شهادات ومذكرات
محمد محضار: الإعلامي والمسرحي رشيد جبوج
مسار نضالي وإبداعي حافل
انتقل مؤخرا إلى دار البقاء الأستاذ رشيد جبوج، وهو واحد من بين رواد مسرح الهواة بالمغرب خلال سبعينيات القرن الماضي، بدأ نشاطه المسرحي مؤلفا وممثلا في عدد من الفرق بمدينة فاس ك"المسرح الضاحك" و"جمعية الأمل" ومن الأعمال التي شارك في تشخيصها نذكر مسرحية “حزيران شهادة ميلاد” بمدينة فاس.
كما أنه كان مناضلا نقابيا في الاتحاد المغربي للشغل، ومناضلا سياسيا في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وفي الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأخيرا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وقد دفع كغيره من أبناء جيله ضريبة النضال من صحته وحياته الخاصة.
انتقل الأستاذ رشيد جبوج من فاس إلى مدينة الرباط ليشتغل في جريدة أنوال لسان حزب منظمة العمل الدمقراطي كرئيس للقسم الثقافي ثم رئيسا للتحرير، واستطاع أن يمد جسور التواصل مع عدد كبير من الأدباء والمبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي بالمغرب وأغلب الدول العربية، ويؤسس لمرحلة زاهية من العطاء الأدبي والفكري في مرحلة ملتهبة سياسيا واجتماعيا بالمغرب ميزتها عدة محطات نضالية دعت إليها التنظيمات النقابية والسياسية بالمغرب كإضراب سنة 1979م وإضراب 1981م.
في سنة 1992م التحق بوزارة الثقافة كأستاذ بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وما برح أن تم تكليفه بإدارة المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، وكان له دور فعال في إنجاح كل الدورات التي أشرف عليها، ورغم إحالته على التقاعد ظل حاضرا بقوة في المشهد الثقافي الوطني والعربي.
يقول الكاتب الجزائري واسيني لعرج في تدوينه له نشرها على صفحته بالفيس بوك ينعي فيها رشيد جبوج:
"وداعا عزيزي رشيد
فقدانك مؤلم. خسارة موجعة.
توفي صباح اليوم الأربعاء بالمستشفى العسكري بالرباط، الصحفي والمسرحي الصديق الجميل رشيد جبوج. 69 سنة، ليست إلا عمرا للمزيد من الإنتاج والتمايز. يعتبر رشيد جبوج من أهم الشخصيات الثقافية والإعلامية المغاربية. وهو واحد من الشخصيات المسرحية البارزة، بالخصوص مسرح الهواة بالمغرب.
صداقتي برشيد بدأت منذ الثمانينيات وكان قد التحق بجريدة «أنوال» ليصبح سكرتير التحرير فيها. كنت في مؤتمر ثقافي بمدينة أگادير صادف إنهاء القطيعة بين الجزائر والمغرب في نهاية الثمانينيات. وخلال عودتي إلى الجزائر مررت على الدار البيضاء والرباط وزرت الكاتب عبد القادر الشاوي في سجن القنيطرة برفقة الإعلامية والمثقفة ليلى الشافعي. في الرباط التقيت لأول مرة بالصديق رشيد جبوج الذي منحني كتابا كبيرا شمل أعدادا كثيرة من جريدة «أنوال». منذ تلك اللحظة لم تنقطع العلاقة مع رشيد في المغرب والجزائر والبلاد العربية. وكان دائما إنسانا جميلا ومحاورا هادئا.
تعازي الخالصة لوالديه وزوجته وعائلته كافة.
لروحه الرحمة والسلام".
