حوارات عامة

الأستاذة سهام حمودة تحاور الكاتب المصري مدحت شنن

من أرض الكنانة، حيث تُنسج أقوى الحكايات، يأتي الكاتب مدحت شنن ليُضيف إلى تراث مصر الأدبيّ صوتاً سردياً متميزاً. فمنذ نعومة أظفارنا، ألفنا سحر الكلمة المصرية التي تسكننا عبر عمالقة الأدب، وها هو شنن يخطو بثبات على دربهم، ليترك في كلّ بيتٍ - داخل مصر وخارجها - بصمةً ساحرةً من خلال أعماله التي تنبض بالواقعية والعمق، مثل: "الوهم"، و"ترنيمة آتون"، و"وادي الموت" وغيرها⸳ وفي هذا الحوار الأدبي، نتعمق أكثر في عالم الكاتب مدحت شنن الإبداعي، لنكتشفه أكثر⸳

سهام حمودة: الأستاذ مدحت شنن، في الحوارات التي تتناولك، هل تُفضِّل أن يُشار إليك كـكاتب أم حقوقي في ضوء عملك كمستشار قانوني؟ أم أن الصفتين متكافئتان لديك؟

مدحت شنن: أعتبرهما جناحين أُحلِّق بهما في فضاء واحد. حيث أن عملي كمحامٍ ومستشار قانوني أمدني بفيض من القصص الإنسانية التي أرها يوميا سواء في أروقة المحاكم أو التي تُعرض على في مكتبي. تلك القصص منحتني خبرة فريدة في التحليل والمواجهة، وأتاحت لي فهم الواقع الإنساني والاجتماعي من زاوية قانونية دقيقة، من خلال التعامل المباشر مع تفاصيل حياة الناس ومشاكلهم اليومية، فضلا على أن المحاماة وضعتني وجهًا لوجه مع أعماق التجربة الإنسانية، عُقدها وإشكالياتها وصراعاتها وأطماعها وآمالها. هذه المشاهد ليست باردة كما يراها القانون في نصوصه الجافة، لكنها مشبعة بالدماء والنبض والمشاعر، وهذا ما يغذي الجانب الأدبي داخلي⸳

أما الكتابة فهي متنفس الروح. والترجمة الحقيقية ليومياتي كمحامي، حيث أستثمر هذه الخبرة القانونية والإنسانية لأصوغ من خلالها نصوصًا تحمل بعدًا نفسيًا وفكريًا، وتأملًا في الطبيعة البشرية وصراعاتها. فحين أعود من عملي، مثقلًا بما رأيت من قصص إنسانية، أجد في القلم فرصة لترجمة هذه الخبرات إلى أدب يتجاوز الواقعة الفردية ليعكس همًّا إنسانيًّا أوسع. من هنا لا أستطيع أن أقول إنني أفضّل لقب "الكاتب" على "الحقوقي"، أو العكس؛ لأن كلًّا منهما يُكمل الآخر⸳

ويحضرني قول للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو أن: "الإنسان يولد حرًا، لكنه في كل مكان مقيد بقيوده". هذه الفكرة أجد صداها في عملي القانوني وفي كتاباتي الأدبية، حيث أسعى لفهم هذه القيود، سواء كانت اجتماعية أو قانونية، وكيف يمكن للفرد أن يجد مساحة للحرية والكرامة. لذلك، أرى أن الصفتين ليستا مجرد أدوار متساوية، بل هما منظومة واحدة تغذي بعضها البعض: القانون يمنحني الثراء القصصي وأدوات التحليل والمنطق، والأدب يمنحني القدرة على رؤية الإنسان بكل أبعاده النفسية والفكرية فضلا على ترجمة هذا الثراء في صور أدبية مختلفة سواء رواية أو قصة قصيرة أو نص مسرحي أو سينيمائي⸳

سهام حمودة: إذا كان الكاتب والحقوقي يشتركان في اعتبار الكلمة سلاحاً لهما، وشهدنا كيف يمكن للخبرة القانونية أن تثري النص الأدبي كما في حالة جون غريشام الذي أبدع في تحويل وقائع المحاكم إلى روايات مشوّقة، فلماذا إذن يظل الأدب القانوني العربي نادراً مقارنةً بنظيره الغربي؟ ما الذي يفسر هذه الفجوة في رأيكم؟

مدحت شنن: الفجوة بين الأدب القانوني الغربي ونظيره العربي ليست مسألة قدر أو نقص في الموهبة، بل هي نتاج عدة عوامل اجتماعية وثقافية وتاريخية. في الغرب، كانت المحاكم والتشريعات جزءًا من الحياة العامة منذ قرون، وأصبحت مادة خصبة للخيال الأدبي، كما في حالة جون غريشام الذي استطاع تحويل واقعات المحاكم إلى روايات مشوّقة تصل إلى الجمهور العريض. هناك تقدير واسع للقانون كجزء من الثقافة العامة، وهذا يفتح المجال للأدب القانوني ليزدهر⸳

