آراء

توفيق آلتونچي: كيف يتم إغتيال روح الكيان السياسي؟

  نموذج المملكة السويدية

Har du ett skelett i din garderob?

مملكة السويد تاريخيا عرف بانتشار الأفكار الداعية إلى السلم الاجتماعي وتعايش الشعوب وحقوق الإنسان والتمتع بحرية الرأي والمبدأ والدين. لذا نرى ان المجتمع السويدي مجتمع مفتوح يحترم كل الاراء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. القوانين السويدية سنت جميعا ابان سواد السلم في المجتمع خاصة إذا عرفنا ان السويد لم يدخل اي حرب خلال قرنين ونيف.

موجات الهجرة للأيدي العاملة بدات ما بعد الحرب العالمية الثانية من اوربا اولا وخاصة من اليونان ويوغسلافيا السابقة ولكنها دخلت إلى مرحلة من الهجرات الجماعية مع اندلاع الحروب في الشرق الأوسط مع بداية ١٩٨٠ اي قبل ٤٥ عاما خلت. معظم المهاجرين اليوم هم من حملة الجنسية السويدية ويزاولون أعمالهم الطبيعية مع أبنائهم وأحفادهم وهم موطنين امام القانون دون اي تمييز ولكن حدث في السنوات الأخيرة موجة من التذمر في اوربا قادها الأحزاب من حملة الفكر الناري الجديد تطالب بحماية ثقافة المجتمعات الاوربية والحفاظ على قيمها التاريخية والدينية. المهاجرين القادمين من دول الشرق يحملون معهم ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم بالإضافة آلى عقائدهم الدينية ومن الطبيعي كنا نرى بان جميع دول اوربا تحترم العقيدة الدينية وحرية العبادة وتنص على حرية العقيدة في فقرات دساتيرها الوطنية رغم عدم اعترافها رسميا ببعض الديانات. لهذا ليس من الغريب ان نجد معابد جميع العقائد الدينية منتشرة في معظم مدن اوربا.

ارتفاع وتيرة التأيد للأفكار العنصرية في المجتمعات الاوربية جاءت مسايرة لارتفاع وتيرة وسطوة الجماعات الاسلامية بكافة اتجاهاتها خاصة في افغانستان وايران ومصر وظهور حركات دينية متطرفة في معظم الدول الاسلامية مع ما سمي بالربيع العربي وحتى وصولها ديمقراطيا إلى حكم تلك الدول وهذا طبيعي لثقافة تلك الدول ولكن تصدير تلك الأفكار ادى الى دق ناقوس الخطر في المجتمعات الاوربية التي كانت قد غادرت تلك الأفكار ومنذ قرون خلت واختارت العلمانية باعتبار العبادة هي فقط يخص الأشخاص وعلاقتهم بالخالق وترك أمور الحكم والسلطة للعلم وبناء المجتمعات المدنية المفتوحة. هذا لا يعني بعدم وجود تيارات سياسية رسمية تحمل افكار دينية في التركيب الفكري للعديد من تلك الأحزاب السياسية في دول الغرب. التركيبة الدينية المسيحية الكاثوليكية انحصرت فقط في دولة الفاتكان كمقر للبابا.

أعود إلى مملكة السويد الذي شاهدت عن قرب تغير تركيبة المجتمع فيها خلال ما يقارب الأربع عقود. التغير الجذري الذي حصل كان نتيجة مباشرة لتدفق المهاجرين من مناطق الصراعات في دول الشرق. لكن وصل حدتها مع تاسيس الأحزاب القومية بدأ من الديمقراطية الجديدة ومن ثم ديمقراطي السويد والتي تحولت إلى الحزب الثاني في المملكة بعد ضعف حزب المحافظين وكذلك الأحزاب اليمين المؤتلفة جميعاً (الديمقراطي المسيحي، المركز، الحزب اليبرالي) ورغم ان معظم الأحزاب تركوا السياسات القديمة فيما تخص اللجوء في مسايرة واضحة لسياسة حزب ديمقراطي السويد.

هذا واضح في جميع القوانين التي أصدرت خلال السنوات الأخيرة من قبل البرلمان السويدي وجميعا سلبية بالنسبة للمهاجرين وحول المجتمع السويدي إلى طبقتين من المواطنين والغريب ان جميعهم يحملون نفس الجنسية ولكن هناك درجة أولى وأخرى درجة ثانية يمكن سحبها في حالات معينة ويعتبر الأجنبي مجرما إلا إذا اثبت عكس ذلك بينما مواطني الدرجة الاولى هم من الملائكة.

كيف تحول المهاجرون إلى مشكلة اوربية بعد ان كانوا جزء من حل مشكلة سوق العمل وشاركوا خلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية في اعادة بناء اوربا والمشاركة في الثورة الصناعية والرخاء الاجتماعي الذي واكب ازدهار تلك البلدان وزيادة الثروة الوطنية للدولة وللأشخاص. فبعد ان كان الاوربين بأنفسهم يبحثون عن قوى أيادي العمل في الدول الاخرى يستقدمونهمً للعمل في دولهم اصبحوا اليوم يطردونهم ويسنون القوانين للحد من الهجرة ونما في تلك الدول قوى السلبية في السياسة حيث يزدهر اليوم الأفكار القومية المتطرفة المنادية إلى طرد اللاجئين وإظهار الأخبار السلبية التي يقوم بها هم وأبنائهم في جميع قنوات الإعلامية والذي أدى إلى ظهور رأي عام معاد الأجانب في جميع الدول الأوربية وحتى دول كانت معروفة باعتدال كالدول الإسكندنافية أصبحت مجتمعات تعادي الإسلام واللاجئين القادمين من الشرق لعدم تمكنهم من التكامل في المجتمعات الغربية.

