قضايا

عدي البلداوي: دور الشباب العربي في قيام نهضة ثقافية معاثرة (4)

بدون دور الشباب المتعلم سيعتاد ابناء المجتمع على تقبل ما تعرضه المحتويات الهابطة والتافهة على انها مادة ثقافة العصر، وهو ما يهدّد ويهدم بناء المجتمع ويحول دون تمكنه ثقافياً، خصوصاً عندما يتطور عمل تلك المحتويات السيئة ليقدّم اشخاصاً على انهم من المثقفين ومن حملة الشهادات العليا .. يحاولون من خلال محتوياتهم السيئة غير المباشرة النيل من رموز وشخصيات ثقافية وتاريخية ودينية، لها حضورها المعنوي الايجابي في وجدان الناس، بهدف زعزعة اطمئنان البسطاء منهم بتعريض ثقتهم برموزهم التاريخية والثقافية الى الضعف الذي من شأنه ان يسهّل على تلك الأجندات السيئة إعادة تشكيل المحتوى الثقافي للناس بما يخدم مشاريعهم السياسية والإقتصادية والثقافية التي لا يبدو من خــلال الـعـقــديــن الـمــاضــيــيــن مـنـذ بـدايـة الـقـرن الـواحــد والــعــشــريــن انــهــا

مشاريع انسانية هادفة، قدر ما يبدو عليها انها مشاريع تجارية اقتصادية مادية تستثمر في كل شيء حتى انسانية الانسان وثقافته وتراثه ودينه وتاريخه .. فمن خلال الامتيازات التي تتيحها شركات منتجة للتقنية الرقمية عبر تطبيقاتها تسمح فيها لمستخدميها بجني الأموال من خلال تقديمهم محتويات تحظى بأعداد كبيرة عدد من الاعجابات والمتابعات بغض النظر عن طبيعة تلك المحتويات، الأمر الذي حفّز كثيرين من ذوي الرصيد الحياتي والتعليمي والتثقيفي القليل، على تقديم محتويات إن لم تكن سيئة، فهي غير نافعة .. وبسبب الرصيد الثقافي والتعليمي القليل لكثير من الناس فقد اخذت تظهر على الساحة شخصيات تافهة، او غير مؤهلة لأن تكون في الواجهة، اخذت تتحول الى ( ترند ) أي الى شخصيات لها شعبيتها ومتابعيها ومقلديها، واخذوا يجنون أموالاً واربحاً من نشر محتوياتهم تلك، وعندما يمتلك هؤلاء المال والشعبية، ستتمكن اجندات المشاريع الخاصة من تمرير ما تريده من خلال هؤلاء، دون ان يمتلك المتلقي رصيداً كافياً يؤهله لمعرفة الجيد من الرديئ، والصح من الخطأ، والحقيقة من الوهم .

في السابق جاء الإهتمام بإنتاج السلعة من أجل استخدامها، ثم صار الإهتمام بانتاج السلعة من أجل بيعها، ثم من أجل بيع اكبر عدد ممكن منها، ثم من أجل استمرار انتاج السلع واستهلاكها من اجل المزيد من كسب المال .. وكان كسب المال في السابق من أجل تلبية الإحتياجات، ثم صار كسب المال من أجل المال فقط، ثم من أجل النفوذ والسلطة، ومن هذا صار إنتاج السلع من أجل التحكم بالمستهلك، لأن مشاريع الاقتصاد الصناعي العالمي صارت تبحث وتستثمر في مجالات اوسع من التجارة والصناعة، فتوسعت الى الاستثمار في الثقافة أيضاً، وجاء هذا النوع من الإستثمار على حساب طبيعة الفرد والمجتمع .

***

د. عدي عدنان البلداوي

 

في المثقف اليوم