قضايا
سعيد بوسامر: الثقافة في الحقبة الكعبية
من المؤسف أن أغلب الدراسات التي تناولت تأريخ الأهواز كانت ذات غاية سياسية أو اقتصادية، مما أدّى إلى إهمال الجانب الثقافي في حقبات معينة من تاريخ هذه المنطقة العربية. لقد تناولنا باختصار الثقافة في الحقبة المشعشعية في الفقرة السابقة ونركز هنا على الثقافة في الحقبة الكعبية. وكلّ هذا لإظهار حيوية الأدب والثقافة عند الأهوازيين فعلى مدى قرون لم تنطفئ مظاهر التطور الثقافي وانتقل مصباح المعرفة من جيل إلى جيل. ونؤكد أنّ النهضة الأدبية والثقافية استمرت إبان الحقبة الكعبية في الأهواز ولاسيما في مدينتي القبان والمحمرة ونشير دون إسهاب إلى أنّ :
* بداية الاهتمام الأدبي والثقافي كان في فترة حكم الأمير سلمان الكعبي والذي فتح الأبواب للعلماء والأدباء والشعراء.
* كان الأمير جابر وولداه الأميران مزعل وخزعل متنورين ولايفرقون بين الأجناس والأديان ويحترمون كل العقائد في إمارتهم ومهّدوا أسباب التقدم والارتقاء فكان صفاءً وودادا بين الشيعة والسنة، وغيرهما من المذاهب الإسلامية واليهود والنصارى والإفرنج من هنود وانجليز وأرمن والأعاجم الفرس من مسلمين ومجوس. فكان يقول الأمير خزعل مثلا: إن الاختلاف مابين المسلمين قد انقضى عهده والمطلوب هو الاتحاد وليس التفرقة. وأيضا يذكر الكاتب اللبناني أمين الريحاني عند لقاءه بخزعل أنّه قال "أنّ التعصب بلية العالم وياليت لولم يكن شيئا من التعصب الديني والإنسان أخو الإنسان أحبّ أم كره."
* يؤكد الصحفي عبدالمسيح الأنطاكي على اهتمام الأمير جابر بن مرداو بالأدب والثقافة ويذكر أنّ مجالسه كانت مجالس علم وأدب. وأيضا يؤكد أن كانت له رغبة منصرفة لمساعدة كل أديب ومثقف واهتم بإحياء دولة الشعر والأدب في هذه البقعة.
* رغب الأمراء الكعبيون في تقدم وإسعاد رعاياهم فباشروا بالإصلاح والعمران ونشروا آداب القرآن الكريم وبسطوا أيديهم بالعطاء والهبات الوافرة على الفقهاء والعلماء وفتحوا المكاتب والمدارس لهذا الغرض في المحمرة والفيلية والمدن والقرى.
* كانت المدارس في بداية حكم الأمير خزعل مثلاً تقتصر على تعليم اللغة العربية وتعلم القرآن والرياضيات ومن ثم بادر بتعزيز هذه المكاتب والمدارس بمدرسين محترفين في علوم التاريخ والجغرافيا والآداب العربية.
*كان هناك اهتمام بالغ باللغات الثلاث العربية والانجليزية والفارسية لأن الأولى لغة القرآن وإنها اللغة الأم واللغتان الفارسية والانجليزية لتمشية الأمور السياسية والتجارية.
* دعم الصحافة ونذكر صحيفة "ليلى" المهتمة بالمرأة وقضاياها.
*بدأت البعثات الشبابية إلى الهند ومصر وأوروبا للمشاهدة والتطلع من أجل عمران البلد.
* على الصعيد التعليمي أسس الأمير خزعل في المحمرة 10 كتاتيب للتعليم حتى عام 1908 ومن ثم بادر إلى تأسيس المدارس العامة . في عام 1911م. أسس المدرسة الكاسبية و بعدها أسس المدرسة الخزعلية. ثم بعدها شَيّد المدرسة الجعفرية. المواد التي تدرس كانت تحتوي على القرآن و الرياضيات والجغرافيا وتاريخ الإسلام والصرف والنحو وبعض اللغات الأجنبية .والجدير بالذكر أنّ كل المواد كانت تدرّس باللغة العربية وكان الأمير خزعل يطمح إلى تأسيس مدارس عليا فبادر بإنشاء دائرة للتربية والتعليم.
* تعامل ودعم الأمير خزعل وأولاده مع الفن التشكيلي ولاسيما الفنان اللبناني إسحق جميل واهتم أيضاً بالفرق الموسيقية السورية والعراقية والمصرية وعلى رأسهم علي الدرويش.
* ظهرت وجوه أدبية وعلمية كثيرة منها الشيخ عبدالكريم الجزائري أستاذ الصرف والنحو وعلوم القرآن والأنساب،الشاعر والأديب ايفير البحير، سعد بن عبدالله الكعبي الحويزي وهو من الذين رفعوا شأن الأدب والكتابة وكان بيته مقصدا للأدباء والمثقفين، هاشم بن حردان الكعبي والمعروف بشاعر الملاحم العربية، محمد مؤمن الجزائري وهو أديب وخطيب وكاتب لامع، فتح الله بن علوان الكعبي القباني وهو أديب وكاتب وعالم وقور سجلت له عشر مؤلفات. جعفر بن حسين التستري، سلمان الفلاحي، عدنان بن شبر الغريفي المحمري، عيسى الجزائري المحمري، ابن شرع الإسلام الحلفي، فرج الله بن درويش، أحمد بن مطلب المشعشعي وآخرون كثر.
* من أهم المكتبات أو بالأحرى المؤسسات الفكرية التي عرفها المهتمون بالأدب والثقافة العربية والإسلامية في الحقبة الكعبية مكتبة الحويزة، مكتبة تستر، مكتبة الفلاحية، مكتبة المحمرة ومكتبة الشيخ عبدالحميد التي ذكرها الأنطاكي في مجلة العمران.
في الختام أنوّه أنّ للثقافة الأهوازية آنذاك شأناً عظيماً وإنها بالكاد تكون مادة دسمة للدراسات والبحوث الأكاديمية والجامعية المستقبلية.
***
سعيد بوسامر
.....................
المصادر التي راجعها الباحث:
- الأنطاكي، عبدالمسيح. الدرر الحسان. مصر. مطبعة العرب.دت.
- بوسامر، سعيد، وفرحان، ميثم. سين وجيم لمحات من تأريخنا. نشر قهوة. الأهواز. ٢٠١٨.
- اللامي، عبدالرحمن كريم. الأدب العربي في الأهواز. منشورات وزارة الثقافةوالإعلام. العراق. ١٩٨٥.
- الريحاني، أمين. ملوك العرب. دار الجيل: بيروت. ١٩٨٧. ص ٦٨٢-٦٨٧.
- المحمودي، قاسم. الأدب العربي في الأهواز