أما رفيقه في النضال طالع السعود الأطلسي فقد حرص على إلقاء كلمة تأبينيه خلال مراسيم دفنه بالمحمدية قال فيها:
أخي ورفيقي وزميلي رشيد، تشاركنا الحياة لحوالي 55 سنة، أزيد من نصف قرن، هي حياة، روضنا خيالاتنا فيها على اختراق براري الفرح وعلى اجتياز فيافي الألم، ولم نتخيل قط أنفسنا في مثل هذا الوضع، أنت مسجى تطل على روابي النأي إلى ما وراء الأفق، وأنا أمامك وأنت تنفلت مني، بينما يشتد علي وجع لسعات الفراق..كنا طوال هذا العمر المشترك، والزاخر بالأحلام، الأمنيات، الانتصارات، المباهج، الانكسارات والآلام، كنا نرتشف الحياة بكل عذوبتها، ونحلي مرارتها بدفقات الأمل والتفاؤل، وهي التي كانت من صميم إرادتنا ومن جوهر ثقافتنا، لم يكن لنا متسع ولم نكن مستعدين كي نفسح للموت أي انحشار في خيالاتنا..
أخي ورفيقي رشيد، اليوم لا ندفنك، أنت عصي على الدفن، نعم، أتعبك الجسد وضقت به، وها قد تخلصت منه، وحررت روحك من الحجر الجسدي، لتحلق في تلك الفضاءات التي نسجتها، بين ذويك وأقربائك، من عائلتك، من أصدقائك ومن رفاقك، فضاءات المحبة بك، معك، ولك. نحن الآن، إنما، نغرسك في تربة وطنك، نغرسك نبتة " جبوجية "، والتي بها تثمر دوحات وهي فواحات بعطور الأمل، ومثمرات بكل ما يحفز على العمل.. القيم التي اهتديت بها في حياتك، وصنتها، هي حية ولا تدفن.. ذكريات حيويتك، حيث ما كنت لا تموت ولا تطمر، إسهاماتك في المتعدد من انخراطك في السعي الوطني العام للتقدم.. وقد كنت مناضلا نقابيا في الاتحاد المغربي للشغل، مناضلا سياسيا في 23 مارس، في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، في الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأخيرا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.. مبدعا مسرحيا، مؤلفا وممثلا..صحفيا في جريدة "أنوال".. وفاعلا في إدارة المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء.. كل تلك المجهودات، وتلك المنجزات، لا يمكن دفنها، وغير قابلة للمحو ولن يطالها غبار النسيان..
أراك الآن وأنت تنفلت من قبرك، كنت تكره الضيق وتنفر من العتمات، كنت تحب الحياة، وتتلذذ نشواتها، عبر أناقة تعاطيك معها. كان الفرح عقيدتك، به تمارس إنسانيتك وبه تعقمها، لك ولمن هم حواليك.. والأهم، بذلك الفرح تحيا وطنيتك.. الوطن عندك فرح ومحبة وانشراح وألق. الوطن يستأثر اليوم بجسدك ويخبئه في ثراه، ويزودك بطاقات الانصهار في المجرى الخالد والمتدفق للذاكرة الوطنية..
طوبى لك، أبناؤك الثلاثة، يونس، الطيب وهاجر، يحمدون لك اليوم ودائما أنك نحثتهم بإزميل النجاح، وشحنتهم بقدرة العطاء السخي لوطنهم.. رفيقة حياتك، أختنا الكاتبة بديعة الراضي، تلهج بالامتنان لك على إسنادها بحرارة معنوياتك. طوبى لك، أمك راضية عليك وقد قابلت حنانها بدافئ برك بها وكل ذويك ورفاقك ومعارفك يتدفؤون اليوم، ضد صقيع الفقد، بتلك المحبة التي تواصلت بها معهم، وبما استودعتهم من جرعات ومقاطع من لطفك ومن فرحك..
لك منا قبلات العرفان وصادق مشاعر الامتنان.. اذهب وأنت تنساب مطمئنا إلى شساعة الخلود في ذاكرة الوفاء".
طالع السعود الأطلسي"
هذا مجرد غيض من فيض استعرضناه باقتضاب للحديث عن قامة إعلامية وثقافية رحلت عن عالمنا وخلفت حزنا عميق لدى مثقفي المغرب والعالم العربي.
***
محمد محضار