شهادات ومذكرات

عبد السلام فاروق: جمال حمدان.. عبقري جاد به الزمان

في ذكرى مولد العالم الجغرافي المصري العبقري "جمال حمدان"، نستحضر إرثًا علميًا وفكريًا استثنائيًا ترك بصمة عميقة في مجال الجغرافيا والدراسات الإستراتيجية. حيث يُعد حمدان أحد أبرز المفكرين العرب في القرن العشرين، قدم تحليلات جغرافية وسياسية عميقة ساهمت في فهم طبيعة العلاقة بين الإنسان والمكان، وتأثير الجغرافيا على التاريخ والحضارة.

جمال محمود صالح حمدان المولود في 4 فبراير 1928 في محافظة القليوبية. تخرج من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1948، وحصل على درجة الماجستير في الجغرافيا عام 1951. ثم سافر إلى بريطانيا ليكمل دراسته العليا، حيث حصل على الدكتوراه من جامعة ريدنج عام 1953. عُرف حمدان بذكائه الحاد وقدرته الفريدة على الربط بين الجغرافيا والتاريخ والسياسة والاقتصاد.

ألّف جمال حمدان العديد من الكتب والمقالات التي تُعد مراجع أساسية في مجال الجغرافيا البشرية والسياسية. من أبرز أعماله:

1. شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان

يُعد هذا الكتاب من أهم أعمال حمدان، حيث قدم فيه تحليلًا شاملاً لشخصية مصر الجغرافية والتاريخية، مؤكدًا على تفرد موقعها ودورها الحضاري عبر العصور.

2. اليهود أنثروبولوجيًا

في هذا الكتاب، قدم حمدان دراسة نقدية حول اليهود من منظور أنثروبولوجي وتاريخي، متحديًا العديد من الأفكار الشائعة حول الهوية اليهودية.

3. استراتيجية الاستعمار والتحرير

تناول حمدان في هذا العمل دور الجغرافيا في تشكيل الاستراتيجيات الاستعمارية وحركات التحرير، مع التركيز على العالم العربي.

4. العالم الإسلامي المعاصر

قدم فيه تحليلًا جغرافيًا وسياسيًا للعالم الإسلامي، مع التركيز على التحديات التي تواجهه في العصر الحديث.

تميز جمال حمدان برؤيته الثاقبة التي تجاوزت النظرة التقليدية للجغرافيا كعلم يدرس التضاريس والمناخ فقط. فقد رأى أن الجغرافيا هي علم التفاعل بين الإنسان وبيئته، وأنها تلعب دورًا محوريًا في تشكيل الحضارات والمجتمعات. كما أشار إلى أهمية فهم الخصائص الجغرافية للدول في تحديد سياساتها الخارجية والداخلية.

توفي جمال حمدان في 17 أبريل 1993 في ظروف غامضة، تاركًا وراءه إرثًا علميًا غنيًا لا يزال يُدرس ويُستفاد منه حتى اليوم. تُعتبر أعماله مرجعية أساسية للباحثين في مجالات الجغرافيا والسياسة والتاريخ.

في ذكراه، نذكر جمال حمدان ليس فقط كعالم جغرافي، ولكن كمفكر استطاع أن يربط بين العلم والحياة، وبين الجغرافيا والمصير الإنساني. لقد كان رائدًا في مجاله، وأثبت أن الجغرافيا ليست مجرد خرائط وتضاريس، بل هي علم الحياة نفسها.

منهجه العلمي:

تميز جمال حمدان بمنهجية علمية دقيقة تجمع بين الجغرافيا الطبيعية والبشرية، مع التركيز على التفاعل بين الإنسان وبيئته. كان يؤمن بأن الجغرافيا ليست مجرد دراسة للأماكن، بل هي علم يفسر العلاقات المعقدة بين الإنسان والطبيعة والتاريخ. كما كان لديه قدرة فريدة على الربط بين الأحداث التاريخية والتحولات السياسية والجغرافية.

إسهاماته الفكرية:

التركيز على الهوية المصرية: قدم حمدان رؤية عميقة لتشكيل الهوية المصرية، معتبرًا أن الجغرافيا هي العامل الأساسي في تشكيل هذه الهوية.

نقد الاستعمار والصهيونية: كان حمدان من أبرز المفكرين الذين انتقدوا الاستعمار الغربي والصهيونية، معتمدًا على تحليل جغرافي وسياسي دقيق.

رؤية استشرافية: تميزت أعماله برؤية استشرافية للمستقبل، حيث تنبأ ببعض التحديات التي تواجه العالم العربي والإسلامي.

على الرغم من أن جمال حمدان لم يحظَ بالشهرة الكافية في حياته، إلا أن أعماله أصبحت مراجع أساسية في الدراسات الجغرافية والسياسية بعد وفاته. تُرجمت بعض كتبه إلى لغات أجنبية، وأصبحت موضوعًا للدراسة في الجامعات العربية والعالمية. يُعتبر حمدان نموذجًا للمفكر الموسوعي الذي جمع بين العلم والفكر النقدي.

جمال حمدان لم يكن مجرد جغرافي، بل كان مفكرًا استراتيجيًا استطاع أن يربط بين الجغرافيا والتاريخ والسياسة في رؤية متكاملة. تُعد أعماله إضافة قيمة للمكتبة العربية والعالمية، وتظل مصدر إلهام للباحثين والمفكرين الذين يسعون لفهم العالم من منظور جغرافي شامل.

***

د. عبد السلام فاروق

 

في المثقف اليوم