آراء

اياد الزهيري: الاستعمار وثقافة الاستهلاك (1)

من المعروف ان ظاهرة الاستعمار ليست بالظاهرة الحديثة، حيث نشأت بداياتها منذ القرن الخامس عشر الميلادي على يد البرتغالين، وكانت الامبراطوريتان البرتغالية والاسبانية، اول امبراطوريتين عالميتين استعماريتين استعمرتا دول اخرى، امتدت عبر قارات، وبعد ذلك ظهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر انكلترا وفرنسا، وهولندا كإمبراطوريات استعمارية، اما امريكا فقد دخلت نادي دول الاستعمار في القرن العشرين.

الاستعمار كما تعرفه الوكيبيديا بانه (اخضاع جماعة من الناس لحكم اجنبي، وتسمى البلاد الواقعة تحت الاحتلال، البلاد المستعمرة). من هذا التعريف يتضح من خلاله هدف الاستعمار، وهو هدف يرمي الى اخضاع الدول المستَعمرة، وجعلها مناطق نفوذ لها، وسوقا مفتوحة لتصريف صناعتها، والاستيلاء على مواردها الطبيعية. وقد سجل التاريخ ان عام 1415م هي نقطة البداية لظاهرة الاستعمار في مدينة سبته المغربية من قِبل البرتغالين.

صحيح كان الهدف الاول للاستعمار هو الاستيلاء على ثروات الامم الاخرى، ولكن استجدت مع الزمن اهداف اخرى مضافة للهدف الاول، وهو السعي من خلال الاستعمار، تحسين مركز الدولة المُستعمرة لمركزها الدولي، من خلال الحصول على مركز تنافسي على المراكز المتقدمة على سلم القوى الدولي، ويجعلها أكثر قدرة على التحكم في القرارات الدولية، وتوجيهها لصالحها.

اصناف الاستعمار:

1- الاستعمار القديم: وهو الاستعمار العسكري المباشر، حيث تاتي الدولة المُستعمرة بجيوشها ومعداتها العسكرية، وتهاجم دولة اخرى وتحتلها بقوة السلاح، ومثال ذلك احتلال بريطانيا للعراق 1914- 1917م، واحتلال فرنسا للجزائر عام 1830م، واحتلال امريكا للعراق 2003م، حيث تقيم هذه الدول قواعد عسكرية لها في هذه الدول، لردع اي حالة ممانعة لوجودها في الدول المستَعمرة.

2- استعمار غير مباشر: ومن امثال ذلك هو استعمار امريكا للسعودية، وبريطانيا لبعض دول الخليج، واقامة استثمارات نفطية، وتجارية لصالح الدولة المُستعمرة.

3- الاستعمار الاستيطاني: وهو يتمثل باستيلاء دولة على ارض دولة، واحلال شعب غير شعبها فيه، كما هو حاصل في فلسطين.

