آراء

عبد الأمير الركابي: الاشتراكية المجتمعية واشتراكية ماركس الطبقية (2-2)

والمسالة الكبرى والجوهر الاساس في نظرية ماركس، اي الطبقات واصطراعيتها، لم تكن قابله في حينه، ويوم قرر ماركس اجمال العالم بها كمحرك تاريخي، للادراك كما قد صارت، وقد غدت ساعتها متجهه الى زوال، فالطبقات واصطراعها ـ وهو ماكان خارج وعي ماركس كليا ضمن ماكان يعيشه من ظروف ـ هي ظاهرة يدوية مجتمعيا، تنتهي مع الدخول في عصر الالة، مع العلم ان البداية والمفتتح الانقلابي المشار اليه، يولد احتدامية غير عادية من نوع تلك التي جعلته هو او رفيقة انجلس يدمدم امام الحال البريطاني العمالي: "امتان"، علما بانها احتدامية انتقالية الى ما بعد طبقية، فالطبقات هي وليد الطور المجتمعي البيئئ/ البشري اليدوي الاول، يبدا بالزوال والانتهاء مع دخول العنصر المستجد الالي ضمن الديناميات المجتمعية، عندما يصير التدخل الواعي في البنية المجتمعية ممكنا، بما يتلائم ومصالح القوى المالكة المتنفذه، ومنها المتحولة من طبقات "برجوازية" الى مجرد "برجوازية" بلا اشتراطات الطبقية، مثلهم مثل العمال بلا صفة الطبقية كما هو حاصل اليوم.
ولم يكن ماركس وقتها برغم منجزه غير العادي، معفيا من التوهمية التي سببتها لحظة الانتقال الالي، ان لم يكن بالحرى الاكثر توهمية وايهاما على مستوى المعمورة كمنظر اساس، لاشك ان الجانب المهم العملي من نظريته تطبيقا يعود الفضل فيها الى لنين الروسي الايديلوجي التحولي الالي بالفكرة والالة، في مجتمع ادنى تبلورا برجوازيا، مقارنه بالمنطلق الاوربي الغربي "الكلاسيكي" النموذجي.
ومن غير المعتاد ولا المسبوق ان جرى النظر الى عموم المنجز الغربي المعروف بالحديث على اعتباره مصدر توهمية كبرى غير مسبوقة في التاريخ البشري، مع ان مثل هذا النوع من الوقوع تحت طائلة اللحظة الفائقة للمتوفر والمتاح والموروث اعقالا، مما هو متوقع منطقيا، فالاعقال اليدوي ومحاولة الاحاطة والادراك مع انبجاس الاله، كان هو الفاعل والذي سعى وقتها للتفاعل مع الحدث الانقلابي النوعي الذي مايزال في بداياته، بالاخص على مستوى الادراكية العقلية المفترض ان تحضر بعد استيعاب المنجز التحولي غير المعلومه ابعاده الكاملة وقتها بعد، هذا في وقت لم يكن فيه مايمكن، او هو بوضع يتيح له النظر الى المنجز الغربي الادراكي الاني، بعد ظهور الاله من زاوية تخرج عن الاعجاب، ان لم يكن الانبهار بعلموية وعقلانية ما يصدر عن نقطة انطلاق الاله على مستوى المعمورة، بينما بقية العالم مايزال رازحا تحت وطاة الاشتراطات اليدوية التفكرية والمعاشية.
هذا علما بان الاله وماواكبها ونتج عنها من تصورات واجمالي رؤية اوربيا، كان بالاحرى لحظة افتتاح توهمي ماقبل آلي، مايصدر عنه وينتج في غمرته على صعيد الافكار والنموذجية الكيانوية ومايتصل بها، مجرد محطة استباقية انتجتها ظروف الانقلاب في ساعتها بانتظار اطوار اخرى لاحقة، ينتظر ان تنتجها اشتراطات اكتمال مقومات الانقلاب الالي، ومنها وفي مقدمتها تلك العائدة الى الجانب التحولي الذي تنطوي عليه وتتضمنه العملية الانقلابية التي توحي بها الاله، تلك التي اليها تنتسب المحاولة الابتدائية المبسطة والافتراضية بلا اساس، الماركسية، بمقابل مامنتظر من احتمالية انقلابية تحولية مجتمعية، هي المتوافقه مع الحقيقة التاريخيه والمسارات المجتمعية الاصطراعية الابتدائية، الارضوية اللاارضوية.
