قضايا
علي عمرون: شهر التراث في الجزائر.. زخم الدال وغياب المدلول
(التراث كائن حي يحيا في وسط تاريخي ولغوي وجغرافي ويتغذى على التأويل وإرادة الفهم)... غادامير
اللغة روح الأمة والتاريخ ذاكرتها، والأمة التي تجهل او تتجاهل تاريخها هي أمة مريضة بلا ذاكرة اما الأمة التي تتنازل عن لغتها فهي دون ريب في عداد الأموات هكذا كان يفكر المرحوم ساطع الحصري وهو يناقش مسألة العلاقة بين الاصالة والمعاصرة، والحقيقة انه لا يجب ان يفهم من الاعتزاز بهوية الامة وتراثها التنكر لقيم العصر ورفض الاخر، بل ان الحكمة تقتضي المزج بينهما والعمل على احداث التفاعل بين منهج العلم ونسقه التقني الذي يعكس روح هذا العصر واحياء تراثنا المادي واللامادي.
لقد شهدت الجزائر في الأيام الماضية حراكا ثقافيا على مستوى الإعلام الرسمي ومنصات التواصل الاجتماعي حركية أوحت للبعض بوجود ما يشبه الزخم الفكري او السحاب الثقافي لكن لم يكتب لهذا السحاب المفكك ان يتحول الى مطر يسقي العقول ويحيي النفوس المتعطشة لدهشة السؤال والباحثة عن التحرر من قيود السذاجة والتفاهة، فقد غلبت الكثير من المؤسسات والهيئات الرسمية الشكل على المضمون وتجلى ذلك بوضوح ضمن فعاليات الاحتفال بشهر التراث (18 أفريل-18 ماي) وهذه الفعاليات تتوافق في اجندتها مع اليوم العالمي للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية واليوم العالمي للمتاحف والذي جاء هذه السنة تَحت شعار "التراث الثقافي الجزائري وامتداداته الافريقية" تزامنا مع ذلك احتفلت الشقيقة تونس على غرار باقي بلدان العالم بشهر التراث تحت شعار “تراثنا ..رؤية تتطور..تشريعات تواكب”
والمجتمع الدولي يوم 18 أبريل سنوياً يحتفل بفعاليات يوم التراث العالمي. باعتباره اليوم الذي حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية للاحتفاء به كل عام برعاية منظمة اليونسكو ومنظمة التراث العالمي. وذلك بحسب الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في باريس في عام 1972.وقد جاء الاحتفال بيوم التراث العالمي بغرض حماية المواقع التراثية من العبث وتدميرها. وذلك من خلال إعداد التشريعات والأنظمة والسياسات العامة التي تلزم المؤسسات والأفراد بالحفاظ على المواقع التراثية والأثرية. وفقاً للاتفاقية التي وقعتها اليونسكو.