ابتداءً من المنتصف الثاني للقرن العشرين بدا يظهر نوع من الاستعمار بمواصفات واساليب وادعاءات مختلفة، تتناسب وما حصل من تطور في العالم على المستوى التقني والثقافي، وما طرا على الشعوب لحالة من الوعي تختلف عن مستويات وعي الاجيال السابقة، وهذا ما جعل الدول الامبريالية تلبس ثوبا اخر، وتدعي بدعوى مختلفة، تمويها، واخفاءً لبشاعة وجه الاستعمار القديم التي مقتته الشعوب المستَعمرة، ونهضت لمقاومته، وناضلت من اجل التخلص منه، بسبب ما تركه من اثار مدرة، وذكريات مساوية على الشعوب المغلوبة على امرها، لذا فقد استبدلوا الاستعمار العسكري، بالاستعمار الاقتصادي، تحت يافطة الاستثمار، كمحاولة لإخفاء الوجه الكالح، والمكروه للدول المُستعمرة ، ولكن هذا النوع من الاستعمار يقتضي مقدمات له تفتح له ابواب البلد على مصراعيه، ومن هذه المقدمات هو فرض لغة، وثقافة البلد المستعمر، وجزء من هذه الثقافة، هو ثقافة الاستهلاك، وهذه الثقافة هي ايضا تتطلب مقدمات تهيا لها فعاليتها، الا وهو تغير المنظومة القيمية للمجتمع، الذي يبيح دخول سلع، وفعاليات تسلية جديدة، كانت غير محبذة، ولا مرغوبة لدى الشعوب المُستَعمرة، بالإضافة الى زرع ثقافة ما يُسمى بأسلوب الرفاهية، وهو بالحقيقة لم ينطبق الاسم على المسمى، بقدر ما يكون هو زيادة نمط الاستهلاك لهذه الشعوب بشكل مفرط، وهو افراط غير مبرر للمواد المستهلكة، وكذلك افراط في استخدام اللهو البريء والغير بريء، وهذا النوع من الثقافة الاستهلاكية يؤدي بلا شك الى اهدار الوقت، الذي يذهب لصالح اللهو، بعيدا عن الجد في مجال العمل وبناء الذات اخلاقيا ووطنيا وعلميا، وزيادة المشتريات لدى العائلة، مما يسبب ضغطا كبيرا على رب العائلة من جهة، بالإضافة الى الهاء الافراد من اداء مسؤوليات اهم، والتراخي فيها، كما تشجع على شيوع القيم البذيئة والمتميعة، مما تخلق حالة من الهشاشة في النسيج المجتمعي، بسبب بروز ونمو حالة السلوك الفردي، والتمحور حول الذات، بسبب التركيز على محاولة اشباع الرغبات الغير محدودة لدى الانسان، مما تجعله لا يفكر الا بنفسه، ولا يهمه الا ذاته. هذه الفردية المقيته من صفاتها، هو عدم الاهتمام بالشأن العام، واهمال المصلحة العامة، ورفعها من جدول اهتمام الانسان.

ان ازدياد استهلاك الفرد، يدفع باتجاه اللهث وراء جمع المال، باعتباره الوسيلة الوحيدة التي تحقق ما يلبي شهوته بالاستهلاك، ويدفعه الى اتباع جميع الوسائل الممكنة بالحصول عليه، سواء كانت قانونية او غير قانونية، شريفة، او غير شريفة، مقبولة، او غير مقبولة اجتماعيا او دينيا، فاقتناء المال يكون هو الهدف الاسمى للفرد، ولأجل الوصول لهذا الهدف مستعد الفرد ان يرفع شعار (كل شيء يباع ويُشترى في روما)، اي كل شيء مباح مادام يأتي بالمال الوفير، في حين نرى ان الشعوب التي يحمل افرادها قيم رفيعة، تكون فيها القيم الوطنية والاخلاقية، هي من تتقدم على سواها، وهذا هو من جعل رجال الاستعمار الحديث من يَستَبقونَ الزمن في تدمير قيم وثقافات الشعوب المراد استعمارها، وتحطيم كل تابواتها التي تحرم التفريط بالقيم الوطنية والثقافية والدينية، لذلك وجهوا فوهات مدافعهم الى تدمير القيم الدينية والوطنية لأنها حجر عثرة في طريق المستعمرين الجدد، لذلك نرى الهجوم الشرس على القيم التي تدعوا الى قيم الاعتدال، والشرف، والشهامة، والوحدة، والمصلحة العامة، والهوية الثقافية، في محاولة لتمزيقها، ليسهل لهم استعباد الانسان المسلوب الارادة، والمستبيح لكل القيم التي كانت تمنحه العزة والشرف والعلو والرفعة، فينهار بفعل اقناعه بان قيمه قد عفى عليها الزمن، وباتت لا تنسجم وتطور الزمن، ولم تلبي له حاجاته، وينبغي عليه مغادرتها، والاعراض عنها، هو اول الخطوات المهمة بالحصول على الحرية، والدخول الى عالم اكثر رحابة وسعة مما كان يعيشه. انه عصر الرفاهية، والفردية، والحرية المطلقة، عصر الانسان الذي يهتم، فقط بالأرض التي هي جنته، وليس الانسان الذي يضع السماء جزء من اهتماماته، وهو عصر ما قبل الحداثة، وما عليه الا الاهتمام بما يُدعى بعصر الحداثة، والذي يبشر به الغرب، وهو عصر الديمقراطية الغربية، الذي يمثل نهاية التاريخ بالنسبة لإنسان هذه الارض، ولا يتحقق ذلك الا بنبذ الاسلام، والتخلص من قيمه، وتشريعاته، واستبدالها بقيم التنوير الحداثوية، وما بعد الحداثة، وقد قدموا نماذج حاضرة للعيان، خادعة للأبصار، مدغدغة للغرائز ومحركة للرغبات، كما في النموذج الاماراتي العاهر.

