آراء

عبد الامير الركابي: اسرائيل المهزومة.. لماذا ومتى وكيف؟ (4)

تعني النطقية ـ وان المتاخرة ـ اليوم، تجاوز القصورية العقلية البشرية المرافقه لحالة وحدود الادراكية المتاحة للعقل بعد وثبته الاولى الموصولة  مع الانتصاب على قائمتين، وبالتحديد بازاء المسالة المجتمعية ومنطوياتها، ومن ثم آليات ومستهدفات الوجود البشري. ولامن شك بان اخطر واهم  مظاهر القصورية المنوه عنها قد حصل ابان الانتقال الاوربي الحديث الى الالة، يوم كشف العقل الاوربي الاحادي الارضوي عن عجزه  وتدني حدود ادراكيته امام الانقلابية المستجده، فظل قاصرا، ولم  يتمكن من مجاراتها او التعرف على  آلياتها ومنطوى حضورها على مستوى الكينونه والبنيه المجتمعية.

ولكي نتوقف عند نموذج صارخ وجلي متداول على اوسع نطاق ممكن، نستعرض الماركسية بموقفها  من المسالة المجتمعية  في حينه، مع الانقلاب الالي المسمى بالبرجوازي، فماركس الذي تعرف على مفهوم "صراع الطبقات" كما جرى تاسيسة قبله بقليل، ذهب الى القول جازما بان " تاريخ المجتمعات ماهو الا تاريخ صراع طبقات"، وهو هنا ارتكب من  حيث لايدري خطئا جوهريا، لانه اعتمد بسذاجة نوعا من المجتمعات بذاته ليعممه على غيره، فماكان  له ان ياخذ بالولادة والتشكل الحاصل في حينه،  بحيث ينتبه مثلا الى كون "المجتمعات" التي يتحدث عنها هي مجتمعات يدوية سابقة، وانها نتاج تفاعية ( الكائن البشري/ البيئة)، العنصران الاساسيان اللذان في غمرتهما تشكلت المجتمعية، ومنها الطبقية  ابان الطور اليدوي من التاريخ المجتمعي، الامر الذي ماعاد قائما بعد اليوم مع انبثاق الالة العنصر الثالث المختلف نوعا، والحال على الثنائية التشكلية البشرية البيئية الموروثة من خارجها،  بما يعني حتمية بدء الذهاب الى "مجتمعية اخرى".

من هنا كان ينبغي اولا وقبل كل شيء التوقف وقتها عند النظر للمجتمعات وعلاقتها بالاله بدل الطنطنه عن "صراع الطبقات"، و "المادية التاريخيه"، والمراحل الخمسة، التي هي مجرد تخيلات توهمية تخلط بين ماض لم يعد له وجود ماديا منذ الساعه، وحاضر اخذ بالتشكل والولادة من هنا فصاعدا،  حيث الطبقات وغيرها من اشكال ونمطيات المجتمعات اليدوية تصبح من الماضي، في الوقت الذي نكون فيه بحاجة الى تركيز النظر على عملية التشكل المجتمعي الثاني الالي، بعد ذلك الابتدائي اليدوي الاول  ومااستغرقه في حينه من عشرات القرون من التفاعلية، قبل ان يستقر على الصيغة التي استقر عليها ضمن اشتراطات (التجمع + انتاج الغذاء)، ولايمكن بالطبع اليوم  تجاهل ماتعنية الالة وحضورها بالنسبة للطبقات المتبقية من الطور الماضي بالغائها لها، وموقف كل طرف منها،  بالاخص وان الوسيلة الجديدة من نوع تغييري، ويمكن ان يؤثر في البنية المجتمعية ويحورها بعل الكائن البشري، وهذا ماقد حصل وصار اساسيا في فعل ومجهود الطبقات المختلفة بعد الالة وحضورها،  وعلى حسب مامتوفر للقوى المختلفة من قدرات اصلية او مكتسبة، او مايقع عليها من عبء وخسارة.

وبناء عليه فان شيئا اساسيا اخر سوف يطمس بالمناسبه التوهمية الارضوية الاوربية بمواجهة التبلورية المجتمعية الثانيه الالية، تلك هي المروية التشكلية المشار اليها بمراحلها وحقبها ومتغيراتها، الامر المتوقع، بما ان شخصا مثل "ماركس" يبني صرح نظريته الكبرى على موضوعة هي بالاحرى وساعة يفعل مايفعله تكون قد بدات بالزوال من الوجود، فلا صراع طبقات مع الالة، بل اصطراع بنيوي تشكلي بين العنصر الفاعل الجديد والبنى الموروثة المجتمعية اليدوية كما كانت قد تشكلت وغدت راسخة خلال الطور الزمني التاريخي اليدوي على طوله، مع ماينبغي توقعه من مقاومتها للطاريء الانقلابي، ومايتولد عنه والحالة هذه  من اشتراطات وديناميات شاملة تنال بالتغيير لا المجتمعات الموروثة وحدها،  بل مايقابلها ويتصارع معها لاجل تغيير ها بنيويا، اي الالة نفسها.

وهنا يمكن ان نعثر على شيء من العذر لماركس وغيره، بما انه كان منغمسا بالصيغة الاولى من صيغ "الاله" بحالتها "المصنعية" غير النهائية، لكن الاقرب لليدوية، والتي تؤجج احتدامية اصطراعية غامرة مع تجسيد مضطرب بين زمنين ونوعين للطبقات، وبالذات منها العاملة "البروليتاريا" وقتها، من بين اشكال وعوامل الاصطراعية الناشئة، يراها ماركس اخذه الى الاشتراكية و "الشيوعية"، بما انه لايستطيع رؤية  تبدل حوافزها الفعلية ووجهتها، وماينتج عنها،  متوقفا عند عتبة الماضي المجتمعي،  وقد ظن انه اكتشف اخطر دينامياته اليوم في الوقت الذي تكون فيه الاليات الفاعله والناظمه للعملية التاريخيه المجتنمعية قد تبدلت وانقلبت بما يلغي ماسبق وينهي الياته البدائية المقتصرة على البيئة ومفعولها، وماقد تولد عنها من نمطيات مجتمعية من بينها "الطبقية" التي هي من الماضي، ولم تعد فعاليتها قائمة بعد اليوم، ولا استمراها.

تتراجع حدة الاصطراعية الطبقية عند مفتتح ظهور الالة هي وكل اشكال التنظيم المجتمعي اليدوي  وموروثاته مع الانتقال الى شبه المجتمعية المفقسة خارج رحم التاريخ، مجتعية الفكرة والالة الامريكية الامبراطورية  الرسالية التوهيمه حكما، ومايلحق بها من اسقاطات ابراهيمة منقضية الضرورة، مختلطة بالتوهمية الغربية الحديثة، بينما الاصطراعية اليدوية تنتقل وفقا لاشتراطات التشكل القاري الامريكي خارج المصنعية الى الطور الالي الثاني، "التكنولوجي الانتاجي" والعولمة الاقتصادية القاصرة  العاجزة عن الانتقال الى مابعد كيانيوية دولتيه، بما هي الضرورة الحالة على المجتمعات البشرية مع الاله وتحوراتها الذاهبة من الارضوية الجسدية الحاجاتيه، الى المجتمعية العقلية المتعدية للجسدية مع توفر اسباب تحققها على مستوى وسيلة الانتاج.

ومن البديهي ازاء حال تحولي من هذا القبيل ان تظل التفارقية الادراكية المادية الواقعية سارية، مع انها تصل عند لحظة بعينها لما من شانه اجبار العقل على التخلص الضروري، وان الاولي من وطاة وهيمنه المنظور الارضوي الاحادي الراسخ،  بما في ذلك صيغته المتاخرة الحداثوية الاوربية، وتلعب هنا تراكمات التجربة التاريخيه وتفاعليتها دورا اساسا، مع اننا يجب من ناحية اخرى ان  نتحرى عما يمكن ان يكون كامنا بين تضاعيف العملية المجتمعية التاريخيه، اليدوية على وجه التحديد، واذا كانت منطوية على مايشير الى الحصيلة النهائية  التحولية العظمى نحوالوثبة العقلية الثانيه بعد تلك الاولى المنتهية الفعالية، مايتطلب اعادة نظر من نوع مختلف الى الظاهرة المجتمعية، كانت القصورية العقلية تمنع مقاربتها حاجبة اياهاعن الادراكية،  بما هي ازدواجية وثنائية النوع المجتمعي الابتدائي (الارضوية / اللاارضوية)، وحضورها  الكوني غير المعاين ولا المدرك على طول المسار التفاعلي التاريخ المجتمعي.

تتبلور الظاهرة المجتمعية مبتدأ في ارض سومر "لاارضوية" منطوية على  النزوع لمغادرة الكوكب الارضي سماويا عقليا، بالتحرر العقلي من الجسد ومقتضياته، واذ لاتتحقق في حينه لنقص في اسباب الانتقالية العظمى المادية "وسيلة الانتاج العقلي"، ومستوى الادراكية المتعدية للقصورية الارضوية "الانسايوانيه"، فانها توجد وتظل قائمة كتعبيرية لاارضوية  تكتمل بالنبوية الحدسية بصيغتها الابراهيمه التي تتوقف فعالية وضرورة عند الختام النبوي الجزيري المحمدي، لينفتح الافق من يومها للا ارضوية "العلّية السببية"، الموقوفة على الانقلاب الالي، المنطوي على "وسيلة الانتاج العقلية"، التكنولوجية الثالثة، مابعد الانتاجوية،  واحتدامية الاصطراعية الارضوية اللاارضوية، وصولا الى النطقية التاريخيه العظمى، حين ينقلب مسار التاريخ المجتمعي البشري تحوليا.

***

عبد الامير الركابي

 

في المثقف اليوم