من الاكبر من بين نواقص وقصورية نظرية ماركس، تابيديتها للنمطية المجتمعية الارضوية المعاشة والمتلائمه مع اشتراطات الانتاجية اليدوية الاولى، فماركس اصلا يبدا متمسكا بالمجتمعية الراهنه حين يتبنى جزءا منها ويذهب الى فرضه مجتمعيا، فالشيوعية المفترضة تقول بالمجتمعية الحالية بدون طبقات، بينما التحولية الاليه الفعليه التي لم يكن بالامكان ادراك ابعادها في القرن التاسع عشر، هي تحولية في النوع والنمطية المجتمعية، من مجتمعية جسدية حاجاتية ارضوية الى مجتمعية / عقلية، متحرره من وطاة الجسدية والمتبقيات الحيوانيه العالقة بالكائن البشري وبالعقل السائر نحو عالمه مافوق الارضي، منتهيا من الطور الحالي اليدوي الانتقالي مابين الحيوان والانسان/ العقل، مرورا بالكائن البشري الحالي "الانسايوان" الذي يطلق عليه اعتباطا اسم "الانسان".
والحديث جار عن مجتمعية لها آلياتها المحركة ونوع دينامياتها الحياتيه المعروفة على مر تاريخ الكائن الحي وحركة تحولاته الطويلة التفاعلية في قلب الطبيعه، هي ليست، ولم تكن يوما من النوع الانقلابي اللحظوي الاني كما افترض الغرب الحديث، فسجل بذلك لحظة التوهمية الكبرى المتناسبة مع نوع وطبيعة اللحظة الانتقالية في بدايتها ومفتتحها، بانتظار ان تتبلور الاسباب والموجبات الضرورية الناجمه عن التفاعلية الراهنه المستجده بعناصرها الاساسية وماصار اساسيا وفعالا ضمن حركتها، علما بان مايشار اليه من نكوص ابتدائي ليس اوربيا حيث ابجست الاله، بقدر ماهو شامل للمعمورة التي تذهب الى المصادقة على علموية وعقلانية مايراه الغرب، وماقد ارساه من مفاهيم ونموذج حياتي ورؤى، مرتكزا الى، ومستغلا ماقد صار متوفرا عليه من قدرات وممكنات غير عادية، اوجدتها الاله مع تسريعها الاستثنائي للاليات المجتمعية هناك.
وماتقدم من اكثر المناحي تعريضا للرؤية التحولية المجتمعية للانكار والرفض البداهي القصوري المصدر عقليا وتراكميا، بالاخص من قبل اولئك الذي يصل بهم الامراو يحتاجون لاسباب لاعلاقة لها بالحقيقة ولا بالادراكية السليمه حد الايمانيه المتعدية للمعقول، كمثل من يعتبرون انفسه " شيوعيين" على مستوى العالم، ومازالوا الى اليوم، وبعد انهيار مايعرف بالاتحاد السوفيتي التوهمية الايديلوجية الالية الكبرى، يعتقدون بان الشيوعيه محكومة لقانون تاريخي وحتمية لابد منها، علما بان مايعرف مما يعتقدونه الى الان قد مر بثلاث مراحل: الاولى اوربية ابتدائية تاسيسية نظرية، والثانيه ايديلوجية الية روسية تحولت الى صينيه اوربية شرقية، ولاارضوية في جنوب العراق استمرت مابين الثلاثينات واوائل الستينات، مندمجه بآليات التحول اللاارضوي المجتمعي جوهر الانقلاب الالي.
مع تبلور المنظور التحولي اللاارضوي كمنتهى وقمه انتقالية آليه بعدما وصلت الاله مشارف التحورية مابعد المصنعية والتكنولوجية الانتاجية الحالية، بانتظار التكنولوجيا العليا، يمكن توقع انتباه من بقي يعتقد بالنظرية الماركسية الى ضرورة الانتقال الى المنظور اللاارضوي، موفرين بذلك وسيلة عالمية منظمه ومتلاقية ذهنيا وتنظيما، من شانها ان توفر الكثير من الجهد والوقت ضمن مسار اقامه تيار التحولية الكونية، الانتقالي المجتمعي الى المجتمعية العقلية ومغادرة متبقيات الجسدية.
***
عبد الأمير الركابي

في المثقف اليوم