أما في العالم العربي، فالقصص القانونية غالبًا ما تظل محصورة في إطار النصوص الأكاديمية أو المذكرات القضائية، والحديث عنها في شكل أدبي يواجه تحديات كبيرة، منها الحساسيات الاجتماعية والسياسية، والافتقار إلى ثقافة واسعة لتداول القضايا القانونية بين الجمهور العام، وكذلك ضعف التدريب الأدبي بين أصحاب الخبرة القانونية. كما قال الأديب المصري الكبير توفيق الحكيم: "إن الأدب مرآة المجتمع، فإذا كانت المرايا ضبابية فإن الانعكاس يظل مشوشًا"؛ وهذا ينطبق على علاقتنا بالقانون والأدب في الوقت ذاته⸳

وفي رأيي، الجسر بين القانون والأدب في العالم العربي موجود، لكنه يحتاج إلى إرادة ثقافية لتقديم القضايا القانونية في سياق إنساني وفكري، وليس مجرد سرد للوقائع. فالكتابة القانونية الأدبية ليست مجرد سرد للقانون، بل هي محاولة لفهم الإنسان داخل منظومة العدالة، وإعطاء صوت لمن لا صوت له⸳

سهام حمودة: بين ثلاث أدوار للكاتب: محرّك للتغيير كما في أعمال ديستويفسكي التي تستفزّ القارئ لتأمّل أعماقه، أو كاشف للقبح كتشومسكي حين يفضح آلية السلطة، أو مُلبٍّ لاحتياجات الجمهور كخيال علمي يعالج هواجس العصر — أيّها ترى أنه الأجدر بالكتابة الجادّة؟

مدحت شنن: أرى أن الكاتب الجاد لا يمكن أن يقتصر على دور واحد فقط، فالأدب في جوهره مساحة متعددة الأبعاد، تجمع بين التحريك والتأمل، وبين كشف القبح وبين تلبية فضول القارئ واحتياجاته الفكرية. ومن وجهة نظري الشخصية أن هذه الأدوار تدور في إطار الواقعية. الواقعية في الطرح والحل ولا مانع من الخيال الذي قد يكون مستقبله حقيقة. لكون الخيال من جنس الواقع⸳

وبالتالي فالكاتب النموذج في نظري يجمع بين الأدوار الثلاثة، فهو مثل ديستويفسكي، يحرك أعماق القارئ ويستفزه للتأمل في النفس الإنسانية والصراعات الأخلاقية، وفي الوقت نفسه، يفعل كما يفعل تشومسكي، واعيًا للقوى التي تشكل المجتمع، وأن يفضح آليات السلطة والظلم. وأيضًا، تلبية حاجات الجمهور ليست مجرد تسلية، بل هي وسيلة لإيصال أفكار جادة عبر سرد جذاب، كما في بعض أعمال الخيال العلمي التي تعكس مخاوف العصر وتفتح النقاش حول المستقبل⸳

وبالتالي فإن التكامل بين الأدوار الثلاثة هو أمر جوهري وضروري، وهو ما أكده الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو حين قال: "أن الأدب الحقيقي هو مقاومة للعبث، وهو محاولة لفهم الإنسان في مواجهة ما يهدد وجوده". وبالتالي فإن الأديب الجاد هو من يقدر أن يوازن بين تحريك الفكر، وكشف الحقائق، وخلق نصوص تصل إلى وجدان القارئ، لتصبح الكتابة قوة مزدوجة تؤثر في المجتمع والفرد في آن واحد⸳

سهام حمودة: يتميّز الكاتب مدحت شنن بتنقّله الماهر بين أنواع الكتابة الإبداعية، كما في روايته "الوهم" التي تدمج بين العناصر البوليسية، النفسية، الاجتماعية، السياسية، وحتى الفلسفية. برأيك، هل يجب على الكاتب الجيد أن يُتقنَ كافة أنواع الكتابة الإبداعية، أم يكفي أن يُبدعَ في نوعٍ واحدٍ فقط؟

مدحت شنن: في رأيي، إتقان الكاتب لكافة أنواع الكتابة الإبداعية ليس شرطًا للجودة، لكنه بلا شك يمنحه قدرا كبيرا من التميز، والوصول لذلك يحتاج امتلاك الكاتب لأدوات جوهرية مثل القراءات المتعددة في المجالات المختلفة فضلا على القدرة اللغوية في الصياغة والتعبير عن الفكرة من خلال امتلاكه لمفردات ثرية وجميلة⸳

والكاتب الجيد يجب أن يعرف حدود قوته ونقاط تميزه، ويبدأ بالإبداع في النوع الذي يجد نفسه فيه، لكنه في الوقت نفسه لا يجب أن يغلق الباب أمام التجربة والتنوع⸳

