قضايا
هل يمكن التنبؤ بالكوارث من علم الفلك؟
الإنسان لا يحيا في عالم فارغ إلا منه، بل إن جميع ما يحيط به من بشر وظروف خارجية محيطة كالحرارة والماء والهواء يؤثر فيه؛ ووفقًا لعلم الفلك ولقانون الجذب العام لنيوتن فإنه حتى الشمس والقمر وباقي الكواكب تؤثر هي الأخرى في الإنسان وفي غيره من مكونات الطبيعة بدرجات متفاوتة.
وتعقيبًا على المشككين في إمكانية التنبؤ بالكوارث من خلال حركة القمر والزوايا التي توجد بينه وبين الأجرام السماوية، وكذا بين بعض الأجرام السماوية وبعضها، أود أن أخبرهم أن العرب هم أول أمة كانت لها تنبؤاتها بالكوارث من خلال الفلك، وأن في القرآن الكريم إشارات في سورة القمر تحديدًا إلى عذاب قوم نوح بالطوفان، وعذاب قوم عاد بالريح الصرصر العاتية، والفلكيون العرب من قديم يحكون عن دور تربيع القمر في إهلاك قوم عاد.
وكان العرب القدماء يربطون بين وجود الشمس في الأسد، والمريخ "القاهر" في الحمل أو الأسد أو اقترابه من الأرض، وبين حدوث الحروب والاستقواء، وعلى سبيل المثال فإنه عندما ألقيت القنبلتان الذريتان على هيروشيما وناجازاكي في أغسطس عام 1945م كانت الشمس في برج الأسد، ويوم انفجار مرفأ بيروت في لبنان في أغسطس 2020م كانت الشمس في الأسد، والقمر يقابلها مكتملًا في الدلو، والمريخ في الحمل.
أما برج الثور فارتبط من قديم لدى العرب والعجم بالزلازل، واشترك معه في ذلك باقي الأبراج الثابتة fixed signs ، وهي الأبراج التي يوجد كل منها في منتصف كل فصل من فصول السنة الأربعة (الثور- الأسد- العقرب- الدلو)، لأن أبراج الأسد والعقرب والدلو هي التي تدخل في زوايا تربيع وتقابل مع الثور، ووجود زحل تحديدًا في أحدها، ودخوله في زوايا تربيع أو تقابل مع الثور، خاصة عندما تتواجد به الشمس أو القمر، كان نذير كارثة، وفي العصر الحديث أضيف أورانوس كوكب المفاجآت إلى الكواكب التي عندما تدخل في زوايا صعبة مع زحل (خاصة التربيع) تنذر بحدوث زلزال في مكان ما على الأرض أو حادثة مدمرة.
وفي حال زلزال تركيا وسوريا المدمر الأخير فقد كان زحل في الدلو مقترنًا بالشمس، وأورانوس في الثور، وكان القمر يوم الزلزال بدرًا مكتملًا في الأسد، وكانت العقدة الجنوبية في العقرب.
وبالنسبة للكوارث المائية؛ الطوفان والسيول وغرق الشواطئ ونحوها، فالتعويل دومًا عند العرب على برج الحوت، بما فيه من كواكب، وما توجد بينها وبين غيرها من الكواكب من زوايا تربيع أو تقابل.
وعليه فإن كان يُخشى على بعض المدن الساحلية على شواطئ البحر المتوسط من الضغط في الصفائح الأرضية الذي تولد من زلزال تركيا، فإنه يلزم متابعة أوضاع الكواكب في الحوت وزواياها مع باقي الأجرام، خاصة وأن نبتون (كوكب المياه) في الحوت، وزحل سينتقل للحوت يوم 6 مارس، وكذا متابعة الزوايا بين القمر وغيره من الأجرام في الأيام البيض قبل وأثناء وبعد اكتمال القمر، للتحذير من هذه الأيام، مثل يوم 6 مارس 2023، و 30 و 31 أغسطس 2023م.
إقليم بيت المقدس وزلزال شرق المتوسط
أظهرت صور الأقمار الصناعية تحرك تركيا حوالي 4 أمتار أفقيًا. وما يحدث من تحرك لتركيا جهة الغرب بسبب الزلزال يعطي مساحة أكبر لتحرك الجزيرة العربية باتجاه الشمال الشرقي، واحتمال انحسار الماء عن أمتار من البحر المتوسط، وظهور مثلث من الأرض أمام مدينة يافا. وكل ما سبق هو ترتيب لعلامة هامة من علامات الساعة.
ولمن لا يعرف فإن إقليم بيت المقدس هو أرض المحشر الذي ستقف عليه جميع الخلائق يوم الحساب. وهذا الإقليم كما هو موضح في الصورة يتضمن منطقة بسيطة من شرق البحر المتوسط من المفترض أن تكون أرضًا يابسة يوم الحساب لأن خلقًا سيقفون عليها، وقطعًا فإن ترتيب الأرض لحدث القيامة لا يحتاج إلى تدرج، فكل ما يريده الحق سبحانه يمكن أن يتم بكلمة، ولكنها علامات لعل البشر يفيقون من غفلتهم.
وقد اقتطفت لكم أجزاء من كتابي "نحو مجتمع عربي متحضر" لعلها تفيد.
طوفان
ربما يغيب عن علم كثير منا أن العرب في العصر العباسي الأول هم من وضعوا أسس علم الهيئة (هيئة السماء) بعد أن بدأوا بترجمة كتب بطليموس السكندري والفلك الهندي، ثم بدأوا في تأليف الكتب الخاصة بهذا العلم من خلال ما تجمع لديهم من الفلك العربي القديم ومن الأمم السابقة ومن خبراتهم في الرصد والحسابات وصناعة واستخدام الآلات المناسبة. وما عرف العالم قبلهم معنى وتقسيم البيوت الفلكية الاثني عشر، ولا عرفوا الزوايا بين الكواكب من اقتران وتسديس وتثليث وتربيع وتقابل، ولا دلالاتها.
والعرب هم من اعتبروا أن كرة العالم هي دائرة الأفق كاملة –ما يظهر منها وما يغيب- والتي تظهر فيها ما يُعرف بالنجوم الثابتة التي تشكل البروج المعروفة وغيرها من المجموعات النجمية، وتدور فيها الشمس والقمر والكواكب السيارة في حركتها الظاهرية اليومية حول الأرض، وقسموها إلى 360°، وقرروا أننا لا نرى سوى نصفها، أي نصف الكرة التي تظهر في الأفق، وكلما طلعت مجموعة نجمية من الشرق سقطت مجموعة من الغرب.
وكانوا أول من اهتم بالنجوم والكواكب في الطالع (جهة الشرق ناحية اليد اليسرى) وفي وسط السماء (جهة الجنوب)، واعتبروهما أهم ما في الهيئة الفلكية، وكذا ما بينهما، واعتبروا الطالع جهة الشرق هو البيت الأول في حياة المولود المعبر عن شخصيته، ومنه يبدأ دورة حياته، وهو ما يُناظر الحجر الأسود في جهة الشرق من حيث نبدأ الطواف حول الكعبة، وباقي البيوت تتوالى في خريطة هيئة المولود الفلكية عكس اتجاه عقارب الساعة، مثلما يكون الطواف حول الكعبة، ويكون الركن الجنوبي في وسط السماء مناظرًا الركن اليماني للكعبة وهو آخر الأركان الأربعة التي نمر بها قبل أن نصل إلى الحجر الأسود لنتم شوط الطواف.
ولكننا نجد في العصر الحديث تنفيرًا ورفضًا تامًا من المتطرفين لعلم الهيئة، وعدم فهم لأهميته في حياة البشر مثله في ذلك مثل التنبؤات العامة بالطقس، والتي لا يلزم أن تصدق ولكنها تجعلنا نأخذ الحذر.
وأثناء مطالعتي لحوادث سنة 489هـ في "المنتظم" وجدت خبرًا أورده ابن الجوزي عن أن المنجمين قد تنبأوا بحدوث طوفان كبير، فأمر الخليفة العباسي المستظهر بالله بإحضار ابن عيشون –وكان من أشهر فلكيي عصره- فطمأن الخليفة بأن طوفان نوح قد حدث عندما اجتمعت الطوالع السبعة (الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل) في برج الحوت، ولكن زحل ليس في الحوت مع باقي الكواكب، ومن ثم فالأمر أخف من أن يكون طوفانًا كطوفان نوح، وتنبأ بأنه في مدينة ما من المدن يجتمع فيها بشر من بلاد كثيرة مختلفة سيحدث غرق، فأمر الخليفة بإصلاح أي مواضع على الأنهار يُخشى منها الانفجار، وظن أهل بغداد أنهم مغرقون، ولكن وصل الخبر بأن سيلًا عظيمًا قد أصاب الحجاج في وادي نخلة، وهو أحد أودية مكة المكرمة، يفصلها عن الطائف من جهة السيل الكبير، وغرق كثير من الحُجاج!
وعندما قمت بمراجعة الخريطة الفلكية لظهيرة يوم 26 فبراير 1096م وهو يوم ميلاد الهلال واجتماع الشمس والقمر في برج الحوت في ذلك العام 489هـ وجدت أن كلام ابن عيشون لم يكن صحيحًا باجتماع السبعة عدا زحل في الحوت، بل كانت الشمس مقترنة بالقمر –الذي كان متأخرًا عن الشمس بدرجة، وهي أحلك درجات المحاق قبل ميلاد الهلال- وكان عطارد مقترنُا بهما إلى درجة التلاصق في الحوت، ولكن الزوايا الفلكية الموجودة بالفعل تنبئ باحتمال حدوث أمطار غزيرة أو غرق؛ لأن اجتماع ثلاثة طوالع أو أكثر في الحوت نذير مطر غزير، وزحل كان في برج العذراء يقابل هؤلاء الثلاثة المقترنين في الحوت ما يزيد التنافر، ومعلوم أن تقابل زحل مع أي من الشمس أو القمر أو عطارد نذير حادثة، فما بالنا وهم مقترنون، وكانت هناك زوايا أخرى لا أعتقد أن فلكيي العصر العباسي كان باستطاعتهم التنبؤ على أساسها لأن كوكبي نبتون وأورانوس لم يكونا قد اكتشفا بعد، والخريطة الفلكية أظهرت أن نبتون (كوكب الماء) كان في السرطان وهو برج مائي، وكان في الطالع في الساعة الثانية والثلث ظهرًا، وكان يشكل تربيعًا مع أورانوس كوكب المفاجآت في وسط السماء، ووجود تربيع بين نبتون في الطالع وأورانوس أو زحل في وسط السماء من علامات الغرق، وفي لحظة غرق الفنانة أسمهان كان نبتون في الطالع وزحل في وسط السماء.
وتموضع الكواكب الخارجية يدوم فترات طويلة، وهو في هذه السنة ينذر بإمكانية وقوع حادثة تتعلق بالماء في أي شهر؛ عندما يقابل القمر في الحوت في حركته الشهرية زحل في العذراء، ويكون التربيع حادثًا بين نبتون وأورانوس.
والأهم من كل هذا أنه لا الخليفة ولا كبار رجال الدولة أو رجال الدين أخذوا هذه النبوءة بالحساسية التي يمكن أن يأخذها بها متطرفو عصرنا، بل نجد إمامًا مستنيرًا كابن الجوزي -وهو أحد أكبر أئمة عصره- يروي القصة ببساطة ولا يعلق عليها أي تعليق مشين، لأن الأمر لا يعدو أن يكون تنبؤًا عامًا كتنبؤات الطقس، ويستحيل أن يدعي أي إنسان معرفته بأي مدينة يمكن أن تصدق فيها هذه النبوءة ولا من الذين يمكن أن يُكتب عليهم الغرق.
تأملات في الطباع الأربعة (2)
أكتب هذا المقال بينما أسمع زعابيب إعصار التنين التي هبت على مصر وبعض بلدان المشرق العربي يوم الخميس 12 مارس 2020، والذي تخوف منه كثيرون، حيث تزامن مع تربيع القمر في وباله في الدرجة الأولى من العقرب وفي منزلة الإكليل (الطريق المحترق) مع زحل في الدرجة الأخيرة من الجدي، وهي سمة فلكية تتشابه جزئيًا مع الريح الصرصر العاتية التي أصابت قوم عاد ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة:6-7]. ولكن الله رحمنا فكانت رياحنا مصحوبة بالمطر، وليست مبعوثة بالعذاب.
يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ
ولأبدأ بعرض رؤية فلكية لي عن توقيت الزمن الذي أصاب قوم عاد فيه العذاب، ووصفه في آية أخرى -غير آيتي الحاقة- بأنه كان يوم نحس مستمر ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ [القمر: 19] رغم أنه استمر ما يزيد على الأسبوع، والذي قيل إنه كان الأسبوع الأخير من الشهر العربي، وأنه بدأ يوم أربعاء وانتهى يوم أربعاء، ويوم الأربعاء هو يوم كارمي لتسديد الديون وتلقي الجزاءات.
واللافت لي أن الآية وردت في سورة القمر، وتُذَّكِر في أولها بالآيات والنُذر، وبعدها ورد ذكر عذاب قوم نوح، والذي يحكي الفلكيون العرب القدامى أن كواكبًا عديدة اجتمعت مع القمر في الحوت وهو أعلى الأبراج مائية، فهطلت الأمطار الغزيرة، وأضيف أنه ربما اقترب القمر البدر من الأرض بشدة فجذب الماء من باطنها حتى تفجرت منها العيون؛ بسبب طاقته المائية التي نراها في ظاهرة المد في البحار.
أما بالنسبة لقوم عاد، والذين ورد ذكر عقابهم بعدهم في السورة، فلمن لا يعلم فإن القمر في رحلته الشهرية حول الأرض يكون في وضع تربيع لزحل مرتين، إحداهما يكون فيها متزايدًا لم يصل للبدر بعد، والأخرى يكون فيها متناقصًا، وتقول العرب عن كلا اليومين الذين يحدث فيهما التربيع بين القمر وزحل إنهما يوما نحس، وخاصة عندما يكون القمر متناقصًا. أما ما أراه في تفسير "يوم النحس المستمر" فهو أن التربيع بين القمر وزحل قد استمر، فثبت القمر ولم يتنقل في المنازل، رغم أن الأرض بقيت تدور حول الشمس، ومن ثم كانت الشمس تشرق وتغرب، فبحساب الشروق والغروب فقد دارت الأيام والليالي، وبحساب ثبات القمر في وضعه واستمرار تربيعه لزحل كان يوم نحس مستمر.
وبالنسبة لما لقينا في سنتنا الكبيسة النحيسة 2020، فقد كان القدماء لا يحبون السنة الكبيسة وسنوات النسيء لأنها سنة تسوية كسور مستحقة، كما كانوا يتخوفون من السنة التي تبدأ يوم أربعاء، ويقولون إنها سنة كارمية؛ سنة سداد ديون، وسترتد فيها على كل إنسان أي إساءة فعلها في آخر يومًا ما، كما كانوا يقولون إن السنة التي تبدأ والقمر في الحوت هي سنة مرض وموت؛ لأن الحوت هو آخر دائرة البروج. وقد اجتمعت في سنة 2020 كل هذه العلامات!
***
د. منى زيتون
الاثنين 14 فبراير 2023م