آراء

عدنان الظاهر: يزيد .. قاتل الحُسين

(هذه ليست دراسة أكاديمية منهجية إنما هي رد في ملاحظات تعتمد على ما في الذاكرة من معلومات تأريخية وبيانات حول وقائع معروفة كتب عنها الكثيرون قديماً وحديثاً).

أثار بعض الكتاب العراقيين في الآونة الأخيرة موضوع قتل الحسين بن علي في مذبحة الطف في كربلاء وأولاده وأبناء إخوته ورجال من النخبة التي التحقت به ولم تتخلَ عنه حتى إستشهادها معه في واقعة طفوف كربلاء المعروفة.

تبرئة يزيد بن معاوية من دم الحُسين: جاءت الخلافة ليزيد غدراً وخيانةً مارسهما أبوه معاوية حين خان وتنكّر للعهد الذي أبرمه مع الحسن بن علي والذي دُعي ب [صُلح الحسن] والذي نصّ (حسبما روى بعض المؤرخين) فيما نص من بنود أخرى على إقرار معاوية بخلافة الحسين بن علي على المسلمين من بعده مقابل تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان. هل في هذا شك أو ضبابية أو طعن؟

دعا زعماء قبائل الكوفة والعراق الحُسين بن علي لترك المدينة والتوجه إليهم للتحرك تحت قيادته ضد طغيان وعنت وشذوذ يزيد الخليفة المفروض على المسلمين في دمشق الشام. أرسلوا له مئات الرسائل أو أكثر يحثونه ويستدعونه للشخوص إلى الكوفة لإنقاذ الأمة من الغمّة المقيمة. أرسل لهم ابن عمه مسلم بن عقيل مستطلعاً ودارساً لمجمل الأوضاع وتحرّي صحة ولاء هؤلاء الزعماء العراقيين له. أعلنوا له الولاء أوائل أيام حضوره في الكوفة وصلّت الآلاف خلفه ولكن ! أخذ عدد المصلين خلفه بالتناقص يوماً بعد يوم مع تزايد حُمّى أمير العراق عُبيد الله بن زياد إبن أبيه الإعلامي المضاد للحسين ولدعوته ولجهود ابن عمه ورسوله مسلم بن عقيل والضغط على مناصريهما لترك الحسين ومن وراء الحسين والإلتحاق بركب يزيد وطغمته الحاكمة في العراق مُستخدماً السلاحين المعروفين جيداً: الإغراء بالمال ومنح الأراضي الشاسعة وإمتيازات منوّعة أخرى إدارية أو في قيادة الجيوش والسلاح الثاني: السجن والتعذيب والقتل. النزاع الذي كان بين الإمام علي والمنشق معاوية كان كما قال العارفون نزاعاً بين تيارين وفكرتين ونزعتين متناقضيتين هما بتركيز شديد: النزاع بين الدين (معسكر علي) والدنيا (مُعسّكر معاوية) حيث أنتصرت الدنيا الفانية بمعاوية على دين علي المؤمن بالخلود بعد الحياة.

وبعد عشرين عاماً (41 للهجرة ــ 61 للهجرة) عادت أجواء ذلك النزاع الذي ساد ايام الخلاف بين علي ومعاوية [ نزاع الدين والدنيا ] وسيطر على أجواء ما قبل واقعة الطف فانتصر فيه معسكر أصحاب الدنيا وهم خبراء فيه وبفنونه آل أُميّة ومن مثّلهم في تلك المرحلة ،يزيد وعُبيد الله بن زياد على معسكر الدين بقيادة الحسين فارتفعت الراية فوق دمشق وانتكست الرايات الأُخَر في العراق والحجاز. الآن:

يدّعي الكتّاب النابشون في بطون التأريخ وإثارة موضوعات عفى عليها الزمن هي مدعاة لإثارة المزيد من الفتن والمشاكل في عراق فيه ما يكفيه من مشاكل سياسية ودينية وقومية وعرقية وطائفية فما الذي يدعو هؤلاء الكُتّاب للخوض في مثل هذه المواضيع؟ ولكي لا أتشعب وأُطيل أدخل في صُلب الموضوع وأقول:  يدّعي هؤلاء أنَّ يزيد بن معاوية برئ من دم الحُسين ! مستندين على موضوعتين اثنتين لا غير ضعيفتين لا تصلحان أنْ تقوما كبشهادتين على تبرئة مجرم كبير قاتل أمر بقتل حفيد النبي محمد ومن كان معه أو إذلاله بالبيعة لخليفة فاسق مُنحرف سارق للخلافة !

