قضايا
بين السرد الماضوي واعتماد المنهج الفلسفي
عَلمنا منهج التاريخ الأسلامي الماضوي السردي ان كل نظريات الخطأ الدينية والاجتماعية مستمدة من كتابات مؤرخيه وفقهائه الذين أختلفوا فيما بينهم في نقل النص وتفسيره على المنهج السردي دون تحقيق، حين لم تكن اللغة العربية قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات، فقد كتبوا في السيرة النبوية خمس سير كل منها يختلف عن الأخر، وبعقلية الماضي ويدعي كل منهم انه هو الصحيح، هي: سيرة ابن أسحاق، وابن هشام، والواقدي، وموسى بن عقبة، وابن سعد، ولا ندري ما الصحيح؟. ولم يعلمنا منهجهم السردي المختلف والمتناقض ما تعلمته الشعوب من نظريات فلسفة أنبيائهم ومؤرخيهم لحياتهم خوفاً من التزوير التي فسروا فيها تاريخهم، حتى ساروا بها نحو التقدم وفلسفة الحياة الموحدة، من هنا بدأ مشوار الخطأ عند العرب والمسلمين،
ان المفهوم الحركي للتاريخ ليس واضحاً في موسوعاتنا الفكرية التي ورثناها – وبسبب فقدان هذه الصورة - وقع الباحثون فريسة احكام عشوائية ناقصة، لاينفذ من خلالها الى طريق سوي لحبٍ يقود الى الرأي السليم، بذلك فقدنا العمق النفسي للمؤرخ ذاته وطبيعة ما كتب لذا ظل المفهوم الحركي باهتاً، هنا كان مقتلنا منذ ان جاء حكم المسلمين بأهمال المبادىء التي تركها صاحب الدعوة لنا بالدليل والقوة ورأي المحاورين، وحين اهمل هذا التوجه كان هذا أول تجاوز على شورى المسلمين التي وردت في الكتاب العظيم "وأمرهم شورى بينهم"، فكان، رأي الأتفاق بين الحاكمين دون بقية المسلمين مرورا بالشورى الملغاة وقتل المعارضين من قبل خلفاء المسلمين، وصولا لكل نظريات القهر والغاء حاكمية الله في التنفيذ.حتى سموا من طالب بتحقيق الشورى بالمرتدين والخوارج على الدين،
حينها فرض النص المقدس بتفسير لا يتفق وعدالة انسانية الانسان في التقييم، خالي من اي منهجية فلسفية في التطبيق، من هنا توقفت عجلة التقدم الحقيقي منذ البداية التي كنا نامل منها بدين جديد جاء ليحمل مبادىء انسان الأنسان في صنع القوانين. فكانت وثيقة المدينة التي اخفوها على الناس خوفا من المطالبة بتحقيق عدالة الدين بين الناس وضياع السطة من ايديهم في التطبيق.واصبحنا تحت الفكر المنغلق الموروث دون معرفة الصحيح من الخطأ نُحكم حكما دينيا فرديا هرطقياً من قبل مرجعيات التفريق المصطنعة بلا شرعية القانون. فلا مؤسسات تحكُمنا، ولا عدالة تحمينا، من ظلم الحاكمين في مجتمعاتنا فسموا الاصلاح فتوح قهري والسلطة بهرجة تقاليد، كما نراها اليوم في حكوماتنا الاسلامية هذه الحكومات التي خلال مدة 656 سنة لم تعرف الادارة والقانون.وطلت تحكم كما في رأي القاعدة وداعش وبوكوحرام اليوم، دولة رجال دون النساء اللواتي ينظر اليهن بلا حقوق.
الحضارة العراقية القديمة عند السومريين والبابليين في أور وبابل جاءت بحضارة الانسان منذ القديم يرافقها التشريع والقانون، وهم الذين أبتكروا الكتابة والقلم ومجالس القضاء والشريعة وشرعية التغيير، منذ عهد آورنمو وحمورابي وقوانينهم كانت أشبه بعدالة قوانين النص المقدس، حتى ان الاسلام أخذ من بعض قوانينهم في التطبيق"العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص المائدة 45 " وفي قانون حمورابي جاءت المادة 127-195، متشابهة في النص، وفي أهوارنا تم تدجين الحيوان والزراعة ومستلزمات العيش الرغيد، ولم يناصبوا العداءاحدا منذ زمن قديم بعد ان فصلوا الحكم السياسي عن الدين.