* الاستراتيجية الجديدة:

لاشك ان العالم يتحول باضطراد، وهذه هي سنّة الحياة، وانسجاما مع التغيرات، بادر الاستعمار الى تغير جلده، فقد اخذ طرقا اخرى للتعبير عن نفسه، تكيفا مع التغيرات التي طرأت على العالم، فهو كالحرباء يتلون بطريقة تتلائم والبيئة الجديدة التي يحل بها، ويركز على طريقة لا تثير مشاعر الشعوب، بل يتبع اسلوب يجعل الحكام والشعوب هي من تدعوه اليها، وتقدم له التسهيلات، والعروض الجذابة من اجل القدوم والاستثمار في بلدانها، وهذا لا يتحقق، الا بعد ان فعلت الدول الاستعمارية الافاعيل في بلدان وحكومات هذه الشعوب، حيث خططت لأجل ذلك الاتي:

اولا: خلق الصراعات البينية داخل الوطن الواحد، وهذا العامل يمكن تفعيلة من خلال اثارة النزاعات الطائفية والقومية، والدينية، وكذلك بين البلدان فيما بينها وخاصة المتجاورة، ومثال ذلك ما حدث في العراق بين السنة والشيعة، وبين العرب والاكراد، وكذلك الاقليات والطوائف الاخرى، مما ادى الى حالة من الاقتتال الطائفي، ونحن العراقيون قد عانينا من ذلك، وكلنا يتذكر احتلال داعش لثلث مساحة العراق عام 2014م من خلال ارض سوريا الى الموصل، وبمساعدة عدة دول غربية واخرى اقليمية تأتمر بأمر الاولى، وكانت نتائج ذلك هو تدمير بنية العراق الصناعية والزراعية واضعاف العراق اقتصاديا. هذا الامر قاد العراق اضطرارا الى اتباع سياسة الاستثمار الاجنبي في كل القطاعات، وخاصة القطاع النفطي، الذي اممه العراق في سبعينات القرن الماضي، اما الان فالعراق يرحب بكل الشركات العالمية بالقدوم له والاستثمار على اراضيه، وهذا هو المطلوب، والمرغوب من قِبل الغرب، باعتباره شكل من اشكال الاستعمار، ولكن بثوب جديد.

ثانيا: خلق الصراعات الحدودية بين دول الجوار، لتكون سبب لدخول الحرب بين بلدين متجاورين، وبالتالي اضعافهم اقتصاديا وعسكريا، لأجل اجبارهم على طلب الاستثمار الاجنبي في بلادهم تحت ضغط تلبية الحاجات الملحة لشعوبهم، وهذا ما يعطي فرص استثمارية كبيرة للدول الاستعمارية والتي حركت هذه الصراعات، بان يُطلب منها الاستثمار الصناعي والتجاري والزراعي على ارضي هذه الدول المتحاربة.

