آراء
كريم المظفر: أمريكا تزيد الرهان على إطالة أمد الصراع الأوكراني
حفل نهاية الأسبوع الماضي بقرارات مهمة لمجلس النواب الأميركي، فبعد فوضى ونقاش مطول، ومشادات كلامية بين الجمهوريين والديمقراطيين أثناء التصويت على حزمة المساعدات لأوكرانيا، بسبب الأعلام الأوكرانية التي بدأ ممثلو الحزب الديمقراطي بالتلويح بها، وافق المجلس على مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، بقيمة 60.8 مليار دولار، وفي تصويت بين الحزبين، صوت 210 ديمقراطيين و101 جمهوري بنعم، بينما صوت 112 جمهوريًا ضده كما سمح بمصادرة الأصول الروسية، والتي يجب موافقة مجلس الشيوخ عليها، وبعد ذلك سيتم إرسالها إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن للتوقيع عليها، والسؤال هو ما الذي أقنع مجلس النواب باتخاذ قرار لصالح أوكرانيا؟ كيف يمكن أن ترد روسيا على مصادرة الأصول؟
وقالت شبكة "فوكس نيوز" إنه قرب نهاية التصويت، بدأ الديمقراطيون بالتلويح بالأعلام الأوكرانية، ولهذا السبب اتهمهم الجمهوري مارك مولينارو، الذي ترأس التصويت، بانتهاك البروتوكول،وأطلق اليساريون الهتافات عندما وصل توقيت التصويت إلى الصفر، وهو ما وبخهم مولينارو عليه، وقال إن التلويح بالأعلام مخالف للقواعد ووصفه بأنه "غير ملائم"، ورد عليه الديمقراطيون بالسخرية "، وأشارت إلى أن النائبة الجمهورية عن ولاية فلوريدا آنا بولينا لونا تقدمت إلى الميكروفون قائلة: "أنزلوا تلك الأعلام اللعينة"، مما أثار المزيد من ردود الفعل اللفظية من جانب الديمقراطيين.
وفي المجمل، ومنذ بداية العملية الروسية الخاصة، أرسلت الولايات المتحدة إلى أوكرانيا أسلحة ومعدات ومساعدات إنسانية وأنواع أخرى تبلغ قيمتها حوالي 111 مليار دولار، ومن إجمالي الحزمة الجديدة، سيتم استخدام حوالي 23 مليار دولار لتجديد الاحتياطيات العسكرية، و14 مليار دولار أخرى ستذهب إلى مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا، والتي بموجبها يشتري البنتاغون أنظمة أسلحة متقدمة للقوات المسلحة الأوكرانية مباشرة من مقاولي الدفاع الأميركيين .
كما سيتم تخصيص أكثر من 11 مليار دولار لتمويل العمليات العسكرية الأمريكية الحالية في المنطقة، وزيادة إمكانات القوات المسلحة الأوكرانية وتطوير التعاون بين المخابرات الأمريكية والأوكرانية، ويتم توفير حوالي 8 مليارات دولار أخرى للدعم غير العسكري، على سبيل المثال، مساعدة السلطات الأوكرانية في "الروتين"، بما في ذلك دفع الرواتب والمعاشات التقاعدية، ومن الجدير بالذكر أن 10 مليارات دولار من إجمالي الحزمة، تم تعريفها على أنها قرض قابل للسداد، تم ذلك لإقناع بعض الجمهوريين بقبول الوثيقة، وسينظر مجلس الشيوخ في مشروع القانون يوم الثلاثاء وسيجري عدة تصويتات أولية بعد الظهر، ومن المقرر أن تظهر النسخة النهائية للقانون بحلول نهاية الأسبوع المقبل، وسيتم إرسالها إلى رئيس البيت الأبيض للتوقيع عليها.
وقد حذر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مؤخرا، من أن بلاده "ستخسر الحرب" دون مساعدة الولايات المتحدة، وأعرب الآن عن امتنانه لجميع مؤيدي المساعدات لكييف "وشخصيا لرئيس مجلس النواب مايك جونسون على القرار الذي يبقي التاريخ على المسار الصحيح"، في حين قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن الحزمة الجديدة تظهر "استمرار الدعم الحزبي" لكييف، وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إنه "بمثل هذا الدعم، تستطيع أوكرانيا أن تفوز، وسوف تفوز"، ومع ذلك، انتقد العديد من السياسيين الغربيين هذا القرار بشدة .
