قضايا
عبد العزيز قريش: ما بين عدل الله المطلق وهلاك الناس وإن كانوا صالحين
(سؤال العقل الحائر)
يقف العقل حائرا أمام إشكاليات عقائدية، يؤازره الفؤاد تسائلا ليطمئن، (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)[1]، والاطمئنان يتطلب الدليل (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ )[2]، والدليل حجة قاطعة تزيح في طريقها إلى العقل والفؤاد كل الرماديات الغبشة والشوائب؛ التي تحول دون صفاء القلب، ونقاء العقل، ووضوح الفهم، وجلاء البصيرة، وصدق الإيمان. وهو مسلك الأنبياء إلى أقوامهم للدعوة والإيمان بمن أسلكم هذا المسلك؛ ما يعبد طريق العقل والقلب إلى طلب الدليل والحجة بسلاسة من مزاعم كثر، تفشت فينا دون أن تقدم بين يديها دلائل وحججا دامغة واضحة بائنة، تثبت من جهة صدقها وصحة قولها ومترتباته العملية أو العقلية، وتفند من جهة أخرى نواقضها وتبرهن بطلانها. تخلق وتولد في العقل والفؤاد سلسلة طويلة من علامات الاستفهام، التي تقيد الفهم وتلبسه، وتزيد الغموض في طريقه، والشك في منهجه ونتائجه، وتعقد مهام الوعي وقبول الأمر والتصديق به. ما يجعل طلب الحجة والدليل أمرا طبيعيا في سبيل المعرفة والإيمان والعمل.
ومن الإشكاليات العقدية المعقدة، التي تصعب على العقل فهمها، وعلى الفؤاد التسليم بها وتصديقها، هو التناقض الذي يحصل بكل وضوح وجلاء بين المتن المقدس، القرآن الكريم وبين ما يزعم أنه من " السنة " حديث شريف منسوب إليه صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما سأطرحه في هذه الورقة من أجل الفهم والتصويب، وطلب إجلاء الأمر عندي الذي حيرني، ومازال يؤرقني بطرح الأسئلة علي دون انقطاع. وما السبيل إلى جلاء الأمر إلا بطرح الإشكال على أهل الاختصاص. بعد أبجديات تعلمتها في الدين حين كنت طالبا بكلية الشريعة بجامعة القرويين، بفاس. فقد تعلمت عن أساتذتي الكرام في المدخل إلى الحديث، ومادة الحديث الشريف والسنة النبوية الشريفة حينئذ ـ رحم الله رحمة واسعة من حل ضيفا على رب العالمين، ورزق الحي منهم الصحة والعافية والجزاء الأوفى عنا ـ أن السنة قاضية على القرآن، وفي نفس الوقت تعلمت عنهم في المدخل إلى التفسير، ومادة التفسير، أن القرآن الكريم هو الأصل الذي يرجع إليه، وإذا تعارض الحديث الشريف مع القرآن الكريم تعارضا بائنا غير قابل لصيغة من صيغ التوفيق والتوافق القولي؛ فإن الراجح هنا القرآن الكريم.