هنا تجدر الإشارة ان هناك العديد من اللاجئين السياسيين واخرون لجأوا أثناء الحرب إلى الدول الغربية. الجدير بالذكر كذلك ان موازيا لانتشار تلك الاخبار السلبية نرى بانً جميع سياسات والحكومية فشلت في الاندماج وتامين عمل او الاعتراف بشهاداتهم الدراسية العالية لأكثرية من المهاجرين وهذا الفشل ادى كذلك للعودة العكسية لهم لاوطانهم الأصلية او البحث عن وطنً جديد. هذه الأخبار السيئة التي تنشر في الإعلام يعتبرها المجتمعات الغربية جحود ونكران الجميل من قبل اللاجئين للدول والشعوب التي استضافتهم ورد الإحسان لا يكون بنشر الجريمة في تلك المجتمعات، حسب رأيهم . هذا ليس فقط خبر يتداول في الإعلام بل حقيقة وواقع في الأحياء التي يسكنها اكثرية من اللاجئين وخاصة على أطراف المدن الكبيرة في معظم العواصم والمدن الاوربية. تجربتي تعود إلى اكثر من نصف قرن في دول اوربا وملاحظتي للتغيرات في تلك المجتمعات تاتي من تجاربي فبعد ان كان الأجنبي عملة نادرة في السويد ويحصل على امتيازات كثيرة في بداية الستينيات اصبح اليوم مكروها ويتم معاملته بالنظر إلى هيئته وشكله وصولا إلى تميزه حتى في حالة سفره في المطارات. وقد تمً فعلا اتخاذ هذه الإجراءات مثلا في السويد حيث سن قانون "قانون المصادرة للأموال والمقتنيات للأجانب " الذي يمنح الشرطة السويدية صلاحيات غير مسبوقة لمصادرة الممتلكات الثمينة من أشخاص لا يمتلكون مصادر دخل واضحة، حتى وإن لم يكونوا مشتبهين بشكل مباشر بارتكاب جريمة. الجدير بالذكر ان ذلك يشمل مصادرة الأموال والمقتنيات كالسيارات والمصوغات والساعات الغالية حتى في الشارع أو اي مكان اخر . وفقاً للحكومة السويدية فإن هناك كذلك مقترح قانوني ينص على أن "السلوك السيئ " وليس الجريمة .. ستكون سببا كافيا لسحب إقامتك المؤقتة أو الدائمة... وطبعا ليس هناك تعريف للسلوك السئ من ناحية ومن ناحية اخرى من منا لم يخطئ وهل نحن ملائكة على الأرض.

خذ فقط مثلا وبعد دخول قانون الإهانة الشرطة الجديد وبعد ان دخل حيّز التنفيذ في السويد تقدم الشرطة أكثر من 170 بلاغًا ضد مواطنين السويديين ممن أهانوا أفراد الشرطة وذلك فقط خلال أول شهر والقانون يعاقب كل من اهان الشرطة حتى بالسباب او الشتم. أصبحت كذلك المدارس، دوائر الخدمات الاجتماعية، والرعاية الصحية، والبلديات، والمناطق، والجهات الحكومية ملزمة بتسليم المعلومات (إخبارية)– حتى تلك المعلومات التي تقع تحت بند "المحمية بالسرية "– إلى الشرطة والادعاء العام وجهاز الأمن الوطني (سپو) إذا رأت الجهات المعنية أن المصلحة العامة تفوق سرية المعلومات. كذلك تشديد لم الشمل حيث تنتظر الأوساط السياسية والاجتماعية السويدية تقريرًا مهمًا يُفترض صدوره في 25 أغسطس، ويتعلق بإعادة تقييم قواعد لم الشمل الأسري (familjeåterförening). التوقعات تشير إلى مقترحات تتضمن تقليص عدد أفراد العائلة المسموح بضمهم. هذا بالمقابل على ان يكون الشخص يعمل وله سكن وراتب يتعدى كثيرا مقداد التقاعد الشعبي العام بكثير الذي وضع كأساس لحياة محترمة لجميع مواطني السويد . علينا عدم نسيان حجم نسبةً العاطلين عن العمل في المملكة وكل هذا بالطبع سيجعل من المستحيل لم شمل الأسر وهذا ما نراه في الواقع اليوم.

كيف يمكن سن قوانين يقسم مواطني المجتمع إلى قسمين يتم التعامل معهم عن طريق انتمائهم الطبقي؟ او رؤية هولاء مجرمين حتىً دون ان يرتكبوا اي جريمة ؟ كيف يمكن لقوى الشرطة تطبيق القانون وتميز الجاني من هيئته وشكله؟ كيف تمكن الأحزاب من سن تلك القوانين التي قسمت المجتمع إلى مواطنين من طبقة "نحن " ومواطنيها من طبقة "أنتم"؟ وهل هناك تعريف شامل وقانوني للسلوك السيء أو العشائري ؟ كي تسحب جنسيات مواطنين وفقط تشمل هؤلاء ذو الأصول المهاجرة اللذين تركوا بلادهم الأصلية منذ نصف قرن؟ وتبقى التساؤلات حول كون هذه القوانين كلها من روح دستور المملكة واساس دولة القانون؟

***

 د. توفيق رفيق آلتونچي -  السويد

 

في المثقف اليوم