نصوص أدبية

عقيل العبود: دار المسنين

أمضى عشرين يوما من عمره في دار العجزة ذلك بعد أن فقد قدرته على المشي، أما اليدين فكانتا تتحركان كما حركة ساقه اليمنى، ما زالت ذاكرته مبتلة بالأحداث مثل تربة تساقط المطر عليها دون أن تجف، ابتدأ يومه الأول بقراءة رواية ل همنغواي، وكان بطل الرواية يعيش في داخله مثل قرين يحثه على التحدي، لم يكن في حينها يحب أن يحضر إلى دار المسنين لكن ابنه الأكبر وبحسب وصية من زوجته قرر أن يأتي به إلى ذلك المكان، بات المكان هادئا، وكانت الأيام تمر بلا ضجيج، لكن العم أبو(م) لم يكن يروق له أن يرى نفسه هكذا عاجزا، فقد كانت عربته الإلكترونية تسير به من مكان إلى مكان، وكان يقصد محطة القطار عندما يود أن يذهب إلى وسط المدينة عند البحر ليرى الناس والأشياء حية تمضي بطريقة تحثه على التفاعل حتى مع السفن والزوارق تلك التي تتحرك وسط المحيط، وما أجمل منظر المساء عندما تهبط الشمس عند الضفة الثانية لتبشر بصباح جديد في مكان وزاوية أخرى من هذا العالم، بقي الرجل بحاجة إلى من يخرجه من هذا المكان، حتى لو اقتضى الأمر أن يزج نفسه في مكان ليته يجد عملا يتمكن منه مقابل أن يعيش حرا طليقا، انصرف ذات مساء إلى الصلاة وكانت الرغبة في داخله تتوهج لمغادرة الدار بأي ثمن كان حتى ولو اقتضى الأمر أن ينام في الشارع على الرصيف، صار شريط الذكريات ينساب في مخيلته مثل مقاطع فلم سينمائي، لا زالت تلك الأيام التي كان فيها موظفا في إحدى المكاتب الحسابية، ولا زالت ربطة العنق التي كان يرتديها حيث داعبته ذات يوم أصابع موظفة كانت تعمل معه وهي تحاول مجاملته بطريقة تليق بأناقته المعهودة، صارت دموعه تتساقط دون إرادة، وراح يدعو بلهفة أن يتحرر من قيود المكان والزمان، هاتفَ صديق له كان قد سافر قبل فترة إلى دولة أخرى، تحدث إليه لعله يحقق ضالته المنشودة راح يحكي معه دون توقف وكأنه يريد أن يصرخ بوجه الزمن الذي أطاح به، اختلطت ساعات المساء مع الغروب، خفتت المصابيح، تساقطت بعض أغصان الشجرة القريبة من النافذة، هطل المطر بعد أن أحاط الليل بآخر ما تبقى للرجل من أنفاس، ليغادر السرير مصطحبا معه آخر ما تبقى له من كلام.

***

عقيل العبود/ سان دييغو

 

في نصوص اليوم