، ابدعت وخرجت الى الفضاء الحياتي الرحب لتسهم في بناء الحضارات والتقدم والرقي في مجتمعها بعيدا عن أمراض العصر الاجتماعية. وما أن منحت إرادتها كاملة وتمتعت بحريتها المصانة، أصبحت المرأة صانعة الحضارة.

***

وداد فرحان- سيدني، استراليا

في المثقف اليوم