وعليه؛ تلح نازلتي علي بالسؤال بعد سردها. في بلادي المغرب الحبيب، زلزلت الأرض تحت أقدام أهلي المغاربة بمنطقة الحوز، المتربعة الأطلس الكبير، وهي جبال شامخة شموخ أهلها الكرام، من لقنونا الدروس في الصبر والإيمان والاحتساب لله عز وجل، من تفديهم لقيمهم ونبلهم الأرواح، وتعانقهم السماء وتحتضنهم الملائكة. من شكروا الله على مصابهم الجلل، وزادوا في حمده، وزانوا أنفسهم بالعطاء والسخاء وهم في أمس الحاجة إليه. من أكرموا ضيوفهم من المتضامنين والمتعاطفين والمسعفين والمنقذين والزائرين المواسين، بما أبقاه لهم الزلزال من المؤن. من تعففوا عن أخذ أكثر من حاجتهم، وصرفوا الباقي لمن ليس بكاف حاجته من المؤن، ومتطلبات الحياة المؤقتة والظرفية التي وضعتهم الكارثة فيها وتحت رحمتها. هم مشهد من مشاهد شعب أبي أصيل، هرع إلى نجدة نفسه بنفسه قبل غيره، لأنه اشتكى منه عضو بالسهر والحمى نتيجة زلزال مدمر عات، ما أبقى خلفه سوى الخراب والدمار ورائحة الموت والجثث المدفونة والدواب النافقة والأنقاض والهدم والردم. لابأس فالإيمان بقضاء الله وقدره أقوى وأكبر من كل فاجعة موجعة، تهون وتصغر إلى حد التلاشي أمام إيمان عقدي يستصغر كل كبيرة مهما كان حجمها أو أثرها. فالله كفيل بالخلف والعوض والمدد مهما كان المصاب جلل. هنا؛ أهلي غارقون في النسيان والتهميش ساستهم إليه سياسة سياسوية بليدة جهلة نتنة فارقت الفكر الاستراتيجي، ونأت بنفسها عن رجال الدولة العظام، من خدموا البلاد والعباد تحريرا وبناء. سياسوية لا تنظر بعيدا ببصيرة العقل والفؤاد، وإنما تنظر إلى قدميها بمنظار المصلحة الخاصة والمنافع الفئوية، دون استحضار الهوامش والمنسيين، ودون طموح نحو مستقبل أفضل إلا لأهلها وأزلامها وحاشيتها وماشيتها؛ فهامت هذه الهوامش والمنسيون في طلب المعيش اليومي لسد حاجتهم في جغرافية جبلية وعرة تكاد تخلو من الطرق المعبدة المزفتة إلا تلك الترابية التي ما صمدت أمام هزات الزلزال، فانشقت وتشققت أو تساقطت عليها الأحجار والصخور الكبيرة والعظيمة التي قطعتها وسدت المنافذ إلى القرى والدواوير والأرياف، فعظم الخطب وكبرت المأساة وصعبت مهام الإنقاذ والإغاثة، سامحة فقط باستعمال الوسائل التقليدية من المشي على الأقدام لمسافات طويلة أو التنقل بالدواب أو استعمال الدرجات النارية أو الهوائية؛ حتى تفتح الآليات الضخمة والعملاقة الطرق، وتزيح عنها أثقال الصخور والأحجار والأتربة وحملها العظيم من المآسي. فهؤلاء هم أهلي الغارقون في الإيمان بالله الواحد القهار، والمنغمسون في عذابات تفاصيل ومفردات يومياتهم قبل الزلزال، الذي زادهم ـ والحمد لله على كل حال ـ ألما على ألم التهميش بمنطوق المغرب المنسي أو المهمش عند السياسوية المريضة العفنة أو بمنطوق الأرقام المهملة في صناديق الانتخابات الموسمية بعد الانتخاب. تلك التي يمقتها المغاربة ويمجونها، ويكرهونها كرههم لأكل الحرام. المتشبثون بأصالتهم وعراقتهم العرقية والدينية والتاريخية. وهم في لجة أمواج الزلزال وارتداداته المتعاقبة وهول النازلة، انبرى لفيف من فقهاء وشيوخ العقيدة الإسلامية، وتحت ما حفظوه تلقينا وتوارثوه أجيالا بعد أجيال، أو ما سكنوا فيه منذ زمن طويل من تراث ديني وشروح للمطولات والقاصرات المقصرات والهوامش وهوامش الهوامش، داعين الناس إلى الثوبة والرجوع إلى الله لإثمهم العظيم الذي يحيون فيه ويعيشون في رحابه، وما هم به من خبث كبير، ومن الكبائر والصغائر، وما أعظمها من دعوة حين تكون في سياقها، وتحت أسبابها ومتطلباتها وشروطها. وأتوا في دعوتهم الناس إلى تقوى الله العديد من الآيات الكريمات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[3]، و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[4]، و(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[5]؛ مستنكرين عليهم ما اقترفوا من المعاصي الظاهرة والباطنة، والخفية