وحين جاءت الاديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام مستمدة من الديانة الابراهيمية التي سبقتهم كل طبق دينه حسب الظروف التي مكنته من استخدام التيارات الفكرية التي مثلت العقلانية تارة، والسلفية اخرى.فكان الانشقاق منذ البداية. لكن التاسيس القرأني للمجتمع جاء ليعني رؤية اخرى تختلف عما سبق عند الديانات الاخرى نتيجة مفهوم المتغيرالاجتماعي من وجهة نظرجدلية تاريخية بعد ان اصبح القانون بموجب النص هو الذي يحكم الظاهرة الجديدة وليس لعادة او التقليد.هنا تشخص الخطأ بين التطبيق والخروج عليه نتيجة الانحراف السلطوي والتفرد في حكم المجتمع الجديد، ليكون المشروع الاسلامي مشروعاً قابلا للفعل في ظروف العصروما بعده باعتبار ان النص صالح لكل زمان ومكان في التطبيق.لكن امورا سلبية طرأت على تطبيق النص كضرب الشورى والتوجه الى غزوات القوة في فرض الدين حتى لم تعد الحركة بمستوى فرض الاحكام بين المسلمين، تلك هي معاناتنا في تثبيت الحقيقة التي لم تعد سوى تخريف.
- جاءنا الدين من نبي صادق أمين بكتاب مبين يقول،:" الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملا، الملك 2" وجاءنا بمبدأ العدل المطلق والشورى بين المعتقدين. فهل استطاعوا ان يتغلبوا على الخطأ القديم ام كانوا معه يحاربون العدل والشورى ويلتجئوا لابادة المحاورين، وابتكار نظريات الاختيار دون تقييم، وتحويل الخلافة الى ملك عضوض لا يخرج من ايديهم حتى يسلموه لعيسى بن مريم والمهدي المنتظر في اخر الزمان، ليتحول قادتهم الى قديسين بأسرار التقديس الآلهي المعروف فقالوا عن انفسهم:"قدس سرهم" ولا ندري أية أسرار لديهم ليكونوا مقدسين، اللهم الا سر السلطة والمال والجنس اللعين، هنا مات القلم في ايديهم واصبحوا يلهثون خلف المواعين؟.
منذ القدم أكد ت لنا الكتب السماوية وأراء الفلاسفة الكبار النابهين على العقل لنتصرف به"لعلكم تعقلون"، وهو اول مكتشفات الانسان، وبهذا العقل نستطيع التغلب على الظروف العاطفية غير المواتية بدلا من الرضوخ لها وتركها تشكلنا كيف شاءت.لكن هذه النظرية استبعدت وحل محلها الاغتصاب لكل ما هو قانون،حين رأينا انفسنا منفردين بالفكر الحضاري وما عدانا همجاً او برابرة فهاجمنا الأخرين بحجة الدين دون امر من خالقه على مهاجمة الاخرين.وبررنا ذلك الاجتياح الباطل للاخرين على الرأي في البيئة التي كنا فيها والتي لا يقبلها المنطق الصحيح وان تناقضت مع الواقع الوهمي في التطبيق. وما دروا العرب ان صحرائهم كلها لها واقع قاسي لا يمكن التغلب عليه الا بالعمل والقانون وهم ضدهما تماما لانهم لم يعرفوا سوى السيف لا القانون،
هنا كانت المعضلة التي جرت علينا ويلات التطبيق بعد العهدين البويهي والسلجوقي 334—540 للهجرة حين اصبحت المذاهب بديلا عن الدين والتي جرت الى تغيير كل التفاصيل يساندها منهج دراسي خرف،فأدخلوا في فكر المسلم كل متاهات التخريف، حتى اصبح نظرية ثابتة يصعب نزعها من فكر العامة، والى الآن يدعي بعضهم، الحياة لنا والاخرة لنا وكل شيء ياتي من السماء او يستخرج من باطن الارض فهو لنا.الم نكن نحن من اهل المعرفة والعرفان المفضلين، على للأخرين.؟هكذا يعتقدون الى اليوم، والا لماذا الاصرار على هذا الفساد المتعمد الرهيب.
