نصوص أدبية

فتحي مهذب: فشلت كثيرا في اعتقال الأنا

ملء مرتفعاته الجبلية

بغيوم كثيفة من اللامبالاة

باغتيال حراسه السريين بدم بارد

نهب كنوزه

والهروب من مقاطعته النائية

على دراجة من القش

لأباطن أنوات مغايرة

وأكتشف حركات الأشياء

في المحيط الواسع من العالم.

*****

وداعا أيها الصيف القاتل

أيتها النهود الثرثارة

المليئة بالدموع والنوستالجيا

أيها القارب المتوحش

حامل الأميرة إلى غابة السماء

أيها البحر

أيها الماهر في إخفاء القتلى

يا دموع الأسماك المتلألئة

وداعا أيها الصيف

أيها اللصوص المختفون

تحت جلد العجوز

أيتها الساعات العمياء

التي ترتمي تحت جذعي

تدفع عربة الشيخوخة

إلى الإسطبل

تجيء وتمضي محملة بالأكفان

وداعا أيها الصيف القاتل

لم تترك غير حيتان نافقة

على ساحل القلق

موتاك كثر

ينبحون في الحديقة المجاورة

بيننا الفراغ الأشيب يلوح للمارة

من بعيد.

**

أنا أحب الويسكي كثيرا

الهمبرقر وشطائر البطاطس

أحب أمطار الموسيقى العابرة

وأنا أصطحب جثة متعفنة

داخل المصعد لعشاء الأطباء

أحب رائحة  المستشفيات

أدوات الجراحة الدقيقة

عيون المنتحرين الصافية جدا

إيقاع الخطوات الضائعة في قاع الدماغ

أحب رقصة السالس

وأدعي أني مقاتل جيد لنهديك المتآمرين

أنا الفارس الشركسي

أعبر القارات المنسية

أحشو مسدسي بالرصاص الحي

لا أحب أن يتبعني أحد

لا السحرة ولا العميان

سأحرس المستقبل

من عضة الكوبرا

من سارقي شواهد القبور

من المحرفين الجدد لسيرة الهدهد

أنا أحب فاكهة المتناقضات

الأبله الذي يسقط في المرآة

قبل أن يغمض صوته الضرير

النساء اللواتي يحملن من الأشباح

يختفين في النصوص الحزينة

أنا لا أحب الخريف

الرياح التي تعول مع المشردين

الأشجار التي تتكلم خلسة

لا تفكر في سلسلة الجرائم

سرقات الحطابين المكرورة

في بؤس موتها القدري

أنا أحب المشارح جدا

الجثث التي حملتها بيدي

وعضتني في عز النوم

الممرضات وهن يحملن جبلا

من العذاب اليومي

أحب الملائكة واللعب معها

في أرجوحة السماء

أحب الله كذلك

رغم غموضه الفلسفي

وعدم تدخله في شؤون العالم

رغم مناداتي له

ألف مليون مرة

في المبغى مع الجنيات والأبالسة

في دار الأوبرا

بجوار المقابر الجماعية

تحت شباك جارتي المسنة

في الباص المنذور إلى موت مفاجىء.

أحب معاشرة المستحيل

وطرد الأنا من البيت مثل طفل شرير.

***

فتحي مهذب تونس

في نصوص اليوم