آراء
رشيد الخيّون: لينا عبد الخالق للزندانيّ: «أين حقّي»!
اهتزت مدينة عدن، صبيحة 29 يناير 1992، لاغتيال الشَّابة لينا مصطفى عبد الخالق(1973-1992)؛ فكان فاجعةً لأسرتها وللعدنيات كافة، بعد نشر صحيفة «صوت العمال»، في اليوم التالي، القصة كاملةً. كانت هاربة مِن بيت الشيخ الإخواني عبد المجيد الزَّندانيّ(1942-2024)، وبعد التحقيق ظهر أنها قُتلت برصاص مسدس ابنته. اعترف إعلام الإخوان، أنها كانت في الدَّار، لكنها خطفت المسدس وانتحرت به، والسؤال هل تدربت لينا عندهم على السّلاح، فقد عهدها مَن يعرفها لا شأن لها بذلك.
بعد قيام الوحدة(مايو 1990)، أظهر الإخوان المسلمون قوتهم بعدن، بتأسيس معسكرات للتدريب قُرب محافظة لحج، وكان الزَّنداني الخطيب، والمجند للشّباب في التنظيمات المسلحة، مثلما كان يُجند ويرسل أمثالهم إلى أفغانستان، وإعلامياً كانت صحيفة الإخوان «الصّحوة» مهيمنة بعدن، تهدد إعلاميين وكُتاب، بجرعات مِن التّرهيب، رداً على ما كانوا ينشرون في «صوت العمال»، الصَّحيفة، التي ظلت تواجههم بشراسة، لذا عمدوا إلى حرقها صيف 1994.
كانت لينا طالبتنا في ثانوية الجلاء، تجلس في المقدمة، هادئة وذكية، تجادل في درس الفلسفة، عضوة في اتحاد الطلبة «أشيد» التابع للحزب الاشتراكيّ، كبقية الطلبة آنذاك، وبعد الوحدة أخذت تتغير، حتّى ارتدت النقاب الإسلامي، الذي كان يفرضه «الإخوان» والعائدون مِن أفغانستان على منتسباتهم، مِن الذين كان «الإخوان» يشرفون على إرسالهم في الثمانينيات، وبعدها تأسست جامعة الإيمان بصنعاء برئاسة الزّندانيّ، التي أخذت تُخرج كوادر للعنف الدّيني.
غابت لينا عن أهلها، بعد عجزهم مِن نصحها، وأخذت تعاملهم ككفار، ضمن ما تلقته مِن غسل الدّماغ، كان والدها القاضي مصطفى عبد الخالق، رئيس المحكمة العليا بعدن قبل الوحدة، ثم مسؤول تنظيمات الاشتراكي بصنعاء، بعد الوحدة.
تلقى اتصالاً هاتفياً، مِن داخل صنعاء، أنَّ ابنته موجودة، والمتصل يطلب موافقته على زواجها مِن أحد «المؤمنين». يقول، وقد جمعنا به لقاء في بناية «صوت العمال»، بعد الحادث، أنه أجاب المتصل: «هل مِن عاداتنا الزَّواج بهذه الطريقة؟ ومَن الزَّوج»؟ لكن المتصل طلب الموافقة الفورية. خمن الأب أن يكون الزواج لأحد مشايخهم.
بعد بفترة أُعلن العثور على لينا مقتولةً، قرب دار الزَّنداني، وكان المسدس مرمياً بقربها، وكأنها انتحرت به، ولما أصر الأب على فحص جثة ابنته؛ ومكان الحادث فوراً، ظهر له أنَّ الرَّصاصات(كان قاضي تحقيق) أصابتها من الخلف، ونعليها متفرقان، ما يُشير إلى أنها كانت راكضة هاربة، فكيف انتحرت؟
رفض الأب دفن ابنته، وغلق التّحقيق، وعدم الاعتراف بقصة انتحارها كأمر واقع. لذا؛ ظلت محفوظة في ثلاجة المستشفى لشهور، والوفود تتردد عليه، لحل الموضوع بالترضية، فسمعته يقول: «إنَّ القضية ليست معه، إنما تراجعت عما دخلت فيه، ورفضت التزويج، فهربت». ولأنها اطلعت على خفايا، في تنظيماتهم وما يدور فيها، كان الخيار تصفيتها، وتلفيق قصة انتحارها. دفنت لينا، ولم تُدفن قضيتها، فطوال التسعينينات، كان الزندانيّ وإخوانه جزءاً مِن السُّلطة، فلم يُفتح التحقيق.
في حينها اعتبر حادث اغتيالها موجهاً لبنات عدن ونسائها، فاحتشدت تظاهرات نسائية، على اعتبار قضية لينا قضيتهن. اشتد الحال خصوصاً بعد الفتوى التي أصدرها مشايخ الإخوان؛ وبينهم الزّنداني، في شرعية الحرب ضد الجنوب؛ فإذا كانت هناك محاولات لفتح التحقيق بالقضية، إلا أنها ألغيت تماماً بعد سقوط عدن(1994)، وإعلان الانتصار عليها بالإخوان والجماعات الإسلاميّة؛ فصار الجنوب كافة، قصته تشبه قصة لينا.
كلما ظهر الزّندانيّ خطيباً مبشراً بالخلافة- حَدد تاريخ إعادتها(2022)- تطل لينا بخيالها صارخةً: «أين حقيّ» في هذه الخلافة؛ والعبارة كانت عنوان قصيدةٍ لمحمد صالح بحر العلوم(تـ: 1992)، قالها في حوادث ضاعت فيها الحقوق، باسم الدّين، كحقّ لينا بالقصاص.
***
د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي