نصوص أدبية

سنية عبد عون: وضاع العمر

حين يخفق القلب.. على المفاهيم ان تتغير

لم يكن بالحسبان ما تعانيه تلك الشابة.. كانت تبتسم للفجر وتغازل أحلام صباها.. لإشراقة شمس جديدة.. تسمع همس السواقي وحفيف الشجر.. ومباركة ملائكة، يحملون ومضة البشرى.. ليبدأ الانسان بإصلاح مكنونات حياته..

تلك الرمانة الملتاعة بوردها الاحمر تخاف عليه من شحة الماء واهمال الزارعين..

تخاف ان ينفد الحب في هذه الأرض ويتوج (هولاكو) جديد فتسجل خسارات أخرى جديدة.. ويعطل النماء..

***

يحتلان ركنا هادئا داخل حديقة عامة مليئة بالأشجار الباسقة والورود النادرة التي تبث روائحا منعشة توحي أجوائها براحة للنفس تطل على شواطئ نهر الفرات.. يتهامسان في حالة من الاندماج الروحي في أمسية نيسانية عذبة.. تتقاذف نسيمات الهواء أطراف شالها الأزرق بلون السماء والمتلائم مع لون قميصها وحقيبتها.. تحمل رياح الشاطئ برودتها المنعشة لروحيهما.. فاللقاء يضفي جماله على المكان والزمان

تهمس مع نفسها لا ندري ما نمر به ان كان حلما أو حقيقة.. ولماذا يحترق العشب الأخضر.. ولماذا تضن الغيمة بالغيث وبالندى..

بدأ الشاب يدير دفة الحديث بينما تخفض الفتاة رأسها وتشعر بخفقان قلبها.. فرحتها تغازل أنجما تتراقص في رحاب مخيلتها الفتية.. فكل شيء يوحي بالهدوء والجمال.. يتسامى حبهما رغم التيار ورغم غضب اهلها ورفضهم القاطع لهذا الشاب منذ سنين وها هما في انتظار ما تؤول اليه العقول المتحجرة

يقلب الشاب بهاتفه النقال لكنه لم يستطع ان يركز على موضوع معين فعاد ينظر اليها وأسئلة كثيرة تدور برأسه لكنه يحاول ان لا ينتزع فرحتها في تلك اللحظة

يحسدان عصفورين يبنيان عشهما وسط شجرة توت عملاقة تتدلى أغصانها على نوافذ الأبنية المجاورة..

لكن الشاب وجد نفسه يتطرق لذات الموضوع الذي يدعوهما للقلق والحيرة في مصير علاقتهما وموقف أهلها المتزمت.. أخذت الفتاة تهز قدمها اليمنى بانفعال دون ان تتلفظ بكلمة واحدة.. وتمسح وجهها بمنديلها الابيض وكأنها تتمنى ان تستدعي زورقا لتبحر فيه مع من تحب بعيدا عن أعين المتسلطين.. كانت تقلب صفحات كتاب دون ان تقرأ منه شيئا..

الفتاة بنبرة حزن عميق وعلينا ان نبذل أقصى الجهود لنجعلهم يعدلون عن أفكارهم الخاطئة لانفصالنا.. وقد لاحظ الشاب محاولتها ان تجعل ملامح وجهها أكثر تفاؤلا.. وقد بدا الجمال الإلهي واضحا على ملامح وجهها الأسمر.. ثم قالت والألم يعتصر روحها.. فعلا انه لأمر فظيع ان أرى بحرا من الجهل يجرف سنابل القمح.. انها بلا ريب قضيتي وقضيتك.. وسنواجه مواقفا صعبة للغاية..

بلهجة حادة قال الشاب.. أتمنى ان أعرف سببا واحدا مقنعا لرفض أسرتك.. لإتمام مراسم الزواج.. ومن المدهش حقا انهم أعلنوا قرارهم الجائر لأسباب لا أعرفها..

اذن بماذا يفكرون.. نعم لم أجرؤ ان أتخيل ذلك المصير الذي يواجهنا.. لذلك أشعر بوحشة الدرب وشلالا من الفوضى في كل الدروب.. !!!

الفتاة.. تتأوه ثم تأخذ نفسا عميقا بحسرة وألم وقد تملكها شيء من الخوف.. أتمنى ان يمنحنا الله الارادة وقوة الحجة حين نحاول الحوار معهم.. ثم أخذت تتمتم بكلمات غير مفهومة فربما تكون دعاء..

وبصوت خفيض قالت.. للأسف أقولها لك انها.. انها (الطائفية المقيتة) التي حمى وطيسها في الآونة الاخيرة.. ونحن قرابينها بلا ثمن.. شئنا أم أبينا لا ذنب لنا سوى وحشية الزمن الذي نعيش..

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

في نصوص اليوم