قضايا
فؤاد لوطة: الصراع التربوي!
نحن متفقون أولا على أن التربية عملية هادفة ومتطورة، تحكمها قواعد وقوانين معينة، فهي تنمية الجوانب المختلفة لشخصية الإنسان عن طريق التعليم والتثقيف! عندما نقول الصراع التربوي ألا ترى أنهما مفهومان متناقضان لا يصح أحدهما مع الآخر في شيء؟ بمعنى آخر كيف لنا أن نتحدث عن تربية وصراع في الآن نفسه؟
لا أقصد الصراع التربوي بين المدرّس والمتعلّم، ولن أتحدث عن الصراع بين الوزارة والأطر الإدارية والتربوية، بل سأتحدث عن الصراعات بين الأطر الإدارية والأطر التربوية، وبين الأطر الإدارية فيما بينهم أو الأطر التربوية فيما بينهم.
لا أعمّم، لكن بعضهم تمكّنت الحزازات من نفوسهم فأعمت قلوبهم عمّا يوحّدهم، فالمدرسة كأي مؤسسة اجتماعية أخرى تضم عددا كبيرا من الأعضاء، وقد يحصل يوما ما سوء تفاهم أو خلاف، حينها نطرح السؤال: ما العمل؟ هل نترك الأمر يتفاعل باتجاهه السلبي أم ينبغي إيقافه بخطوات متحفظة؟! ومن الذي له السلطة التشريعية وتقع عليه مسؤولية حل النزاعات داخل المؤسسة التربوية؟
للأسف الشديد لم تبق النزاعات حبيس الأطر وسرّا بينهم، بل أصبح يتفرّج عليها المتعلمات والمتعلمون، كما حصل مؤخرا في مؤسسة تعليمية لا داعي لذكر اسمها، وكما يحصل في مؤسسات أخرى بطبيعة الحال. إذاً عن أي تربية وعن أيّ تعليم مازلنا نتحدّث؟
يمكن القول إن الصراع ظاهرة طبيعية ولا بد من وجودها في أية مؤسسة مهما كانت طبيعة عملها، فأصبح من واجب الإدارة الاعتراف بهـا، والتعـرف علـى أسبابها، سعياً للتوصل إلى الطريقة المناسبة للتعامل معها. فالصراع رغم ما يحمله من آثار سلبية إلا أنه لا يخلو مـن آثـار إيجابيـة تستدعي من الإدارة استغلالها لصالح التنظيم. ومما لاشك فيه أن المـدير في المجال التربوي بصفته رئيس المؤسسة تقع عليه مـسؤولية الارتقـاء بالعملية التربوية وبالمنظمة التي تقع تحت إدارته، الأمر الذي يتطلب منه كيفية مواجهة الصراعات السلبية التي تحدث في المؤسسة التعليمية وتحويلها إلى صراعات إيجابية تحقق أهدافها.
إن النظرة إلى إدارة الصراع بالمؤسـسات التعليميـة وغيرهـا ارتبطت بتطور الفكر الإداري عبر مراحله المختلفة؛ أولا مرحلة الفكر التقليدية أو ما يسمى بالمدرسة العلمية حيث انطلقت من ضرورة القضاء على الصراع أو الحد منه ما أمكن، لأنهـا تعتبر كل أنواع الصراع مخلة بوظائف النظام، بينما مرحلة الفكر السلوكية تبنت فكرة أن الصراع أمر ضروري في التنظيم ولا يمكن تجنبه، وما على الإدارة إلا أن تتعرف عليـه وتحدد المستوى المقبول منه بما يخدم أهدافها في ظل ظروفها القائمة، وأخيراً مرحلـة الفكر التفاعلية التي لا تنظر إلى الصراع على أنه يشكل قوة إيجابية في الجماعة فقط؛ ولكنها تشير إلى أن بعض الصراع ضروري وحتمي لفاعلية عمل الجماعة وتحقيق الأهداف.
ومن أهم الأساليب التي أفضل الاستعانة بها في حل الخلافات والنزاعات داخل المؤسسة التعليمية هو أسلوب السيطرة: والهدف منه هو إدارة الصراعات التنظيميـة بأسرع وقت ممكن بعد التعرف على مصادرها الحقيقية، وهنا يتجلى دور رئيس المؤسسة، إذ يلعب دور الوسيط ويعتمد على الدخول الصريح والمباشر بين أطراف الصراع، ويدرس نقاط الخلاف بدقة وعناية، ويبذل الجهود مـن أجل إيجاد الحلول لكل جزئية؛ تمهيدا وتسوية للصراعات القائمة.
كما يمكن استخدام أسلوب التهدئة: بمعنى تلطيف وتسكين الصراع عن طريق مواساة أطراف الصراع بغرض تهدئتهم، وذلك عن طريق التواصل والحوار بلغة مؤثرة لإعادة العلاقة السليمة بين الأطراف المتصارعة وتهدئة العواطف.
ختاما أقول: لو قدّر الإنسان علاقته بربه أولا، وكان كل طرف على علم بما له وما عليه، والتزم بالقانون وبالنظام الداخلي للمؤسسة التعليمية وبالمذكرات الوزارية وبالنظام الأساسي لأطر الأكاديميات الجهوية لمهن التربية والتكوين، لما أصبحنا نرى هكذا مشاهد!
أما إذا واصلوا على الحسد والضغينة التي يحملونها اتجاه بعضهم البعض فسنرى الأسوأ من ذلك، وهذا لا يليق بالتربية والتعليم وبمربي الأجيال.
***
ذ. فؤاد لوطة