وفي المقابل هاجمت مارغوري تايلور غرين، المتشددة الجمهورية ضد كييف، جونسون على شبكات التواصل الاجتماعي، ووصفته بأنه "خائن" للولايات المتحدة، وأشارت إلى “أننا بحاجة إلى رئيس جديد لمجلس النواب”، بدورها قالت الجمهورية الأوكرانية فيكتوريا سبارتز، وهي من مواطني أوكرانيا، التي تعارض المساعدة أيضًا، "لا يوجد وعد بأمن الحدود الأمريكية في التصويت "، كما انتقدت حقيقة أن 13.8 مليار دولار فقط من إجمالي "الصندوق القذر" للمساعدات لأوكرانيا هي "نوع من المساعدة العسكرية المباشرة"، في حين أكد الملياردير الأمريكي المؤثر ديفيد ساكس، إن انهيار أوكرانيا لا يزال أمرا لا مفر منه، ويؤكد أن «61 مليار دولار هي الحد الأدنى للتخصيص السنوي للأموال في حرب جديدة لا نهاية لها»، واتفق معه إيلون ماسك، وقال: "إن خوفي الأكبر هو عدم وجود استراتيجية لإنهاء الصراع، فهي مجرد حرب لا نهاية لها".
وعلق الملياردير الأمريكي ديفيد ساكس على موافقة مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون حول تخصيص مساعدات إضافية لأوكرانيا، قائلا: "إن أوكرانيا ستنهار على كل حال"، وكتب على منصة "إكس": "مشاهد الاحتفال هذه ستبدو غبية بشكل خاص عندما تنهار أوكرانيا على أي حال، ويمكن للحكومة الفيدرالية طباعة المزيد من النقود، و(لكن) لا يمكنها ببساطة طباعة المزيد من قذائف المدفعية وصواريخ الدفاع الجوي"، وأضاف أن كييف ستحتاج إلى "ضخ نقدي سنوي ضخم" لمنع الهزيمة الكاملة، ولذلك فإن مبلغ 61 مليار دولار هو نقطة البداية للتخصيص السنوي للأموال "في حرب جديدة إلى الأبد"، وقال "انتبهوا إلى أن الحروب في العراق وأفغانستان بدأت أيضا بتمويل سنوي قدره 60 مليار دولار، وانتهت هذه الحروب بإنفاق تريليونات الدولارات".
أما في روسيا فقد أدانت السلطات الروسية بشدة المساعدات العسكرية الجديدة لكييف، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن تخصيص المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، يعد رعاية مباشرة للأنشطة الإرهابية، ووصف النائب الأول للممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي أوكرانيا بأنها "شركة عسكرية خاصة" مناهضة لروسيا، وقال إن الوضع لن يؤدي إلا إلى زيادة عدد الضحايا .
ووصف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف في قناته على تلغرام، القرار بأنه معادٍ للروس وتمنى للولايات المتحدة أن تغرق بسرعة في حرب أهلية جديدة، ستؤدي إلى انهيار البلاد، وأكد رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين من جانبه، إن الولايات المتحدة تجبر أوكرانيا على القتال حتى آخر أوكراني، وفي غضون ذلك كتب المدون الأوكراني المستقل أناتولي شاري، على قناته تلغرام، أن زيلينسكي قدم هذا باعتباره "نصرًا عظيمًا"، وأضاف: "الآن لن يتمكن زيلينسكي من القول: لقد خسرنا لأنكم لم تصوتوا"، فقد تم التصويت للحزمة الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ربما يكون الأخير.
ومع ذلك، أفادت رويترز، نقلاً عن مسؤول في البيت الأبيض لم يذكر اسمه، أن إدارة بايدن تضع اللمسات الأخيرة على حزمة المساعدات التالية لأوكرانيا حتى تتمكن من الإعلان عن شريحة جديدة من المساعدات بعد فترة وجيزة من أن يصبح مشروع القانون الحالي قانونًا، ومن الجدير بالذكر أن شرط إمدادات الأسلحة الجديدة إلى كييف من قبل دول الناتو كان اعتماد أوكرانيا لقانون صارم بشأن التعبئة لتعويض خسائر قواتها المسلحة، حسبما ذكرت تاس نقلاً عن مصدر دبلوماسي في بروكسل.
ووفقا للمراقبين فان الحزمة الجديدة لن تغير بشكل جذري مسار المنطقة العسكرية الشمالية أو عرقلة روسيا من تحقيق أهدافها النهائية لجميع الأهداف، فقد تم تخصيص المزيد من الأراضي لأوكرانيا منذ بداية المنطقة العسكرية الشمالية، لكن روسيا لا تزال تتقدم بثبات وتحرر المزيد والمزيد من الأراضي، وقال كونستانتين دولغوف، نائب رئيس لجنة مجلس الاتحاد للسياسة الاقتصادية، والنائب السابق للممثل الدائم للاتحاد الأوروبي، "لن يؤدي هذا إلا إلى إطالة أمد الصراع بشكل طفيف، والذي ستخسره أوكرانيا نفسها في المقام الأول، وسيظل مواطنوها في ساحة المعركة"، والجانب الثاني: لا شك أن جزءًا كبيرًا من هذه المساعدة سيبقى داخل الولايات المتحدة.