في مفهوم التراث؟
يمكن العودة الى الندوة التي اشتغلت عليها مجلة الفيصل ضمن اعدادها القديمة في حديثها عن ندوة التراث وسنحاول في هذه الورقة الإشارة الى بعض ما جاء فيها فقد حدد الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، مفهوم التراث قائلا: " تراث أي أمة من الأمم هو موروثها الحضاري في شتى العلوم والفنون والآداب، وتراثنا العربي هو كل ما أبدعه العقل العربي من ذخائر الفكر والعلم والأدب، والفن، وبقي لنا ساطعاً في كتب مخطوطة أو مطبوعة، وهذا التراث العربي يتناول ما دون من آثار أدبية مأثورة عن العصر الجاهلي، ومن معارف وأساطير، وقصص وأحداث تاريخية مروية للجاهليين، كما يتناول الآثار الدينية والأدبية والعقلية والعلمية والفنية التي تركتها الحضارة الإسلامية، والعبقريون من أسلافنا المسلمين على اختلاف عصور التاريخ، منذ ظهور الإسلام حتى العصر الحديث بل حتى اليوم " ويطلق لفظ التراث، بالمعنى الواسع، على نتاج الحضارة في جميع ميادين النشاط الإنساني، من علم وفكر وأدب وفن، ومأثورات شعبية وآثار ومعمار، وتراث فلكلوري واجتماعي واقتصادي و كلمة تراث مأخوذة من مادة (ورث) والتي تدور معانيها حول حصول المتأخر على نصيب مادي أو معنوي ممن سبقه، ويقول الأستاذ عبد السلام هارون مانصه: أجمع اللغويون على أن التراث ما يخلفه الرجل لورثته، وأن (تاءه) أصلها (الواو) أي: (الوراث)، وله نظائر في كلمات أخرى منها: التجاه وأصلها الوجاه أي الجهة .. وهكذا يدور قلب الواو المقصورة لهذه الكلمات ثاء، لأنها أحيذ من الواو، ولا تتغير بتغير أحوال ما قبلها كما يقولون . ولعل من أقدم النصوص التي وردت فيها هذه الكلمة ما جاء في القرآن الكريم من سورة الفجر: (وتأكلون التراث أكلاً لما) كانوا في جاهليتهم يمنعون توريث النساء وصغار الأولاد ... ومدلول التراث عرف حركية وتبدلا في العصور الحديثة فقد تشعب البحث في كل الميادين وأصبح هناك تراث تاريخي. وتراث حضاري وتراث في الفن والأدب.
وتاريخيا العلماء العرب كان لهم السبق في شتى مجالات الفكر الإنساني ويرجع اليهم الفضل في كثير من العلوم المستحدثة، وتذكر (ابن فارس) في كتابه (مقاييس اللغة (الذي استطاع أن يستنبط نظرية لغوية دقيقة لم يسبقه إليها مفکر، حيث أرجع كل مادة لغوية من مواد المعاجم إلى أصل أو أصلين أو عدة أصول معنوية، وهذه النظرية تعتبر من الأعمال الفريدة في عالم التأليف، وكذلك (ابن خلدون) في كتابه (مقدمة ابن خلدون)، والزمخشري في كتابه أساس البلاغة)، وابن سينا في كتابه (القانون)، ونصير الدين الطوسي صاحب على حساب المثلثات، وكذالك الخوارزمي صاحب علم الجبر والبصري صاحب علم الضوء .. ...
أهمية التراث تتمثل فيما يلي:
- إنه يمثل قيمة تاريخية فريدة ثمنه
- انه يكشف لنا عن تطور الإنسانية في عصورها الماضية، الأمر الذي يجعلنا على قدرة من استكشاف المستقبل واستشعاره.
- إنه يمثل قيمة قومية فهو يحمل قيمة تعلو على كل قيمة.
- إنه الأساس الذي يجب أن نبني عليه نهضتنا المعاصرة.
كيف يمكن الاعتناء بالتراث؟
يجيب الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي عن هذا التساؤل بأن أي خطة لأحياء التراث والاستفادة منه يجب ان تتضمن ما يلي:
- نقيم المؤتمرات العلمية الدائمة من أجل خدمة التراث .
- زيادة عناية مراكز التراث في جامعاتنا به عناية أكثر .
- ضرورة الاستفادة بما سبق من تجارب الأمم الأخرى
- تدريب طائفة كبيرة من المشتغلين بالتراث على العمل من أجل خدمته وتحقيقه
- نشر خلاصات علمية لأهم ما نقف عليه من كنوز علمية .
- الفهرسة البيبليوجرافية الكاملة لمخطوطاتنا،
- تحسين مردودية التراث الوطني بين مختلف القطاعات ليصبح قطاعا واعدا وحيويا خالقا للثروة.
- أهمية التراث وقيمته العلمية والإنسانية لنا عملية معقدة تحتاج إلى (التمويل)، فإن وجد هذا التمويل بالقدر الكافي وضعت الخطة اللازمة لإنقاذ التراث من الدمار.
