آراء

عبد الاميرالركابي: إســرائيل المهزومه: لماذا ومتى وكيف؟ (1)

اسباب غلبة اسرائيل كثيرة، ماتملكه من قدرات عسكرية وتكنولوجيه، وعقيدة ابادية تعبيرا عن حقيقة كون الكيان المقصود هو كيان لاقيام موضوعي له، وجد اصلا على شرط ابادة الاخر بتدرجات ومستويات، تصل الان درجة ونقطة الذروة حيث تفاقم حضور شرط الابادة المادية الوجودية، الا ان قيام كيان من هذا النوع مرتكز لمروية تاريخيه ونموذجية تنااقض احتمالية وجوده (النبوية الابراهيمة التاريخيه الكونية وجودا وكينونة، متلبسة بالفبركة ثوب الكيانيه الاوربية الحديثة الايهامية/ الوطنية القومية) هو من دون شك فرضية موكولة الى مايتعداها، وان هذا لوحده هو الذي يمكن ان يؤمن شكلا من اشكال وجودها ككيان مفتعل حيث وجب وجوده، بينما الصدام الفاصل معه هو بالاحرى صدام مؤجل في حينه ابان القرن الماضي، وقت الغلبة الكاسحة للنموذج الاوربي وتفكراته (بما يجعل من فيلسوف غربي مثل جان بول سارتر معني بمسالة الحرية، يرى في مثل هذا الكيان المفبرك بدون ركائز، لابل وبركائز مضادة، ولاغراض استعمارية غربية، بؤرة ديمقراطية وسط عالم معاد لها).

ووقتها ووفقا لمعطيات الظرف الذي نشات فيه اسرائيل، فان اسباب ومقومات تحقق الكيانيه المراد غربيا زرعها في الشرق الاوسط متوفرة وقتها وراجحه، في حين ان المنطقة بالعموم كانت خاضعه لذات الرؤية التي كانت تعمل كمطمح شرق متوسطي غالب، يوم كان الغرب نموذجا وهدفا اقرب للشامل منذ ابتداء زمن "اليقظة"، او "النهضة العربية" الكاذبة والمزورة كما بدات تكرس منذ القرن التاسع عشر، وهوماتزال اثاره ومتبقيات الايديلوجية المتصلة به مستمرة كصدى بلا حصيلة، وشكلا من اشكال مواصلة مشروع ولد ميتا، انتهت اليوم مبرراته واحتمالية تحققه، ان استمرت ذيوله باقية، فبسبب غياب البديل، والاعتياد غير المدقق فيه، ولا الجاري التوقف عنده وعند اسسه ومبرراته الواهية، والمتماهية بلا اساس واقعي اصلا مع الاخر.

ونعلم انه من غير المالوف اعتماد مروية تقول بان المنطقة الشرق متوسطية / العربية. مرت منذ 1258 تاريخ سقوط عاصمة الدورة النهوضية الثانيه، بطور من الانهيار الانقطاعي، انتهى مع القرن التاسع عشر وصعود مشروع الغرب الالي وحداثته، وماقابله من النهوض التوهمي الشرق متوسطي، تماهيا مع اوربا والغرب خارج الاشتراطات الذاتيه والبنيوية، وهو ماقد انتهى مفعوله واحتمالاته الايهاميه منذ وقت، بينما توقف كفعالية في الغرب نفسه ابتداء من القرن المنصرم، بغض النظر عن منظومة رؤيتة المعززة بجملة منجزه الشامل العائد لفعل الالة وانبجاسها في الموضع المذكور الاوربي، الطبقي التكوين، والمقابل للشرق الاوسط البدئي التاريخي المجتمعي، والنمطي اللاارضوي الكوني السماوي الابراهيمي النبوي، مقابل الاوربي الغربي الاغريقي الفلسفي، وعلاقة التفاعلية التاريخيه بين الموقعين، وانصبابات الغرب التاريخية باعتبارها جزءا من ديناميات تحقق المنطويات المجتمعية كونيا، باختراق اللاارضوية الشرق متوسطية السماوية كابتداء للمجتمعية الازدواجية الطبقية، وللامبراطوريات الشرقية المنصبه هي الاخرى في الموضع اللاارضوي لذات الحصيلة والمنتهى.