ولهذا السبب، دعم العديد من الجمهوريين هذه الحزمة في واقع الأمر، وهذه أوامر إضافية للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، للشركات الكبرى وموظفيها، الذين يحتاج الديمقراطيون إلى "تزويدهم" قبل الانتخابات الرئاسية من أجل محاولة إبقاء بايدن في منصبه، وسيتم "قطع" جزء من هذه المساعدة في واشنطن، والجزء الآخر في كييف، ولذلك من الناحية العملية، سيصل جزء صغير نسبيا إلى خط المواجهة، لكن في الواقع، لا يوجد شيء جيد في تخصيص المساعدة أيضًا، وهذا يظهر مرة أخرى أن الولايات المتحدة، تدعو إلى مزيد من المواجهة مع روسيا، ولهذا السبب على روسيا وكما يوضح دولغوف ان المساعدة مخصصة للعام ونصف العام المقبل، وقال وهذا يعني أنه خلال هذا الوقت تحتاج روسيا الى الإسراع في حل المهام العسكرية العملياتية في منطقة المنطقة العسكرية الشمالية، بطريقة تحييد تمامًا، تأثير توريد الأسلحة إلى القوات المسلحة لأوكرانيا.
أما بالنسبة للمصادرة المحتملة للأصول، فقد صوت مجلس النواب على مشروع قانون آخر، وهو سيسمح بمصادرة الأصول الروسية المجمدة في الولايات المتحدة لصالح أوكرانيا، والحديث هنا عن خمسة مليارات دولار، وصوت لصالح هذه المبادرة 360 عضوا في الكونجرس، فيما صوت 58 ضدها، وستكون الولايات المتحدة مسؤولة عن قرار مصادرة الممتلكات الروسية، وستتخذ موسكو إجراءات تلبي مصالحها دون حد زمني، كما وعد السكرتير الصحفي الرئاسي ديمتري بيسكوف، وقد اعتبرت موسكو هذه الخطوة بأنها لصوصية اقتصادية من جانب الولايات المتحدة، وقد تم بالفعل اتخاذ إجراءات انتقامية فيما يتعلق بأصول الشركات الأمريكية والغربية الأخرى في روسيا، وسترد موسكو بالتأكيد بشكل كاف وهادف، في حين أكد السيناتور "أحذركم: الأعمال الغربية بالتأكيد لن تستفيد من هذا الوضع".
والمتتبع للوضع الحالي، فإنه في كلا الحزبين الأمريكيين، الأغلبية في أيدي أشخاص يخشون أن التهديد بحدوث كارثة جيوسياسية يخيم بالفعل على أوكرانيا ونظام زيلينسكي، ولا يمكن الاحتفاظ بها إلا بدفعات جديدة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن التهديد بحدوث كارثة جيوسياسية واسعة النطاق يلوح في الأفق فوق الولايات المتحدة على ثلاث جبهات، أوكرانيا، و"إسرائيل"، وتايوان، وأوضح فلاديمير فاسيلييف، كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن هذا هو السبب وراء الجمع بين هذه الحالات لمنع مشاريع السياسة الخارجية لواشنطن من الانهيار، وفي هذه الحالة، أصبح الوضع السياسي الداخلي رهينة للسياسة الخارجية .
وإذا تمكنت الولايات المتحدة على الأقل من الحفاظ على موقفها أو تحسينه على الجبهات الثلاث، فإن ذلك سيمنح إدارة بايدن ورقة رابحة قوية للغاية في الانتخابات، وأن الديمقراطيين يعتزمون الانتقال مرة أخرى إلى البيت الأبيض هذا الخريف، ولهذا السبب لن يتخلى الغرب عن أوكرانيا، على الأقل ليس الآن، ولسنا متأكدين من وجود خطط لتقديم دعم هائل، أو محاولات لدفع القوات الروسية إلى العودة إلى داخل حدود أوكرانيا عام 1991، ولكن من الواضح أن ضخ الأموال النقدية سوف يستمر، بالإضافة إلى ذلك، يتعين على روسيا ان تكون مستعدة لتوسيع المشاركة الغربية في المواجهة مع روسيا، وأنه ليس من قبيل الصدفة أنهم يزيدون عدد المدربين العسكريين في أوكرانيا.
***
بقلم الدكتور كريم المظفر