آراء

جوتيار تمر: للتاريخ حكومة بدون منطق

قبل ان نخوض في ماهية العنوان نود أن ننوه بأن الرؤية  المطروحة مبنية في الاساس على مترتبات سياسة حكومة اقليم كوردستان، بكل تمفصلاتها، لا سيما فيما يتعلق بمنطقها في التعامل مع الشعب، فالصورة التي تبرز وبشكل جلي هي ان الحكومة ممثلة برئيسها، ومستشاريها ووزرائها، هم اشبه ببطانة الخلافة التي كانت تحكم المنطقة لقرون، من حيث اعتمادها على منطق الجباية (الخراج – الجزية) وفق كل الامور المنضوية تحت تلك المصطلحات، بالاخص التفكير بملئ خزانة الدولة، وملئ بطون ارباب السلطة، وترك الشعب تحت وطأة الضرائب والديون والعمل الشاق من اجل لقمة العيش، ذلك التفكير أو المنطق الذي يظهر بشكل واضح وجلي في واقعنا الحالي، وذلك وفق ممارسات الحكومة الحالية للاقليم.

     المنطق هو آلة قانونية تبحث عن احوال التعريف والدليل، وتعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر، وهو بذلك علم قوانين الفكر، وعلم القوانين الصورية أو الضرورية للفكر، وهو علم الاستدلال، وفن توجيه الفكر الى الصراط المستقيم في اكتساب العلم بالاشياء، وهو علم يبحث فيه عن القوانين العامة للتفكير، وغايته البحث في الاحوال والشروط التي بتوافرها يستطيع المرء الانتقال من قضايا مسلم بصحتها الى قضايا اخرى جديدة، فهو خاص ببيان الطرق الصحيحة التي بها يخصل التفكير من غير نظر الى المواد الواقع عليها التفكير (احمد عبده خيرالدين، علم المنطق، المطبعة الرحمانية، مصر:1930، ص18)، وهو بذلك يبحث عن المفردات المجهولة التي لا تعرف ماهيتها، فيضع لها تعريفاً محدداً يزيل الغموض الذي يكتنفه، ولا يمكن التفكير بالمنطق بعيداً عن تلك العلوم المذكورة، وحين نقارن تلك التعاريف والقوانين والعلوم بواقعنا نجدنا نعيش في دوامة إذ تغيب خاصية العصمة الذهنية التي يجب مراعاتها للابتعاد عن الخطأ، فكل الخطوات التي تخطوها الحكومة غير ممنهجة وبدون خطط مستقبلية، وهي في الاجمال خطط آنية – إن كان يصح ان نقول بانها خطط -  تستقوي بها الحكومة على الشعب وتجبرهم على الانصياع لمنطقها اللامنطقي، فضلاً عن كونها لا تملك قوانين مبنية على اسس فكرية ناضجة (بدون دستور)، وهي لا تملك رؤية واضحة يمكن الاستدلال من خلالها الى الاتي او المستقبل، فضلاً عن كونها لا تملك نهج مستقيم يعتمد على قوانين ثابتة صادرة بوعي من الحكومة التي يفترض أنها راعية لحقوق الانسان – الشعب – بعيداً عن المصالح الشخصية – الشركات التابعة للافراد -، ناهيك عن كونها لا تنتهج الطرق الصحيحة في تقييم الاحوال العامة للشعب، بل تبني نظريتها الاستحصالية على حاجاتها مبتعدة عن المنطق الصحيح للادارة الصحيحة للمؤسسات الحكومة بالاخص،  فضلاً عن القطاع الخاص والذي لا يخرج من كونه شركات تابعة للافراد التابعين والمقربين للسلطة نفسها.

بذلك يمكن القول بأن الحكومة الحالية والتي تُعرف بحكومة تصريف الاعمال قانونياً هي ليست فقط ناقصة الصلاحية وفق المنطق العام، بل هي حكومة ناقصة الفلسفة ايضاً، بحيث لا تمتلك فلسفة خاصة بها، ولا تمتلك عقلية التعامل مع الازمات، ولا تمتلك عقلية ايجاد الحلول، واية حكومة لا تمتلك فلسفة خاصة هي حكومة هدر الطاقات البشرية والطبيعية  يقول: محمد بوجنال  في مقال له بعنوان (الحكومة بدون فلسفة هدر للطاقات البشرية والطبيعية) الحكومة، أية حكومة، ترتكز أساسا على تصور فلسفي وإلا استحال تسميتها حكومة؛ فالحكومة، أية حكومة، بنية مجتمعية مصغرة تنطلق فلسفيا من مقدمات ومبادئ قصد التأسيس لبرمجة وتحديد أهدافها وغاياتها .والقاعدة في المنطق والابستيمولوجيا تقول أن النتائج بمقدماتها وأوالياتها؛ لذا، فالعلاقة متينة بين المقدمات والنتائج والأهداف والغايات. ومن هنا القول، على المستوى الفلسفي، أن الحكومة جهاز متماسك تحكمه مبادئ تتمثل في ضرورة استحضارها دلالة الوجود في عامته وخصوصيته المتمثلة في الاستجابة المعقولة لحاجيات الكائنات البشرية دون تمييز بهدف بناء الشخصية البشرية المبدعة وبالتالي تحقيق الغاية المتمثلة في الكرامة والحرية، واذا نظرنا جدلياً الى حكومتنا الحالية لن نجد اي شيء مما ذكر سابقاً متوافر فيها، بالعكس تماماً فهي حكومة جباية فقط، إذ وضعت الناس – الشعب – في صندوق مغلق بحيث لا يمكنهم العمل في اي مجال من مجالات الحياة دون فرض ضرائب مجحفة عليهم، نحن هنا لا نرفض وجود قانون الضرائب، لكننا نرفض اسلوب الجباية القسرية التي تفرضها على الناس وهي اصلاً لا توفر الحياة الطبيعية لهم، او بعبارة ادق لا توفر ادنى مستويات المعيشة لديهم، ففضلاً عن عدم استقرار دفع رواتب الموظفين، هي فقط اعلامياً تهتم بالقطاعات الاخرى كالزراعة والصناعة، ومعتمدة كلياً على قطاع النفط الذي تحول لعنة ووباء ووبال على الشعب، حيث لا احد يعرف اين ومتى وكيف وبماذا ولماذا يتم استخراج النفط في الاقليم، ناهيك عن المعضلات الاخرى التي يواجهها الشعب جراء سياسة قسرية غير منطقية فيما يتعلق بالخدمات، ففي منطق الحكومة بناء الطرق وبناء الوحدات السكنية والتي لا يستطيع المواطن العادي شراء شقة فيها لكونه لا يملك رصيد شهري ثابت، هو المنطق الاوحد الصحيح، منطق التطور والانبهار والعمران، كما ان الناس كالعبيد ملزمون بدفع الاقساط المترتبة عليهم، ودفع فاتورة المياه والكهرباء – الحكومية – الاهلية -، وملزمون بدفع فاتورة البيئة والتي لا يتسبب بتشوهها سوى مصافيها – الحكومة - غير الدستورية وغير المبنية على اسس علمية وقانونية، كما هو اي المواطن ملزم بدفع فاتورة الشوارع والكثير من مسالك الدفع  الاخرى، الدفع فحسب لا الاخذ او الاستلام، حتى وصل الامر بحكومة الجباية ان بدأت بتعميم القطاع الخاص ودمجه بالقطاع الحكومي إذ سلمت اغلب المرافق التي يفترض بانها حكومية موجودة لتسهيل حياة المواطن الى شركات اهلية (مثلاً: كاميرات المراقبة المرورية – مراكز التحليلات المرضية داخل المستشفيات الحكومية..الخ) ولو تم البحث عن ممولي تلك الشركات لوجدنا بأن ارباب السلطة وزبانيتهم – بطانتهم – هم الذين يملكون تلك الشركات، فكأن الاموال يتم تداولها ضمن دائرتهم فقط، تدوير الاموال بشكل لا يمكن ان تخرج عن مصالحهم، وفي مثل ذلك يقول كاتب مغربي إدريس عدار في مقال له بعنوان – الحكومة الجابية -: الحكومة ليست تسلطا على الناس، تسرق نارهم كي تحرقهم بها. الحكومة هي الشيء غير الثابت، وهي تجري في المسافة بين الدولة والشعب. لكن أصحابها طُلاّب مصالح لا يهمهم الباقي. إن نجونا من الأزمة يستغلونها في الانتخابات. وإن غرقنا، لا قدر الله، يعودون للاهتمام بشؤونهم الضيقة بعد أن يضيقوا علينا العيش. تحاول خلق الفراغ وتوسيعه حتى تستطيع مد رجليها دون محاسبة..، حقيقة ان مقولته تنطبق على واقعنا بشكل واضح وجلي، فنحن تحولنا الى وقود لنيران مصالح الحكومة وزبانيتها، وكل شيء بات بنظر الحكومة ومنطقها اللامنطقي جباية الاموال من الشعب وعدم دفع مستحقات الشعب، عدم توفير ادنى مستويات المعيشة لهم، فكأن الشعب تحول الى بقرة حلوب بالنسبة لها وهم مدركون تماماً بان الوقت كفيل بأن تجف منابع الحلب، وان تجف منابع النفط، وان تجف منابع الصمت، فتخرج الصرخة التي لن ترحم، وما يدور حولهم في العراق، سوريا، لبنان، اليمن، حتى تركيا، وايران، خير دليل على ان الصرخة آتية ومحال اسكاتها للابد، التسلط وتكميم الافواه اصبح محالاً، والحكم بدون فلسفة وبدون منطق اصبح عبء على الشعوب، واعتماد الجباية وملئ خزان الاحزاب دون ان يستفيد المواطن اصبح خيانة، وعدم الاعتبار من التاريخ تحول الى وباء وعقم سياسي.

***

د. جوتيار تمر صديق - اقليم كوردستان

2/1/2025

في المثقف اليوم