آراء

قاسم حسين صالح: المفهوم الحديث للتعداد السكاني.. هل يقترب منه العراق؟

لم يعد التعداد السكاني يقتصر على معرفة عدد نفوس الدولة وبيانات عن عدد المواطنين من حيث النوع الاجتماعي (ذكور، اناث) والعمر والمهنة و.. ، بل انتقل الآن الى توفير قاعدة بيانات تساعد في اتخاذ قرارات لتحسين كافة قطاعات الدولة : التعليم، الصحة، الدراسات العلمية، الخدمات.... وكل ما يمكّن وزارة التخطيط بأجراء دراسات أكاديمية تساعد على تطوير الوطن.

 وعلى صعيد المواطن، فان أهم أجراء يحققه هو (العدالة الاجتماعية) وتعني.. تحقيق المواطنة المتساوية وتوزيع الثروة والفرص والامتيازات بشكل عادل بما يحقق الأمن الاقتصادي ( غذاء، سكن، ملابس، رعاية صحية، تعليم...) لكل مواطن، ولهذا فان الدول المتقدمة تجري التعداد السكاني كل خمس او عشر سنوات، فيما تعداد السكان الحالي (2024) في العراق يأتي بعد (27) سنة من آخر تعداد.

 وما حصل في العراق خلال العشرين سنة الماضية، ان الذين استلموا السلطة بعد 2003، استفردوا بها وبالثروة ايضا، وانتهكوا مبدأ العدالة الاجتماعية بشكل صارخ.. فبرغم أن العراق يعدّ اغنى بلد في المنطقة و أحد أغنى عشرة بلدان في العالم، فان من استفردوا بثروة العراق افقروا 13 مليون عراقي باعتراف وزارة التخطيط. والسبب في ذلك شخّصه مركز بحوث فرنسي بأن 36 سياسيا من احزاب السلطة صار كل واحد منهم ملياردير دولار! بينهم من كانوا فقراء. يؤيد ذلك وصف المرجعية الدينية لهم بـ( حيتان الفساد).. الذي شاع زمن الحكومتين (2006 الى 2014) واصبح الفساد في المفهوم العام شطارة وانتهاز فرصة بعد ان كان في القيم العراقية خزيا وعارا.. وانشغلوا بانتاج الأزمات ولم يقدموا انجازا وطنيا واحدا على مدى عشرين سنة!

 ليس هذا فقط بل انهم انتهكوا مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، وتقاسموا مؤسسات الدولة بين عوائلهم!، نجم عنها هجرة الألاف من ذوي الكفاءات من مختلف الاختصاصات. ومع ان النظام ديمقراطي يبيح التظاهر السلمي، فأنه في يوم واحد فقط من ايام انتفاضة اكتوبر/ تشرين (الخميس الثالث من الأيام الخمسة الأولى للأنتفاضة) سقط (36) قتيلا في بغداد و (21) في ذي قار تليهما: الديوانية، النجف، كربلاء، وديالى.. برصاص حكومة عادل عبد المهدي.

 اننا اذ نبارك خطوة التعداد السكاني التي جاءت بعد آخر تعداد (1997!) ونحيي السيد محمد شياع السوداني وندرك حسن نيته.. لكننا نرى ان وعده بأن احد اهم اهداف التعداد السكاني هو تحقيق العدالة الأجتماعية.. لن يتحقق. فالذين اصبحوا ملياردريه.. معظمهم قيادات في احزاب اسلامية، استبدلوا عقيدتهم الاسلامية بتطبيق العدالة الأجتماعية بعقيدة حب المال وصاروا في كنزه كجهنم.. يسألونها هل امتلأت تقول هل من مزيد. وما اقتدوا بالأمام علي الذي قال يوم اصبح خليفة: جئتكم بجلبابي وثوبي هذا فان خرجت بغيرهما فأنا خائن. ولأنهم ما خافوا حتى من ربّهم يوم الحساب، فأنهم لن يخافوا من رئيس وزراء هم اتوا به، وسيكون حاله حال سلفه السيد حيدر العبادي الذي اقسم بأنه سيقضي الفساد (حتى لو يقتلوني) ثم اعتذر مبررا ان الفاسدين.. مافيا تمتلك المال والقوة والفضائيات، غير انهم سيخافون فعلا ان أعلن السيد السوداني بأن أحد اهم شروط تحقيق العدالة الاجتماعية التي يدعو اليها الاسلام والنظام الديمقراطي.. هو تطبيق مبدأ: من اين لك هذا؟.. حين يدفعه يقينه بأنه فاعلها بقوة اربعين مليون عراقي نصفهم جياع، في ثورة جياع سلمية، يكون بها العراق انموذجا في تطبيق المفهوم الحديث للتعداد السكاني بالمنطقة.

***

ا. د. قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم