نصوص أدبية
سعد غلام: عَوْدَةٌ إِلَى الأَرْضِ
ا. [سُؤَالُ الأَرْضِ]
الأَرْضُ لَا تَفْرِقُ بَيْنَ الزَّائِرِ وَالجُثَّةِ،
تَفْتحُ صَدْرًا لِمَنْ يَسْقُطُ في حَافَاتِها
لَكِنَّهَا-قَبْلَ الإِغْلَاقِ-تَهْمِسُ سِرًّا:
"هَلْ عِشْتَ؟ هَلْ كَتَبْتَ؟ هَلْ نَبَضْتَ؟"
فَإِنْ قُلْتَ "نَعَمْ" قَبِلَتْكَ وَلَدًا مِنْ تُرَابِها،
وَإِنْ صَمَتَّ دَفَنَتْكَ غَرِيبًا فِي دَارِ الغُرَباءِ
أَجْري عَلى ظَهْرِها بِأَثَرِ قَلمٍ مُتَّقِدٍ،
وأَكْتُبُ: "عِشْتُ... كَتَبْتُ... نَبَضْتُ..." ثَلاثاً،
حَتَّى يَنْشقَّ التُّرَابُ وَيُقَبِّلَ جَبْهَتي،
وَيَقُولَ: "اِرْقُدْ... فَقَدْ صِرْتَ حُلْمًا في حُلْمي"
وَأَعْلَمُ أَنَّ الأَرْضَ لَيْستْ تُرَابًا فَقَطْ،
بَلْ صَدْرٌ يَحْمِلُ أَسْمَاءً تَنْبُضُ: اسْمِي... وَاسْمَكِ... وَاسْمَ مَنْ أَحَبَّ
**
ب-[تُرَابي]
أَحْمِلُ تُرَابي عَلَى كَتِفي... كَأَنَّني أَحْمِلُ وَجْهي
أَمْشي عَلى الأَرْضِ، فَأَتْرُكُ أَثَرًا... وَاسْمًا... وَرَعْشَةً
وَكُلَّمَا لَامَسَتْ قَدَمي تُرَابًا فَاحَ مِنْهُ عُودُ الرُّوحِ،
فَأَعْلَمُ أَنَّني لَمْ أَرْحَلْ: بَلْ رَجَعْتُ إِلَى أَصْلي
أَرْسُمُ عَلى التُّرَابِ وَجْهًا بِلَا وَجْهٍ،
وَاسْمًا بِلَا اسْمٍ،
وَقَلْبًا بِلَا قَلْبٍ-
فَيَنْبُضُ التُّرَابُ... وَيَنْطِقُ التُّرَابُ... وَيَصِيرُ التُّرَابُ أَنَا
**
ج- [عَوْدَةٌ دُونَ جَوَاز]
أَعُودُ إِلَى الأَرْضِ... لَا جَوَازَ فِي جَيْبي،
وَلَا اسْمَ فِي كَشْفِ الْعَدَدِ
أَقِفُ أَمَامَها... أُقَبِّلُها... أُعَانِقُها... أُبْكِيها،
وَأَقُولُ: "أَنَا لَسْتُ عَابِرًا... أَنَا مِنْكِ... مِنْكِ"
فَتَنْشَقُّ الأَرْضُ... وَأَمْضي،
وَأَعْلَمُ أَنَّني لَمْ أَعْبُرْهَا-بَلْ عَبَرْتُ خَوْفي
وَأَصِيرُ أَنَا الأَرْضَ... وَأَصِيرُ التُّرَابَ... وَأَصِيرُ الكَلِمةَ
**
د- [الأَرْضُ تَكْتُبُني]
الأَرْضُ تَكْتُبُني عَلَى صَدْرِهَا:
بِدَمِي... بِدُمُوعي... بِكَلِمَاتي
تَكْتُبُني ثُمَّ تَمْحُوني...
تَكْتُبُني ثُمَّ تَمْحُوني...
كَأَنَّني حَرْفٌ لَا يُرْضِيها،
فَأُغَيِّرُ مِنْ هَيْئَتي...
فَأُصْبِحُ حَرْفًا آخَرَ... فَتُرَابًا آخَرَ
وَأَدْري أَنَّني لَسْتُ أَنَا-
بَلْ أَنَا الأَرْضُ الَّتي تَكْتُبُني،
فَإِذَا كَتَبْتُ-صِرْتُ أَنَا،
وَإِذَا صِرْتُ أَنَا-اِنْطَفَأَتِ الأَرْضُ
**
هـ - [الكَلِمةُ تُولَدُ مِنْ تُرَابٍ]
أُوقِدُ تُرَابًا، أُنَفِّخُ فِيهِ،
فَيَنْبُثِقُ حَرْفٌ يَرْتَجِفُ كَنَبْضٍ بَاكِرٍ
أَضَعُهُ عَلَى الوَرَقَةِ البَيْضَاءِ-
فَتَبْكِي... ثُمَّ تَبْتَسِمُ... ثُمَّ تَحْتَضِنُهُ
أُحَاوِلُ أَنْ أَكْتُبَ اسْمَكِ،
فَأَجِدُ أَنَّهُ نَبْضٌ لَيْسَ يُسَمَّى
فَأَكْتُبُ النَّبْضَةَ... فَتَكْبُرُ...
فَتَصِيرُ قَصِيدَةً... فَتَصِيرُكِ
وَأَدْرِي أَنَّ التُّرَابَ لَمْ يَمُتْ،
بَلْ كَانَ يَنامُ فِي جَنْبي،
فَأَسْتَيْقِظُ لَهُ... فَيَهْمِسُ:
"أَنَا هُنَا... أَنَا هُنَا... أَنَا هُنَا"
فَأُصْبِحُ أَنَا التُّرابَ.. وَأُصْبِحُ النَّبْضَةَ.. وَأُصْبِحُ أَنْتِ
**
و- كُودَا
[حُلْمُ التُّرَابِ الأَخير]
فِي آخِرِ التُّرَابِ.. تَنْبُتُ كَلِمةٌ تُشْبِهُني،
تُصَعِّدُني فِي هَوَاءِ الأَرْضِ كَأَنَّني حُلْمٌ يَسْتَيْقِظُ
وَكُلَّمَا سَقَطْتُ-رَفَعَتْني نَبْضَةٌ تَعْرِفُ طَرِيقَها،
وَكُلَّمَا انْطَفأْتُ-أَضَاءَ في التُّرَابِ اسْمي
حَتَّى أَرَى:
أَنَّ التُّرَابَ لَمْ يَكُنْ تُرَابًا،
بَلْ رُوحًا تُشَارِكُني اسْمي،
وَتَحْمِلُني-في آخِرِ الحُلْمِ-إِلَى أَوَّلِ الأَرْضِ
***
د. سعد غلام