فهل فكرنا ان نكتب ونقيس الامور بمقياس الاحصاء الذي لا يُخطأ، ونؤمن بالانسان الاخر مهما كان دينه او عقيدته مادام يعايشنا باحترام القانون.ام نناصبه العداء ونتفاخر بالدين وهو يملك دينا يحترمه اكثر منا في التطبيق فحتى اصحاب عبدة البقر يقدسون دينهم ولا يخالفون، فالدين ايديولوجية بشرية لا يمكن نزعه من الاخرين وحتى نحن المسلمون ندعي لكم دينكم ولنا دين، فعلام محاربة الاخرين كذبنا وافترينا وظلمنا كل شعوب الاخرين دون قانون.
منذ عصر قبل الاسلام كنا نرى انفسنا فوق الناس واعلاهم قدرنا وشرفا، وحتى اليوم نسمي نبينا بأشرف الانبياء، ومدننا بالأشرف، والمقدسة ونستثني الاخرين، من قال لنا هذه تسميات القرآن ام مؤسسة الدين؟.تاريخ جاهلي يصب في عقل تاريخنا الحالي دون تبرير، حتى جاء الرسول ليقول لهم: "كلكم لآدم وآدم من تراب والناس سواسية كأسنان المشط" فتلاشى الغرور والكبرياء عندهم، ولتأكيد المقولة جمع الرسول من حوله المقربين خباب بن الارث عراقي، وصهيب الرومي بيزنطي، وسلمان الفارسي، فارسي، وماريا القبطية قبطية من مصر. دليلا لمساواة الخلق في الانسانية والقانون، لكن بعد وفاته عادت الجاهلية من جديد.
من هنا بدأ التاريخ الرسولي يتحول نحو الانسانية لا القبلية.لكن هذا التوجه لم يدم طويلا بعد الرسول (ص) مباشرة بسبب التوجه نحو السلطة والمال ونرجسية التفوق على الاخرين الذي أدى الى سوء النظام الاداري والمالي الذي تحول الى جمع المال الفاسد دون تقديم خدمات في مقابل المال المجموع حتى اصبح الفساد سياسة عامة وقناعة اخلاقية بأعرافهم الفاسدة، فانفصل الحاكم عن الرعية فتراجعت العدالة وانتكس التوجه السياسي نحو الضعف والانهيار، كما نشاهدهم اليوم.ومن يقل لك هذه خطبهم اقرأها فلا تصدق هذه من صنع فقهاء السلطة لا الدين.
نحن اليوم امام قضيتان في الاسلام لا حل لنا الا بمعرفتهما واجتيازهما عملا وتطبيقاً هما: الموقف من المنهج النقدي للتاريخ والفكر العربي الفلسفي، وقضية المعركة الحامية بين التقليد والأبتكار.وبدون تجاوزهما لايمكن ان نكتب تاريخا للأمة، ولاتقدما حضاريا لها، ناهيك عن عداوة الاخرين التاريخية لها.
يقول الاستاذ الدكتو جعفر آل ياسين احد اساتذة فلسفة التاريخ: نقله بتصرف في الاولى يعتمد على حساسية الاجتهاد للرواية التاريخية التي فسرت تفسيرا فيه الكثير من المنحنيات لان اللغة يوم ذاك لم تكن مستكملة لأدواتها بالمعنى العلمي الذي نريده ونفهمه اليوم، لاقامة الادلة التاريخية عليها وعلى نقيضها لذا لا يجوز الحكم عليها بالمنطق العلمي المطلق، وان غالبية الناقلين من غير العرب الذين فهموا النص فهما دون معناه الداخلي في التطبيق خارجيا.
والثاني يجب ان يتوفر فيه جانبي القوة والضعف بحيث لايعوز الباحثين سلامة الدليل عليه، والفحص الخارجي للنص، لأاثبات الاصل ببطلان النقيض وقد استغله بعض الفلاسفة من المسلمين امثال (ابن سينا ت428 للهجرة) وخاصة في العلوم البحتة كالرياضيات مثلاً، لأن العقل يحكم انه لا يجتمع على صدق نقيضان، ولكن في دولة النرجسية والفوضى والجنس من يسمعك ايها الخائب اليوم بعد ان انهارت قيم الحياة المقدسة عندهم كما هي تنهار اليوم عندنا دون رقيب او حسيب،
حتى اصبح المعتقد ظاهرة تاريخية لا تزيد عن الاخبار، وفي باطنها ماتت الأحداث والحقيقة معاً، فاصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي، لذا ما لم نقدم على فصل الدين عن السياسة لن يكون لنا امل في الاستقلال والاستقرار وتطبيق القانون.
***
د.عبد الجبار العبيدي