النصوص القانونية لحماية التراث في الجزائر
النصوص عديدة ولا يمكن حصرها وسنكتفي بالإشارة الى بعضها
1- الدستور:
أولى الدستور الجزائري الجديد ولأول مرة وبشكل صريح أهمية للتراث الثقافي، حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة 76 ما نصه: "تحمي الدولة التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي، وتعمل على الحفاظ عليه" (الجريدة الرسمية، 2020، ص. 18).
2- قانون الولاية:
تضمن قانون رقم 12 – 07 مؤرخ في 28 ربيع الأول عام 1433 الموافق 21 فبراير سنة 2012 المتعلق بالولاية مادتين فيهما ما يفيد بضرورة مساهمة المجلس الشعبي الولائي في إنشاء الهياكل الخاصة "بحماية التراث التاريخي والحفاظ عليه بالتشاور مع البلديات وكل الهيئات الأخرى المكلفة بترقية هذه النشاطات أو الجمعيات التي تنشط في هذا الميدان" حسب المادة 97.
كما يساهم حسب المادة 98: "في حماية التراث الثقافي والفني والتاريخي والحفاظ عليه بمساهمة الصالح التقنية المؤهلة وبالتنسيق مع البلديات وكل هيئة وجمعية معنية. ويطور كل عمل يرمي إلى ترقية التراث الثقافي والفني والتاريخي بالاتصال مع المؤسسات والجمعيات المعنية ويقترح كل التدابير الضرورية لتثمينه والحفاظ عليه" (الجريدة الرسمية، 2012، صص. 5-25).
3- قانون البلدية:
تضمن قانون رقم 11 – 10 مؤرخ في 20 رجب عام 1432 الموافق 22 يونيو سنة 2011، يتعلق بالبلدية في المادة 116 ما فيه إشارة إلى أن البلدية بمساهمة اJصالح التقنية المؤهلة، على المحافظة وحماية الأملاك العقارية الثقافية والحماية والحفاظ على الانسجام الهندسي للتجمعات السكنية وذلك في إطار حماية التراث المعماري وطبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما المتعلقة بالسكن والتعمير والمحافظة على التراث الثقافي وحمايته (الجريدة الرسمية، 2011، صص. 4-28).
4- قانون الجمارك:
نص القانون رقم 79 – 07 مؤرخ في 26 شعبان عام 1399 الموافق 21 يوليو سنة 1979 يتضمن قانون الجمارك، المعدل والمتمم بالقانون رقم 98 – 10 مؤرخ في 29 ربي الثاني عام 1419 الموافق 22 غشت سنة 1998، والمعدل والمتمم أيضا بالقانون رقم 17 – 04 مؤرخ في 19 جمادي الأولى عام 1438 الموافق 16 فبراير سنة 2017، في فقرة من المادة الثالثة منه على أن إدارة الجمارك من مهامها السهر على حماية "التراث الفني والثقافي"، و"مكافحة المساس بحقوق الملكية الفكرية والاستيراد والتصدير غير المشروعين للممتلكات الثقافية"، وقد أوجد المشرع من أجل ذلك عدة إجراءات عقابية في حق مرتكبي جرم تهريب أو بيع وتصدير أو استيراد بدون وجه قانوني لكل ما له صلة بالتراث الثقافي (الجريدة الرسمية، 1979، ص 678. الجريدة الرسمية، 1998، صص. 6-60 ؛ الجريدة الرسمية، 2017، ص. 5).
