نصوص أدبية

‏ نسرين إبراهيم: بعد ألف ليلة وليلة

الليلة الأولى بعد الألف – الحسناء ذات الضفائر المضيئة

لمّا انقضت الألف ليلة وليلة، التفت شهريار إلى شهرزاد وقال:

يا شهرزاد، لقد أحييتِ قلبي بحكاياتك، وفتحتِ لي أبواب عالم الخيال بعد أن كنتُ أسير الدماء والظنون، فحدثيني عن تلك الحسناء الجميلة، التي أسرت قلوب الملوك والأمراء، وبأنها فاقتك بالحكايات، والحكمة والدهاء...

ابتسمت شهرزاد بعينين تحملان سرًّا، وقالت:

يُحكى – أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد – الحسناء جميلة الجميلات، تروي من القصص ما يفوق ليالينا. يا مولاي، هذه الحسناء ليست كغيرها من النساء، لها ضفائر طويلة تتدلى كالأنهار المضيئة في الليل، تشع نورًا يملأ الأزقة والحدائق، كأن السماء نفسها تهبط إلى الأرض وتشعها نورًا.

في تلك الضفائر، سرّ الخلود مخبوء… ومن يجرؤ على أخذ خصلة قبل طلوع الفجر، يُمنح حياة أطول وذكاءً وحكمة وقوة تفوق الوصف، لكن حين يطلع ضوء الشمس، يذوب السحر، وتصبح الضفائر عادية، ويزول أثر الخلود.

تابعت شهرزاد:

كانت هذه الفتاة تعيش في مدينة عظيمة، رجالها يحرسونها ويحافظون عليها، يعلمون أن خير مدينتهم يتدفق من ضفائرها المضيئة، وعندما تخرج بين الأزقة، يرون نورها يتلوّن على الأرصفة، فيشعر كل قلب بالفرح والأمل، ويعرف الجميع أن الخير قد تجسّد في شكلها.

ثم قالت شهرزاد بخفّة وحزن خفي:

إن الملوك يتقدمون لخطبتها، لا لجمالها، ولا لحكمتها ولا لنسبها… بل ليأخذوا خصلة من ضفائرها قبل طلوع الفجر، فلا يسمعوا حكمتها، ولا يستمعوا لحكاياتها، ويذهب سر الخلود معهم، وكل محاولة من هذا النوع تؤذيها، وتنطفئ معها ضفائرها المضيئة، وينحسر الخير عن المدينة، عندها يحزن رجال المدينة لحزنها، ويحزن كل من يعرفها، لأن حال المدينة مرآة لقلبها، وكل سعادة كانت تمنحها تُفقد.

ثم أمالت شهرزاد رأسها وقالت:

وهكذا يا مولاي، كل ليلة تصبح اختبارًا: من يحمي سرّها ويقدّر نورها، ومن يطمع فيه…

ضحكت شهرزاد بخفّة، وقالت:

يا مولاي، هذه الفتاة تحمل بين ضفائرها مملكة كاملة، لكن سرها العظيم، لم يسمعه أحد بعد…

فقال شهريار بدهشة:

ويحهم من الملوك! أيكون في الأرض ما يفوق جبروتي، عجبًا؟ إذن احكي يا شهرزاد، فما زلتُ عطشانًا إلى الكلام.

وهكذا ابتدأت شهرزاد لياليها المضيئة…

***

د. نسرين ابراهيم الشمري

 

في نصوص اليوم