أولاً: الصبي العليل الأسير والناجي الوحيد من مجزرة الطف وشاهد عيانها

يدّعي هؤلاء الأخوان المولعون بنبش المقابر والبحث في الرميم (وقد يكون ادعاؤهم صحيحاً حسب بعض الروايات التاريخية) أنَّ علاقة يزيد بعد الطف بهذا الصبي العليل الضعيف المأخوذ بما وقع لأبيه وأخوته وأقاربه ورجال أبيه المخلصين الشجعان كانت علاقة ود واستلطاف. أجل ، قد تكون العلاقة بين الإثنين كانت كذلك ولكن ... هل كان الجو الخاص والجو العام طبيعيين بحيث يسمحان لقيام علاقة طبيعية بين قاتل مُستبد غاشم وطفل أو صبي عليل أسير مغلوب على أمره لا من حولٍ له ولا من قوة هو في أمسّ الحاجة إلى شئ من العناية وتهوين وقع ما أصاب أهله عليه. وما كان في وسع الأسيرالعليل السجّاد علي بن الحُسين أنْ يفعل غير ذلك؟ هل يثور وهل يستطيع أنْ يثور وهل كانت في حوزته أدوات ورجال الثورة على الخليفة المنحرف والمغتصِب المقيم في دمشق؟ وهل في هذا كله ما يصلح للإستنتاج أنَّ صاحب الحق والوريث الوحيد للحسين أبيه وما ترك زين العابدين السجّاد كان قد برّأَ القاتل الأكبر من دم أبيه؟ هل كتب هو هذه البراءة وأين هي ولِمَ لمْ يبحث عنها ويُثبّتها مؤرّخو تلك الحقبة من الزمن؟ إذاً هذه الحُجّة باطلة ولا تصلحُ أنْ تكون شهادة بتبرئة يزيد من دم الحُسين وما وقع له ولمن معه في معركة  الطف في ضواحي كربلاء. كان يزيد من جهته وقد حصّل على ما يريد بقتل المنافس الأكبر له على خلافة المسلمين كان بحاجة ماسة لتهدئة الخواطر وتخفيف حِدّة اللوم المُسلّط عليه من بعض كبار القوم  سواء في دمشق أو مكة أو المدينة. وما يخسر يزيد إذا ما جامل صبياً عليلاً أسيراً يتيماً من أكثر من جهة وجانب؟ كان فيه بعض دهاء أبيه. لماذا التعكز على بعض مواقف صبي أسير عليل مغلوب على أمره وإهمال المواقف البطولية الشجاعة لعمّته السيدة زينب ومساجلتها المعروفة مع يزيد في قصره ومنع رجاله من الإجهاز على الصبي السجاد زين العابدين برمي نفسها عليه حماية له وقولها لهم أُقتلوني بدلاً منه؟ هل هادنت يزيد وهل برّأته من دم أخيها ومَن كان معه؟

شئ يستدعي ذِكرَ غيره: هل كان في مقدور عبيد الله بن زياد مخالفة سيده يزيد بن معاوية حتى يجرؤ بالأمر بمقاتلة الحسين ومن كان معه ثم إرسال رؤوس مّن كان قد قتلَ إلى يزيد في دمشق مرفوعةً على رؤوس الرماح كما قرأنا في كتب التأريخ؟ هذا السؤال موجّه لأولئك  القائلين أنَّ أمير الكوفة والبصرة عبيد الله بن زياد هو المسؤول الوحيد عن قتل الحسين وليس الخليفة يزيد.

قرأنا أنَّ الحُسين وضع أمام الحر الرياحي القائد الأموي الذي كان مأموراً بمحاصرة الحسين ومنع الماء عنه ثلاثة مقتحرات هي:

1ـ رجوعه ومن معه إلى من حيث أتى

2ـ ذهابه ومن معه للإقامة في اليمن

3ـ أو أخذه وحده دون من معه لمقابلة يزيد ....

رُفِضت هذه المقترحات جميعها فما دلالة ذلك غير النيّة وقرار قتل الحُسين بأي ثمن.

ثانياً: أخ الحسين غير الشقيق محمد إبن الحنفية

هذا رجل غريب غامض يُثير الحيرة في بعض تصرفاته حتى لكأنه ما كان أحد أبناء الإمام علي ولا كان أخاً للحسن والعباس والحسين. كان بعد استشهاد أبيه في الكوفة واستفراد معاوية بالسلطة كثير الزيارات للقاء معاوية في دمشق وأكيد ما كان هذا بخيلاً معه وما كان ليقصّر في المبالغة في إكرام هذا الزائر غير العادي. يزورغاصب سلطة أبيه وغادره في خدعة التحكيم ورفع المصاحف  أثناء حرب صفين بل وما كان مع باقي أهله في حين توجه الإمام علي إلى الكوفة في العراق. إذا كانت مصالح فأية مصالح وما طبيعتها تلك التي كانت تُزيّن لهذا الرجل صداقة معاوية وتمتينها وإدامتها؟ أرى أنَّ الفضل في ذلك لمعاوية نفسه الداهية البعيد النظر والمفكّر [الستراتيجي] الفذ. أقصد سعيه للتمهيد إلى تولية ابنه يزيد خليفةً على المسلمين من بعده وبعض هذا السعي هو كسب موالين له ولمشاريعه ولولده من بعده خاصة من بين بني هاشم والعباسيين والعلويين حتى يقول المؤرخون إنَّ إبن عباس كذلك كان كثير الزيارات لمعاوية. إبن الحنفية لم يغادر المدينة أو مكة مع أخيه الحسين حين غادرها وآل بيته ورجاله الموالون له. لم يرافق أخاه الحسين كما فعل أخوه العباس الذي قاتل حاملاً راية أخيه حتى استشهد وأولاده وقصّت كفّاه وحُزَّ رأسه. محمد ابن الحنفية هذا صديق معاوية كان كذلك موالياً لقاتل أخيه يزيد إبن معاوية فهل يصح الأخذ بشهادته وتبرئته يزيداً من دم الحسين ومن كان معه؟ شاهد مرتشٍ ضعيف الشخصية موضع جدل دجّنه معاوية بالمال والعطايا وأعده لهذا اليوم خصيصاً ليقول في يزيد ما يريد يزيدُ أنْ يُقالُ فيه: إنه برئ من دم الحسين إنما عبيد الله بن زياد هو المسؤول الأول والأخير!

ما قصد بعض الكتّاب العراقيين من نشر موضوعات ملتهبة حادة تفيدُ منها فئة طائفية معينة وتُثير غضب فئة طائفية أخرى والعراق يحترق بنيران الطائفية اليوم؟.

***

د. عدنان الظاهر

 10.10.2024

في المثقف اليوم