ثالثا: بعد كل مرحلة حرب، وحصار اقتصادي تفرضه الدول الكبرى، يعيش الشعب بحالة من البؤس الاقتصادي، والانهاك النفسي، وفي هذه الحالة تراه يتطلع كحالة تعويضية الى اشباع كل ما حُرم منه ماديا ونفسيا، فتراه يندفع بحالة من الشره الى اقتناء كل ما حُرم منه، على مستوى الغذاء، والمواد الكمالية والترفيهية، ويكون اندفاعه بمساعدة الاعلان التجاري المخطط له من قِبل هذه الدول، اندفاع جنوني، لانها شعوب عانت ما عانت من الحرمان والفقر الشديد في سالف الايام، وان هذا العامل هو من اخطر العوامل التي يُعول عليه بعملية التغير التي يرعاها الغرب على شعوبنا العربية والاسلامية، وهو عامل استفحال، وايصال الشعوب الى درجة الادمان الاستهلاكي، فانة حينئذ يفقد السيطرة على نفسه، وتسهل عملية تغيره بالاتجاه الذي يبغيه المُستعمر، فيكون المجتمع جاهز ولين العريكة في تدمير منظومته الاخلاقية، وبطريقة انسيابية لا تثير الشكوك، بل يعتبر المجتمع ان ما يعيشه هو تعبير عن حالة من الرفاهية، ولون من الوان السعادة، فحينئذ يسقط في مصيدة الترويض القيمي، وهنا يبدا التخدير، وقيام عملية الاحلال والابدال لهوية الشعوب الدينية والثقافية، ويتحقق الاستلاب بكل وجوهه، وهنا تستسلم الشعوب باعتبارها شعوب مقهورة، وعندما تصل الى هذه الدرجة من التخدير والاستلاب تجري عليها كل ما هو مخطط له من قبل المراكز المشرفة على هذه التحول، فتتغير حدود، وجغرافيات، ويُمسخ تاريخ، وتُستلب هويات ثقافية ودينية، ولعله تُباد مجاميع بشرية، واخرى تُستخدم لخدمة غيرها، وبالتالي بعد حين من التخدير والترويض، تفلس هذه الشعوب من الرفاهية المزعومة، وتفلس من كل مقومات وجودها السابقة، التي كانت تجعلها في مصاف شعوب العالم، وحينئذ تخرج هذه الشعوب من التاريخ، وتكون من الشعوب الغابرة، كما حصل لاقوام هود وصالح، والهنود الحمر في الامريكيتين، والشعوب الاصلية في استراليا ونيوزلندا.

من مظاهر اسلحة النمط الاستهلاكي:

هناك تجارب اقامها النظام الامبريالي في عدة اماكن من العالم، غرضه ابراز نموذج رأسمالي مقابل نموذج اشتراكي يُراد هزيمته، ولكن بطريقة غير عنفيه، وهي طريقة اتخذتها الانظمة الرأسمالية كأحد ادوات الحرب الناعمة، فكانت تجربة بناء المانيا الغربية، بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، مقابل تجربة المانيا الشرقية، وعاصمتها برلين الشرقية، ذات التجربة الاشتراكية ، فقد اثارت التجربة الغربية في نفوس الشعب الالماني في المانيا الشرقية كل اشواق ونزعات الانسان المتطلع للحرية، والعيش بالرفاهية التي تلبي طموحات ورغبات، وامالي النفس البشرية، بكل مشارب الحياة المادية والنفسية، حتى تحولت المانيا الغربية الى هدف يطمح بالوصول له، بل حلم كل الشعب الالماني الشرقي، فهي بالنسبة لهم ارض الاحلام، ولا يمكن نكران فشل النموذج الشرقي بإقامة دولة تحترم حقوق الانسان، واخفقت كذلك بتوفير وسائل العيش الرغيد لرعاياها، مما ساهم بزيادة نزوع الالمان الشرقيين نحو المانيا الغربية، واعتبروها المنقذ الوحيد لهم من جحيم النظام الاشتراكي الشرقي، وفعلا اندفع سكان برلين الشرقية في لحظة تاريخية 9 نوفبر عام 1989م ، واهدموا جدار برلين، ورموا بأنفسهم نحو برلين الغربية، وسقطت حينها المانيا الشرقية بنظامها الاشتراكي، وكانت اول تجربة ينهار بها نظام بطريقة الحرب الباردة، بسلاح النمط الاستهلاكي، وهناك تجربة اخرى حدثت با قصى الشرق، وهي تجربة هونغ كونغ، حيث بُني نموذج استهلاكي رأسمالي مقابل تجربة اشتراكية صينية، ولكنها فشلت امام التجربة الصينية بسبب انتهاء مدة استئجار منطقة هونغ كونغ البالغة 99 عام، التي اجرتها بريطانيا من الصين آنذاك، بالإضافة الى الاسلوب المرن الذي مارسه النظام الصيني، حيث اتبعت النظام المختلط في الاقتصاد، المتمثل بالانتفتاح على العالم، والسماح بالملكية الشخصية، مما افشلت المحاولة الغربية باستدراج الشعب الصيني للانخراط مع العالم الغربي بشكل كلي، حيث طوروا تجربتهم الاشتراكية، وتخلوا من بعض مفاصلها، واحتفظوا لنفسهم بنظام خاص بهم له تجربة وخصوصية صينية، بدأوا بها ينافسون النظام الرأسمالي نفسه في قعر داره، والذي باتت الصين به اليوم تنافس اقوى اقتصاديات العالم الغربي، المتمثل في الاقتصاد الامريكي، لكن الاستعمار الغربي لا يمكن ان يغفل اغنى منطقة نفطية بالعالم، واهم مناطق العالم جغرافيا، والمتمثلة بمنطقة الشرق الاوسط. منطقة هي الاهم بالعالم بالنسبة للغرب عامة، وامريكا خاصة، لانها تمثل مصدر الطاقة الاهم بالعالم، لذا فهي محل اهتمام الغرب برمته، والمكان الذي يجب ان تنصب كل الجهود لاحتوائه، وهي الاولى بإقامة النموذج الاستهلاكي الذي استدرج الفرد الالماني الشرقي، الذي عاش تقريبا نفس الظروف الاقتصادية والسياسية لشعوب بلدان الشرق الاوسط، وخاصة البلدان ذات الانظمة الاشتراكية كمصر عبد الناصر، وسوريا الاسد وعراق صدام حسين، فعمد الغرب الى بناء نماذج استهلاكية في دويلات صغيرة المساحة والسكان، وهي من تصلح اكثر من غيرها لهكذا تجارب باعتبار صغر المساحة، وقلة عدد السكان، حيث يمكن تمويلها بسهولة، وتحقيق النموذج المطلوب بسهولة، واقصر زمن، وهي مناطق هادئة سياسيا، وذات سكان ذو طبيعة هادئة، وفقيرة جدا، خاصة قبل اكتشاف النفط، وليس فيها زراعة ولا صناعة، مما يجعلها بعد اكتشاف النفط من اسهل المناطق لإقامة نماذج دول ذات طابع استهلاكي، يمكن تقديمها كنماذج تنافسية بمقابل دول ذات طابع ثوري كالنظام في ايران والعراق وسوريا، وليبيا، وانظمة لم تنال رضى امريكا والغرب كمصر والجزائر وغيرها، فزرعوا لهم دُبي واخواتها من دول خليجية، وان كانت بمستويات مختلفة، كنموذج لدولة الاستهلاك والرفاهية ذات النمط الغربي، وعملوا على بناء دولة الحلم، التي تتوفر بها كل وسائل الرفاهية، وكل ما يُثير الغرائز الانسانية ويستهويها، فانهالت عليها الاستثمارات من العالم الغربي، حتى حولوها الى نموذج باهر وفريد للترفيه، والتسوق، والتجارة، لتكون مدينة الاغراء الاولى في العالم، والتي يُشَد لها الرحال من كل العالم للتنعم بمزاياها الترفيهية والجمالية، هذا النموذج الذي سحر، وخلب الباب شعوب المنطقة، اغرى بعض الدول، ومنها المملكة العربية السعودية من ركوب الموجة، حتى ذهبوا الى ابعد مما ذهبت اليه الامارات العربية، فعينت المملكة السعودية وزير للترفيه المدعو تركي بن الشيخ ، والذي احدث هزة كبيرة في الوسط السعودي بما اقدم عليه من ادخال كل وسائل الترفيه التي كانت محضورة في المملكة السعودية، باعتبارها بلد الحرمين الشريفين، بل ذهبت المملكة الى ما هو اكثر جرأة وذلك في البدا ببناء مدينة (نيوم) التي يُطلق عليها مدينة الاحلام، وحتى ان اسم هذه المدينة (نيوم) سُمي باللغة العبرية، والتي تعني القوة، وهناك من يطلق عليها مدينة الخيال، ومن الملاحظ، والذي يثير الشك والتساؤل انها تقع بالشمال الغربي من المملكة السعودية، بالقرب من اسرائيل، ، وهي ستكون نموذج للتطبيع بين المملكة السعودية واسرائيل.

