آراء

سفيان بامحمد: القضاء الدستوري والطعون في الانتخابات التشريعية

قراءة في ضوء التجربة المغربية

مقدمة: تعد الانتخابات التشريعية احدى الركائز الاساسية في البناء الديمقراطي، اذ تمكن المواطنين من اختيار ممثليهم داخل المؤسسة البرلمانية، وتجسد مبدأ السيادة الشعبية في ابعاده العملية، غير ان ضمان نزاهة هذه الانتخابات لا يقتصر على تنظيمها فحسب، بل يتطلب ايضا وجود اليات رقابية فعالة تمكن من الطعن في نتائجها عند وقوع مخالفات او تجاوزات تمس بمصداقيتها.

منذ اول دستور لسنة 1962، تم التنصيص على اختصاص الغرفة الدستورية في البت في الطعون المتعلقة بانتخاب اعضاء البرلمان، وذلك في الفصل 103. هذا الاختصاص استمر وتطور، حيث انتقل الى المجلس الدستوري، ثم جاء دستور 2011 باحداث المحكمة الدستورية كهيئة مستقلة، ومنحها صلاحيات اوسع، وجعلها من ضمن ركائز الاصلاح الدستوري، حيث نص الفصل 132 على انها تمارس الاختصاصات المسندة اليها بفصول الدستور وباحكام القوانين التنظيمية، وتبت في صحة انتخاب اعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء.

في هذا السياق، يضطلع القاضي الدستوري بدور محوري في مراقبة سلامة العملية الانتخابية، من خلال اختصاصه في البت في الطعون المتعلقة بانتخاب اعضاء البرلمان، وفق ما ينص عليه الدستور والقوانين التنظيمية ذات الصلة، وتعد هذه الطعون احدى الوسائل القانونية التي تضمن احترام ارادة الناخبين، وتحمي العملية الانتخابية من اي انحراف او اخلال.

فكيف تتم اجراءات الطعون الانتخابية امام القاضي الدستوري؟

اولا: شروط قبول الطعن

تنقسم شروط الطعن الى شروط شكلية وشروط موضوعية.

بالنسبة للشروط الشكلية تتجلى في تحديد الجهات المخول لها حق الطعن وايضا البيانات الواجب توفرها في العريضة، ومنح المشرع الدستوري اهلية تقديم الطعون الى ( المنتخب، الناخب، العامل، كاتب اللجنة الوطنية للإحصاء بالنسبة لمجلس النواب) أما بخصوص مجلس المستشارين فهي ممنوحة ( للمنتخب، الناخب، الوالي، كاتب اللجنة الوطنية للإحصاء).

تحدد المادة 35 من القانون التنظيمي رقم 066.13 البيانات الاساسية التي يجب ان تتضمنها عريضة الطعن في نتائج الانتخاب، وهي:

- الاسم الشخصي والعائلي للطاعن؛

- صفته وعنوانه؛

- الاسم الشخصي والعائلي وصفة المطعون في انتخابه؛

- بيان الوقائع والاسباب المعتمدة لطلب الإلغاء.

 مع ضرورة ارفاق العريضة بالمستندات المدلى بها. ويسمح للطاعن بالاستعانة بمحام، كما يمكن للمحكمة الدستورية منحه اجلا استثنائيا للادلاء بجزء من الوثائق اذا اقتضى الامر. وتجدر الاشارة الى ان العريضة لا تترتب عنها اثار واقفة، وهي معفاة من الرسم القضائي وكافة رسوم الدمغة والتسجيل.

اما من حيث الشروط الموضوعية، فانها تعزز العريضة الى جانب الشروط الشكلية، وتعد ضرورية لتاسيس الطعن ودعمه بحجج وادلة مستمدة من مخالفات شابت العملية الانتخابية. ومن بين هذه المخالفات:

- استعمال المساجد لاستمالة الناخبين؛

- تعيين اعضاء غير مؤهلين او اميين في مكاتب التصويت؛

-  تجاوز المراحل القانونية للعملية الانتخابية ؛

- الشروع في الفرز قبل الوقت المحدد؛

- احتساب اوراق كان يجب الغاؤها؛

- الغاء اوراق صحيحة دون مبرر.

 وتعزز هذه الماخذ بوثائق مؤيدة، من بينها محاضر فرز الاصوات ومحاضر لجنة الاحصاء.

ثانيا: كيفية ايداع الطعون

تنص المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية ان اجل ايداع الطعون هو ثلاثين يوما الموالية للإعلان عن النتائج. ويحال النزاع الى المحكمة الدستورية بعريضة مكتوبة كما تنص المادة 34، وتودع لدى (الامانة العامة للمحكمة الدستورية او لدى الوالي او العامل او لدى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي اجري الانتخاب بدائرتها)، وذلك مقابل وصل يحمل تاريخ الايداع ويتضمن قائمة الوثائق والمستندات المقدمة من طرف الطاعن.

يقوم الوالي او العامل او رئيس كتابة الضبط بإشعار الامانة العامة للمحكمة الدستورية بكل وسيلة تواصل معمول بها بما في ذلك البريد الالكتروني، ويوجه اليها العرائض التي تلقاها.

ثم بعد ذلك تسجل العرائض بالأمانة العامة للمحكمة الدستورية بحسب ترتيب وصولها، ويشار في تسجيل العرائض الواردة من الجهات الى تاريخ تسليمها.

مباشرة بعد ذلك، يقوم رئيس المحكمة الدستورية فورا بإشعار رئيس مجلس النواب او رئيس مجلس المستشارين حسب الحالة بالعرائض التي وجهت اليه او اشعر بتلقيها.

ثالثا: دراسة الطعن والرد عليه

حيث ان المحكمة الدستورية تتلقى العرائض المتعلقة بالطعن في نتائج الانتخاب، فإنها توجه نسخة منها الى الاشخاص المطعون في انتخابهم، وذلك وفقا لما تنص عليه المادة 36 من القانون التنظيمي. اذ ان هؤلاء يمنحون اجلا مدته خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ، يمكنهم خلاله الاطلاع على المستندات المرفقة بالعريضة لدى الامانة العامة للمحكمة، والحصول على نسخ منها، بهدف تقديم ملاحظاتهم الكتابية بشأن ما ورد فيها.

وتملك المحكمة الدستورية امكانية تبليغ المذكرات الجوابية للأطراف المعنية مع الاشارة الى اجل الرد عليها.

رابعا: التحقيق في الطعن

تنص المادة 37 على انه يجب على كل جهة تودع لديها محاضر العمليات الانتخابية وملاحقها ان توجهها الى المحكمة الدستورية اذا طلب منها ذلك، وللمحكمة الدستورية ان تامر بإجراء تحقيق في الموضوع وتكلف واحدا او اكثر من اعضائها(مقرر) بتلقي تصريحات الشهود بعد ادائهم اليمين بين يديها، ويحرر محضر بذلك من طرف كتابة الضبط ويدعى المعنيون للاطلاع عليه في الامانة العامة للمحكمة وايداع ملاحظاتهم في شأنه كتابة في غضون ثمانية ايام.

خامسا: البت في الطعن واصدار القرار

تبت المحكمة الدستورية في الطعون المتعلقة بانتخاب اعضاء البرلمان بموجب الفقرة الاخيرة من الفصل 132 من الدستور، داخل اجل سنة ابتداء من تاريخ انقضاء اجل تقديم الطعون اليها كما تنص المادة 33، غير ان للمحكمة تجاوز هذا الاجل بموجب قرار معلل اذا استوجب ذلك عدد الطعون او استلزم ذلك الطعن المقدم اليها، فعندما تكون القضية جاهزة تبت فيها المحكمة بعد الاستماع الى تقرير المقرر داخل اجل ستين يوما كما تنص المادة 38، غير انه يمكن للمحكمة ان تقضي دون اجراء تحقيق سابق بعدم قبول العرائض او رفضها اذا كانت تتضمن مآخذ يظهر جليا انه لم يكن لها تأثير في نتائج الانتخاب.

تقوم المحكمة الدستورية، في جميع الأحوال، بإبلاغ قراراتها إلى الجهة الإدارية التي تلقت طلب الترشيح، وإلى مجلس النواب أو مجلس المستشارين، وكذا إلى الأطراف المعنية، وذلك داخل أجل لا يتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ صدور القرار، وإذا لم يكن عنوان الأطراف أو محل المخابرة متوفرا لدى المحكمة، يعتمد مقر العمالة التابعة للدائرة الانتخابية باعتباره الموطن القانوني.

 واذا قضت المحكمة لفائدة الطاعن كما تنص المادة 39، فلها ان تلغي الانتخاب المطعون فيه او تصحح النتائج الحسابية التي اعلنتها لجنة الاحصاء وتعلن عند الاقتضاء المرشح الفائز بصورة قانونية.

خاتمة:

ختاما ومن خلال تتبع مختلف مراحل الطعن الانتخابي، يتضح ان القضاء الدستوري لا يقتصر فقط على البت في صحة انتخاب اعضاء البرلمان، بل يشكل آلية فعالة لحماية الحقوق السياسية وضمان احترام ارادة الناخبين، فالولوج الى المحكمة الدستورية يمكن الاطراف من الانصاف، ويمنحهم فرصة للطعن في التجاوزات التي قد تمس بنزاهة العملية الانتخابية.

ورغم ان هذه المؤسسة تبدو صغيرة من حيث بنيتها وتركيبتها، الا انها تضطلع بوظائف دقيقة وصعبة، وتؤدي دورا محوريا في ترسيخ الديمقراطية، وتكريس مبدأ فصل السلط، وضمان التوازن بين المؤسسات، وهذا ما يبرز مكانتها كهيئة دستورية مستقلة، لها قيمة كبيرة في البناء المؤسساتي، وفي حماية المشروعية الانتخابية، وفي تعزيز الثقة في المسار الديمقراطي ككل.

***

سفيان بامحمد - باحث في العلوم السياسية والقانون العام.

في المثقف اليوم