من اهم عناصر انكسار النهضوية المزيفة وماقد كشف واحضر الدالات عليها، وجود والصراع مع الكيانيه البرانيه الغربية المتلبسه بالابراهيمة المناقضة لها نوعا وكينونة، ومنذ حزيران 1967 كان المفترض ان تحضر في العقل والتفكير الشرق متوسطي العربي ضرورة العودة الى الذات بغية كشف النقاب عن جانب اساس، ظل على مر التاريخ ودوراته خارج الادراكية، وهو مالم يحدث، دلالة على استمرارية مفعول الانحطاطية الاصل، وبدء عودة تغلبها من جديد، بعد طور من التوهمية النهضوية المنتهية الى ايديلوجيا انتفى اساسها ومبرراتها الاولى الايهامية على الطرف الاصل المقابل، وقد ظلت تتجلى على مستوى الدولة والحزبية المعروفة بالقوموية، واليسارية، والليبرالية.

انقلب الغرب بين بدايات القرن الماضي، من التوهمية الالية "المصنعية" ونموذجها( الدولة الامه/ الليبرالية) الى صنف جديد من صنوف الفاشية بالقوة والاكراه التكنولوجي بعد الانتقال الالي، من "المصنعية" الى "التكنولوجيا الانتاجية"، ومن مركزية وقيادة المجتمعات الاوربية الطبقية الكيانوية التي انبجست فيها الالة عالميا، الى المجتمعية الامريكية المفقسة خارج رحم التاريخ، بلا طبقات، وليدة فعل الالة والتفاعل معها ضمن اشتراطات المكان ونموذجيته التي تم سحقها وامحاء اهلها "60 مليون"، هم نموذج مجتمعات اللادولة الاحادية، مع مصادرة المنجز والنموذجية المتحققه غربيا اوربيا حداثيا، علما بان الموضع الامريكي كنموذج لاعلاقة له ولاصلة تصله، لابالغرب ولا بالانقلاب الالي كما ولد، حين يتعلق الامر بالسياقات والديناميات التاريخيه، مثلما انه لاعلاقة له بالنموذجية الكيانوية الاوربية، فامريكا امبراطورية لاوطنيه كينونة بلا ماض، مرتهنه وجودا وفعلا باختلاق الرسالية العالمية غير المحدده المعالم، تتحول في الممارسة الشعبية الى "حلم امريكي"، رسالته الفعليه ازالة ماقبله من نموذجية مجتمعيه ـ كما اسرائيل مشروطة بازالة المجتمعات التاريخية السابقة عليها ـ كما ازيل الهندي الاحمر وتاريخه التشكلي والوجودي العريق، وكما ازيلت الكيانية العراقية عام 2003.

وبالانتقال من الالة المصنعية، ومن الانتاجية بالاشتراطات الكيانيه الوطنيه القومية، الى العولمه المتعدية للدول والكيانات، تنتفي موضوعيا وتاريخيا صلاحية النموذج الغربي، وهو ماكان تحقق عمليا منذ القرن المنصرم وبالذات مع الانهيار الاوربي بالحرب العالمية الثانيه والقطبية العالمية، نتاج التناقض بين الالة وطبيعتها، ونوع الكيانيه الملائم لها المتعدي للكيانيه بنيويا والذي يحول جزيرة معزوله مثل بريطانيا الى "امبراطورية لاتغيب عن ممالكها الشمس" خارج ارادتها او غرضيتها، فضلا عن فعل الالة في البنيه المجتمعية، بعد دخولها كعنصر ثالث جديد ومن نوع اخر على ثنائية (الكائن البشري/ البيئة) عنصري التشكلية المجتمعية البنيويين النمطيين ابان الطور اليدوي من تاريخ المجتمعات، بين مجتمعات كلاسيكية من ناحية حضور ومدى نضج برجوازيتها، او تلك التي تستعين بالاله والايديلوجيا لسد النقص في اليات الانتقال الى الطور الجديد الالي، وان يتصورات توهمية من نوع ماحصل في روسيا.

انقلب العالم وسياقات تفاعليته ونوع صراعيته، ولم تعد اسرائيل بنت الاشتراطات التي اتاحت وجودها لاغراض ودوافع عائدة لنوع العلاقة الاوربية الشرق متوسطية ابان بدايات ومفتتح لحظة استثناء وانقلاب تاريخي يلغي المجتمعية الارضوية طبقية كانت او مجتمعات دولة احادية او لادولة احادية واو مجتمعات مختلطة النمط، ويضع الشرق الاوسط العربي امام اشتراطات نوعية وتاريخيه انقلابيه عظمى مؤجله، وغير ناطقة، صارت غير قابله للانتظار،الحضور الاسرائيلي بطبعته الابادية، والمواكب لنوع النمطية الامريكية المازومه، عنصر تاجيج لاسباب ومواطن نطقيتها المؤجله منذ بدايات التبلور المجتمعي الى اليوم.

ـ يتبع ـ

***

عبد الاميرالركابي

في المثقف اليوم