بالإضافة الى انشاء دول كنماذج للنمط الاستهلاكي، كمحاور جذب، ونماذج خادعة تحاول ان تجذب انظار شعوب المنطقة، التي جُوعت، وحُرمت، واضطهدت لفترة طويلة، اعتبر الغرب انها اللحظة الحاسمة لبناء هذه النماذج الاستهلاكية، التي ستحدث صدمة نفسية لهم، تنتهي بتخليهم عن الكثير من قيمهم الثورية، والاخلاقية والدينية، ويراجعوا ما هم عليه من موروث ثقافي، وبمساعدة بعض عرابي الثقافة الجديدة من ابناء المنطقة، وبأسماء معروفة مدنية ودينية، ليزينوا لهم الانخراط بطريقة الحياة الجديدة، على غرار ما يجري في دُبي، وهذا ما نلاحظه فيما يجري في بغداد وبقية مدن العراق من توجه نحو تقليد النموذج الاماراتي والقطري في انشاء المرافق الترفيهية، ولكن قد تكون التجربة العراقية ممكن السيطرة والتحكم بها، لأسباب معروفه، ليس هنا مورد ذكرها، ولكن نلمس هنا تجربة قامت بها اسرائيل على نفس المنوال، في المناطق المحتلة في الجولان مع ابناء الدروز التي احتلت مناطقهم اسرائيل عام 1967م، حيث طبقت عليهم هذا النموذج لغرض اغرائهم بالبقاء مع اسرائيل وتفضيلها على الالتحاق بالبلد الام سوريا، وقد اكد ذلك احد رؤساء بلدية احد مدن الجولان في مقابلة تلفزيونية، وهو احد ابناء الدروز، عندما سالته مقدمة البرنامج، ماذا تفضل البقاء مع اسرائيل، ام الرجوع الى البلد الام سوريا، لكنه قال وبضرس قاطع، نحن نفضل البقاء مع اسرائيل، فقد قدمت لنا طريقة افضل للرفاهية، وها هي اليوم اسرائيل احتلت جزء اخر من الجولان، وتحاول ضمها لها، واتباع نفس الاسلوب الذي استعملته مع ابناء الطائفة الدرزية ممن سبقوهم بالاحتلال، وهكذا يقضموا الارض، وبرضى ابناءها، مما يكسبهم صفة قانونية دولية، تحت شعار حق تقرير المصير للأقليات القومية والدينية. طبعا الخطورة في مثل هذا النوع من الاحتلال، انه مخدر وقتي، وبعد ان تُبلع الارض وتصبح جزء لا يتجزأ من ارض اسرائيل يبدا التحلل من التزام اسرائيل بتوفير شروط الرفاهية لهذه الاقليات، ولكن بعد ان تصادر الارض، سوف لا يُعبا بصراخ هؤلاء المغرر بهم، مهما علت صراخاتهم، وارتفع عويلهم على مصادرة ارضهم، التي تساهلوا بتسليمها لعدوهم تحت وهم الرفاهية الخادع. وهكذا أصبح اسلوب الترفيه من قِبل الدول الاستعمارية، للدول المستَعمرة، كحصان طروادة، تحقق من خلاله هيمنتها على هذه الشعوب التي ذهبت ضحية معادلة، مفادُها؛ تجويع، وحرمان، واضطهاد ترفيه مزيف احتلال.

***

اياد الزهيري

في المثقف اليوم