والجلية، وكافة آفاتهم وأمراضهم وسلبياتهم الاجتماعية والنفسية والأخلاقية والتربوية والسلوكية والاقتصادية والسياسية التي لا ننكر وجودها عند البعض لا الكل، ومذكرين إياهم بأن زلزالهم علامة واضحة على فحشهم وخبثهم ومنكراتهم، وعصيانهم لله تعالى وعقابا لهم. ومخبريهم؛ أنهم ما زلزلوا إلا لتفشي الموبقات بينهم، التي ما استنكروها ولا نهوا عنها، وأمروا بالمعروف بينهم، وما علموا أن حناجر المغاربة بحت تجاه واقعهم المر بأعلى الأصوات وأشدها شجبا واحتجاجا، وشوارعهم ملئت بمنهوك الأمة اليتامى في موائد اللئام، من سرقوا البلاد والعباد وزادوا الفساد حد فبركة الملفات والقضايا والحكم على الأبرياء بالسنوات الطوال، وما قرأوا لافتات الاحتجاج والوقفات أمام الأبواب والنواب. وأتوا على قولهم ذاك بما رفع إليه صلى الله عليه وآله وسلم من حديث (زينب بنت جحش رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً فزعاً يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب، فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)[6]، و(عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل)[7]. وعضدوا ذلك بآيات قرآنية كريمة في العقاب والأخذ بالعذاب في الدنيا قبل الآخرة؛ (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)[8]،و(تِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا)[9]. ومنهم من أغلظ القول وكأنه أمام قوم لوط أو نوح عليهما السلام!
ولما سمعت مواعظهم ورأيت شرائطهم ووثائقهم الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي، وردت على ذهني وعقلي وتفكيري جملة من علامات الاستفهام والتعجب؛ فتساءلت أولا: عن مناسبة المواعظ مع سياق الفاجعة، وهل أهل النكبة في أمس الحاجة إلى الموعظة أم إلى المواساة والتضامن والعون والمساعدة والإغاثة؟ وهل هؤلاء الوعاظ أكثر إيمانا ممن نكبوا؟ ... ثم تجلت لدي أسئلة عقلية تحرق وعي، وتلبس علي الفهم، وتكدر صفاء فؤادي ... وتقودني إلى شيوخي وفقهائي طلبا لإنارة الطريق أمامي توضيحا للقول وتنقية للفهم وتصفية للوعي؛ حين ألح علي السؤال بالظهور إلى العلن في صيغة: ألا يوجد هناك تناقض في هذه الحجج والدلائل والأقوال والبراهين الواردة في نازلة الزلزال وهلاك قومي الكرام ـ رحم الله الشهداء منهم، وشفى الجرحى، وواسى المكلومين المهمومين ـ بما اقترفوا من معاصي وذنوب وأنا بمعيتهم في تقدير هؤلاء الفقهاء والشيوخ؟ كيف تقف أحاديث مرفوعة إليه صلى الله عليه وآله وسلم ظنية الثبوت والدلالة قاضية على آيات قرآنية قطعية الثبوت والدلالة؟ كيف يصير تحميل وازرة وزر أخرى نفيا لقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْء)[10]؟، وكيف الجزاء يتعلق بالفرد وحده دون غيره (تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[11]؟ ولا تسأل الأنفس عما فعلت غيرها؟، وكيف توفى كل نفس ما عملت وقد أتاها العذاب بما عمله الآخر (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[12]؟، وكيف يكون جزاء الاكتساب عدلا ونفيا للظلم وقد ظلم المؤمنون بما عمله السفاء من منكرات (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[13]؟، ألا تتضمن هذه الآيات الكريمات عدل الله الذي هو صفة من صفات ذاته السنية العلية؟ كيف نوفق بين عدالة الله جل وعلا وهلاك الصالحين بذنوب الفاجرين والطغاة؟ ألم يكن في عقاب الله سبحانه وتعالى الأقوام البائدة استثناء للمؤمنين بموجب عدالة الرحمان الرحيم (ثُمَّ صَدَقْنَٰهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَٰهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرِفِينَ)[14]، و(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ)[15]، و(حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[16]، و(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)[17] ...
أمام صفاء عدل الله تعالى، كيف يقبل العقل بقضاء تلك الأحاديث المرفوعة على آيات العلي القدير؟ من يغفر الذنوب كلها إلا الشرك (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[18]، (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)[19]، (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[20]. كيف لرب رحيم غفور عادل أن يقبل حمل عبده المؤمن وزر عبد عاص فاجر تحت ظل وجوده الأبدي السرمدي؟ وكل نفس في ملكوته مسؤولة عن نفسها لا غيرها؟ ... من هنا؛ يريد العقل والفؤاد الخروج بما يناسب عدل الله تعالى في سياق نازلة زلزال بلادي بعد استحضار سؤال جوهري يصيغ نفسه على ضربي الحقيقة والواقع من جهة أولى، ومن جهة مقابلة افتراضية مفارقة للحقيقة والواقع؛ هل عم الفساد والمنكر والخبث والرذيلة منكوبي الزلزال ببلادي الجميلة العزيزة حقيقة وواقعا أم افتراضا مفارقا للحقيقة والواقع؟ وتنبثق عنه سلالة من الاستفهامات: ما رأي فقهاء وشيوخ هذا القول فيمن حملن الطوب على ظهورهن وأكتافهن مشرئبات لبناء مسجد القرية في أعالي الجبال؟ ألا يوجد مؤمنون ومؤمنات من منكوبي الزلزال يستثنيهم الله من الكارثة، أم كلهم هالكون؟ ألا توجد دعوة مؤمن صادق في عقيدته تشفع لهؤلاء الذين عم فيهم الفساد، وتقيهم عند الله الكارثة؟ أولئك الذين نجوا من الكارثة أهم مؤمنون أم برقابهم الموبقات؟ ... وبقي لدي سؤال علمي محض: أيتعلق الزلزال بمسببات فيزيقية أم ميتافيزيقية؟ أيتعلق الزلزال بقوانين كونية وضعها الله في كونه، الذي يسير وفقها أم يتعلق بعلية تقلبات مزاجية عاطفية، ومشاعر ورغبات إنسانية؟ وماذا عن الزلازل في الكواكب الأخرى والمجموعات الكونية التي لا يوجد فيها الإنسان والفساد؟ ... سادتي الفقهاء والشيوخ الكرام والأفاضل؛ ما أنا إلا تائه بين زعمكم وزعم العلماء؛ بين قول ديني تراثي وقول ديني مقدس وقول علمي، لا أدري فيه الارتباط الموضوعي والحقيقي والواقعي بين الزلزال وسببه. في كنفه لم أستوعب كيف تزر وازرة وزر أخرى أمام عدل الله المطلق (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)[21]؛ فهل أنرتم لي من فضلكم وجودكم وكرمكم الطريق إلى الحقيقة الموضوعية والواقعية في لبسي هذا بعلمكم ومعرفتكم بحقائق الأمور، حتى يستقيم فهمي ويطمئن قلبي، وما ذلك عليكم بعزيز، فأنتم منارة التائهين مثلي إلى طريق الحق، والحق عز وجل كفيل بجزائكم. فمع كامل احترامي وتقديري، فأنا في حضرتكم سوى تلميذ مستفت ... وشكرا جزيلا على تفهمكم.
***
عبد العزيز قريش
..................................
[1] سورة البقرة، الآية: 260.
[2] نفسه، الآية:260.
[3] سورة آل عمران، الآية:102.
[4] سورة البقرة، الآية:278.
[5] نفسه، الآية:281.
[6] أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما.
[7] أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح.
[8] سورة الإسراء، الآية:16.
[9] سورة الكهف، الآية: 59.
[10] سورة فاطر، الآية: 18.
[11] سورة البقرة، الآية: 281.
[12] سورة النحل، الآية: 111.
[13] سورة غافر، الآية: 17.
[14] سورة الأنبياء، الآية: 9.
[15] سورة يونس، الآية: 103.
[16] سورة يوسف، الآية:110.
[17] سورة هود، الآية: 40.
[18] سورة الزمر، الآية: 53.
[19] سورة الفرقان، من الآية: 68 إلى الآية: 70.
[20] سورة آل عمران، الآية: 133.
[21] سورة ق، الآية: 29.