5- القانون البحري:
تضمن الأمر رقم 76 – 80 مؤرخ في 29 شوال عام 1396 الموافق 23 أكتوبر سنة 1976 يتضمن القانون البحري، المعدل والمتمم بالقانون رقم 98 – 05 مؤرخ في أول ربيع الأول عام 1419 الموافق 25 يونيو سنة 1998، والقانون رقم 10 – 04 مؤرخ في 5 رمضان عام 1431 الموافق 15 غشت سنة 2010، نصوصا تحمي حطام السفن وكل الممتلكات الثقافية والتاريخية الغارقة في عرض البحر ضمن حدود المياه الإقليمية للجزائر، وحدد الآليات والعقوبات المرتبطة بها في القسم الرابع منه والخاص بإنقاذ حطام السفن، خاصة المادة 358، 360، 381 (الجريدة الرسمية، 1977، العدد 29؛ الجريدة الرسمية، 1998، العدد 47 ؛ الجريدة الرسمية، 2010، العدد 46).
6- قانون الأملاك الوطنية العمومية:
أكد المشرع الجزائري في القانون رقم 90 – 30 المؤرخ في 14 جمادي الأولى عام 1411 الموافق أول ديسمبر سنة 1990 يتضمن قانون الأملاك الوطنية المعدل والمتمم بالقانون رقم 08 – 14 المؤرخ في 17 رجب عام 1429 الموافق 20 يوليو سنة 2008، على أن "الآثار العمومية والمتاحف والأماكن الأثرية" و"الأعمال الفنية ومجموعات التحف المصنفة" و"المحفوظات الوطنية" و"حقوق التأليف وحقوق الملكية الثقافية الآيلة إلى الأملاك الوطنية العمومية" تعد من ضمن الأملاك الوطنية العمومية (الجريدة الرسمية، 1990، العدد 52 ؛ الجريدة الرسمية، 2008، العدد 44).
7- قانون التهيئة والتعمير:
أولى المشرع في مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالتهيئة والتعمير عناية كبيرة بأخذ كل الاحتياطات الضرورية التي يستوجبها التراث الثقافي المادي خاصة المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية أثناء إعداد مخططات التعمير وشغل الأراضي، حيث أفرد لها قسما ضمن القانون رقم 90 – 29 مؤرخ في 14 جمادي الأولى عام 1411 الموافق أول ديسمبر سنة 1990 يتعلق بالتهيئة والتعمير، المعدل والمتمم بالقانون رقم 04 – 05 مؤرخ في 27 جمادي الثانية عام 1425 الموافق 14 غشت سنة 2004 (الجريدة الرسمية، 2001، العدد 77 ؛ الجريدة الرسمية، 1990، العدد 52).
8- قانون العقوبات:
تضمن الأمر رقم 66 – 156 مؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966 يتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم نصا صريحا في المادة 160 من هي جرم ويعاقب مرتكبي مختلف المخالفات التي تخص التراث الثقافي بما فيها الاتلاف أو الهدم أو التشويه والتخريب (الجريدة الرسمية، 1966، العدد 49). كما حددت المادة 350 مكرر 1 و350 مكرر 2 من القانون رقم 09 – 01 مؤرخ في 29 صفر عام 1430 الموافق فبراير سنة 2009، المعدل والمتمم للأمر رقم 66 – 156 مؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966 يتضمن قانون العقوبات على أنه يعاقب "كل من سرق أو حاول سرقة ممتلك ثقافي منقول محمي أو معرف" (الجريدة الرسمية، 2009، العدد 15).
9- قانون مكافحة التهريب:
حدد الأمر رقم 05 – 06 المؤرخ في 18 رجب عام 1426 الموافق 23 غشت سنة 2005 والمتعلق بمكافحة التهريب المعدل والمتمم عقوبات مشددة على مرتكبي جرم تهريب "التحف الفنية أو الممتلكات الأثرية" حسب المادة 10 والتي تصل العقوبة إلى الحبس لمدة 10 سنوات، وغرامات مالية تساوي عشر مرات قيمة البضاعة، وتتضاعف هذه العقوبات في حالة استعمال وسيلة النقل حسب ما جاء في المادة 12 منه (الجريدة الرسمية، 2005، العدد 59).
***
علي عمرون - الجزائر