قضايا
سجاد مصطفى: الإرهاب الفكري ودور الإعلام في تشكيل الوعي الجماعي

دراسة تحليلية معمقة
الإرهاب الفكري، ظاهرة متجذرة في تاريخ البشرية، تطورت مع الزمن، خاصة مع ظهور وسائل الإعلام الحديثة. في الماضي، كان القمع الفكري يتم من خلال وسائل مباشرة، مثل الملاحقة أو الرقابة الصريحة. ومع تطور الإعلام، تغيرت هذه الأساليب إلى تقنيات أكثر نعومة وصعوبة في التعرف عليها، بحيث أصبحت تُمارَس بشكل غير مباشر عبر التوجيه الإعلامي المتقن الذي يهدف إلى تشكيل الوعي الجماعي للأفراد.
الإعلام وأثره في تشكيل الوعي الجماعي:
إن الإعلام لا يُعتبر مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل هو أداة قوية لتشكيل الرأي العام وفرض السرديات المحددة التي تسهم في تشكيل الأفكار والمعتقدات. عبر وسائل الإعلام المختلفة مثل الأخبار، البرامج الحوارية، الأفلام، والإعلانات، يتم توجيه الأفراد نحو رؤية معينة للعالم، تحدد ما يجب أن يُرى وما يجب أن يُغفل. هذه العمليات لا تحدث بشكل عشوائي، بل تعتمد على استراتيجيات مدروسة تهدف إلى تعزيز مصالح قوى معينة.
تقنيات الإرهاب الفكري في الإعلام:
١. التكرار والتوجيه الإدراكي: يعتبر التكرار أحد الأساليب الأساسية في الإرهاب الفكري. من خلال تكرار الرسائل الإعلامية بصيغ مختلفة، تصبح هذه الرسائل جزءًا من القناعات العامة للمجتمع، حتى وإن كانت غير صحيحة. هذا يرتبط بمفهوم البرمجة الإدراكية، حيث يتم توجيه الأفراد نحو قبول أفكار معينة دون الحاجة إلى أدلة قوية تدعمها.
٢. التوجيه الانتقائي للمعلومات: يلعب التوجيه الانتقائي للمعلومات دورًا حاسمًا في تشكيل الوعي الجماعي. يتم التركيز على أحداث معينة يتم انتقاؤها بعناية لإبرازها، بينما يتم تجاهل أحداث أخرى قد تؤدي إلى استنتاجات مخالفة للسردية المهيمنة. هذا الأسلوب يخلق صورة مشوهة للواقع، ويُستخدم بشكل كبير في تغطية الصراعات السياسية.
٣. العامل العاطفي والتضليل الإعلامي: يعتبر استغلال العواطف أحد الأدوات الفعالة في التلاعب بالوعي الجماعي. تُستخدم وسائل الإعلام لإثارة مشاعر الخوف، الغضب، أو الحزن، مما يجعل الأفراد أكثر عرضة للاستجابة دون تحليل عقلاني للأحداث. كما يُستخدم التضليل الإعلامي الذي يتضمن تشويه الحقائق عن طريق إعادة صياغتها بشكل يتماشى مع الأجندات السياسية أو الإيديولوجية.
التأثيرات الاجتماعية للإرهاب الفكري:
التأثيرات الاجتماعية للإرهاب الفكري لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تشمل البنى الاجتماعية بأكملها. يعزز هذا النوع من الإرهاب الانقسامات الفكرية، ويضعف القدرة على الحوار، ويؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات والمعلومات. نتيجة لذلك، يصبح المجتمع أكثر عرضة للانقسام، حيث تسيطر السرديات الموجهة على عقول الأفراد، مما يعزز الظواهر الاستقطابية ويؤدي إلى التباين بين المجموعات الفكرية.
دور الإعلام الرقمي في تعزيز الإرهاب الفكري:
في العصر الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية في ممارسة الإرهاب الفكري. تستخدم هذه الوسائل الخوارزميات الذكية لتوجيه الأفراد نحو محتوى معين يتماشى مع اهتماماتهم وسلوكهم الرقمي، مما يخلق فقاعات فكرية تعزل الأفراد عن الآراء المختلفة. في هذا السياق، أصبح الذباب الإلكتروني والجيوش الرقمية أدوات شائعة لتوجيه الرأي العام وخلق انطباع زائف حول قضايا معينة.
الذكاء الاصطناعي والإعلام المضلل:
مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح التلاعب بالإعلام أكثر تعقيدًا. تُستخدم هذه التقنيات لإنشاء أخبار وفيديوهات مزيفة تبدو حقيقية، مما يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والتزوير. هذه الأدوات تزيد من تعقيد المشهد الإعلامي، وتُعرِّض الأفراد لمخاطر أكبر فيما يتعلق بالتصديق على المعلومات المضللة.
مواجهة الإرهاب الفكري:
لمواجهة الإرهاب الفكري، يجب أن تكون هناك جهود ممنهجة لبناء وعي نقدي لدى الأفراد. يتطلب ذلك تعزيز التربية الإعلامية في النظام التعليمي، بحيث يتعلم الأفراد كيفية تحليل الأخبار وفهم التقنيات الإعلامية المستخدمة لتوجيه الرأي العام. كما يجب تعزيز الإعلام المستقل والنقدي كأداة لمواجهة السرديات الموجهة والمضللة، حيث لا يمكن التصدي لهذه الظاهرة دون وجود منصات إعلامية قادرة على تقديم محتوى تحليلي مستنير.التعامل مع ظاهرة الإرهاب الفكري يتطلب إدراكًا عميقًا لأهمية الوعي الجماعي كأداة أساسية في النضال ضد الهيمنة الفكرية. إن السيطرة على العقول أخطر بكثير من السيطرة على الأجساد، وتظل المعركة الكبرى على الوعي ذاته، وهو ما يستدعي تضافر الجهود لإيجاد آليات فعالة لمكافحة هذا النوع من الإرهاب الفكري، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة التي جعلت من السهل على القوى المهيمنة التأثير في توجهات الأفراد والجماعات.
***
الكاتب سجاد مصطفى حمود
المراجع:
١. أبحاث ودراسات إعلامية في التلاعب بالرأي العام.
٢. أبحاث حديثة في تأثير الإعلام على الوعي الجماعي.
٣. دراسات حول تقنيات التضليل الإعلامي وتوظيفها في الخطابات السياسية.
٤. مقالات علمية حول الذكاء الاصطناعي والتلاعب بالمحتوى الرقمي.