قضايا
طه جزاع: السفر عبر الزمن
يوم كتب هربرت ويلز روايته الخياليَّة الشهيرة "آلة الزمن" التي تنبأ فيها بمستقبلٍ مظلمٍ للبشريَّة التي ستنقسمُ إلى جنسين تبعاً للمسافة الطبقيَّة بين الأغنياء والفقراء، أحدهما جنسٌ مُنَّعمٌ لكنه غبيٌ وضعيف، والآخر فقيرٌ يعيشُ تحت الأرض ولا يَمُّت بصلة للبشر وهو أقرب إلى الحيوانات، لم يكن ألبرت اينشتاين قد أعلن بعد نظريته النسبيَّة التي تؤيد معادلاتها الرياضيَّة والفيزيائيَّة البحت فكرة السفر عبر الزمن مثلما تنبأ بها ويلز.
ومنذ ذلك الحين أجريت الكثير من التجارب التي أثبتت أنَّ العودة بالزمن ممكنة نظرياً، لكنَّها مستحيلة عملياً، وأنَّ السفر عبر الزمن لا يمكن حدوثه إلا بالتصورات الذهنيَّة التي لا يمكن أنْ تطبقَ على أرض الواقع، ويقال أنَّ عالماً روسياً توصل يوماً ما، إلى صنع آلة بدائيَّة يمكنها أنْ تكون أول آلة زمن حقيقيَّة، وأنَّه قام بتجربة اكتشف فيها وجود فارقٍ زمني بين ساعتين يبلغ 30 ثانية، ما يعني أنَّه وضع الخطوة الأولى للسفر عبر الزمن، ومن ذلك الحين بقي أمر هذا الأمر سراً غامضاً، وبقي هو وتجربته طي الكتمان.
إنَّ عجلة الزمن في الأحوال كلها، لا تدور بخلاف سيرها المتقدم دوماً إلى الأمام، وإنَّ عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء مطلقاً، وإنَّك أيها الإنسان لا يمكن أنْ تعبرَ النهر مرتين على رأي فيلسوف الصيرورة الإغريقي هيراقليط، لأنَّ مياهاً جديدة تجري من حولك أبداً .
وكل من يظن أنَّ الزمن يمكن أنْ يعودَ القهقري، ليبدأ بتغيير أحداث حياته وأقداره وتصحيح قراراته وخياراته الخاطئة، فإنَّه إما أنْ يكون أحمقاً قريباً من الجنون، أو أنَّه من عشاق مشاهدة أفلام الخيال العلمي التي توهم المشاهد أنَّ هناك آلة للزمن يمكنها العودة بمستخدمها عشرات أو مئات أو آلاف السنين إلى الوراء، أو تتقدم به نحو مستقبلٍ بعيد، في أكذوبة لا يصدقها غير السحرة، ولا تطوف إلا في خيالات كتاب روايات الخيال العلمي، أو ربما بعض العلماء المغامرين الذين بذر فيهم آينشتاين بذرة النسبيَّة الزمكانيَّة.
واستناداً إلى رواية ويلز وفيزياء آينشتاين، أقدم المخرج السينمائي الأميركي سيمون ويلز قبل عشرين عاماً، على تقديم فيلمه "آلة الزمن" الذي يعتمد قصة بسيطة حول شخصيَّة أستاذ جامعي يفقد حبيبته التي فارقت الحياة على يد لصٍ حاول سرقة عقدها، ما جعله في حالة نفسيَّة مأساويَّة دفعت به للتفكير بصنع آلة يسافر فيها عبر الزمن ليعود إلى الوراء وينقذ حبيبته من الموت على يد ذلك اللص.
الزمن لا يعودُ إلى الوراء، ولا يتقدم إلى الأمام، إلّا في خيالات الروائيين، وفيزياء العلماء، وصناع أفلام الخيال العلمي، لكنَّ الكارثة تحدث حين يحاول غير هؤلاء إثبات ذلك!.
وهذا من صنوف العَبث مع الزمن، ومع الأقدار!.
***
د. طه جزاع