كما قال الأديب الروسي ليو تولستوي: "الفن ليس معرفة كل شيء، بل القدرة على رؤية شيء واحد بعمق"؛ وهذا يفسر أن الإبداع الحقيقي يأتي من التعمق في تجربة محددة، مع الانفتاح على أدوات وأنماط أخرى لتوسيع مدارك النصوص وتنوعها. في روايتي "الوهم"، حاولت الدمج بين البوليسي والاجتماعي والفلسفي ليس لمجرد تعدد الأنواع، بل لأن الحياة نفسها متعددة الأبعاد، والإنسان في صراعه الداخلي والخارجي يحتاج إلى نصوص تعكس هذا التنوع⸳

سهام حمودة: في عصر العولمة الأدبية، هل يُعتبر إتقان الكاتب للغاتٍ عالميةٍ كالإنجليزية أو الإسبانية شرطًا أساسيًا لاختراق الحدود والوصول إلى قراء جُدد، أم أن تميُّز النصّ الأدبي كافٍ ليجذب المترجمين ويصبح رسالةً عالميةً دون حاجةٍ إلى الكتابة بلغاتٍ أخرى؟

مدحت شنن: أعتقد أن تميّز النص الأدبي يظل العامل الأهم في جعله عالميًا. اللغة وسيلة، وليست غاية؛ فالقصة التي تحمل رؤى إنسانية صادقة وصراعات عميقة قادرة على الانطلاق واختراق الحدود حيث تصل إلى القارئ أينما كان، كما قال الكاتب الياباني هاروكي موراكامي: "القصص الجيدة تجد قارئها مهما كانت اللغة التي كُتبت بها⸳"

غير أن إتقان لغات عالمية هي ميزة تضاف للكاتب حيث تمنحه قدرة على التواصل المباشر مع جمهور أوسع والتغريد خارج السرب⸳

لكن هذه الميزة ليست شرطا أساسيا في ظل وجود مترجمون مبدعون يسدون هذا النقص لاسيما وأنهم قادرون على نقل روح وفكر الكاتب للآخر. وهو ما يجعل النص يتحول إلى رسالة عالمية بفضل المؤلف والمترجم. في النهاية، ما يجذب القارئ في أي مكان هو صدق التجربة الإنسانية داخل النص، وعمق الفكر والرؤية، وليس اللغة وحدها⸳

سهام حمودة: إلى أي مدى يمكن اعتبار الجوائز الأدبية المحلية كدرع نادي القصة الذي حصل عليه مدحت شنن، جسراً للانتشار العالمي، مقارنةً بدور الترجمة أو الجوائز الدولية؟ وهل تكفي الجوائز المحلية لصناعة شهرة عابرة للحدود دون وجود آليات دعم أخرى؟

مدحت شنن: الجوائز الأدبية المحلية مهمة جدًا لأنها تمنح الكاتب اعترافًا بقيمته الفنية وتشجيعًا للاستمرار، وتشبه بمثابة الشرارة الأولى التي تضيء طريق الانتشار. وهو الأمر الذي حدث بمجرد حصولي جائزة درع نادي القصة؛ فقد كانت تقديرًا لجهودي ومكسبًا معنويًا مهمًا، لكنها في حد ذاتها لا تكفي لصناعة شهرة عالمية. ذلك لأن الانتشار خارج الحدود يحتاج إلى عناصر أخرى: الترجمة الماهرة، وجود ناشر دولي مهتم، المشاركة في مهرجانات أدبية عالمية، وحتى التفاعل مع القراء عبر المنصات الرقمية. كما يقول الكاتب الفرنسي مارك ليبارد: "الجوائز تصنع الأسماء محليًا، لكن الترجمة تصنعها عالميًا"؛ وهذا يوضح أن الجوائز المحلية هي بداية الطريق، لكنها ليست نهاية الرحلة، بل هي جسر يمكن أن يؤدي إلى آفاق أوسع إذا رافقها دعم مؤسسي وثقافي مناسب⸳

سهام حمودة: كيف تفسر أن بعض الفائزين بجوائز عربية مرموقة مثل كاتب ياسين ظلوا مجهولين عالميًا رغم فوزهم، بينما انتشر آخرون كأمين معلوف عبر الترجمة أولاً؟

مدحت شنن: الجوائز مهمة كاعتراف بالجهد والإبداع، لكنها بدون ترجمة ونشر عالمي تصبح إشارات محلية، بينما الترجمة تحول النص إلى رسالة تصل إلى القراء أينما كانوا. ذلك لأن الأدب الذي لا يُقرأ خارج حدوده يبقى كظل على الجدار. تلك الحقيقة هي التي تفسر هذا التناقض وتعكس دور الترجمة والانتشار المؤسسي المهم بالمقارنة بالجوائز وحدها. لأن الترجمة هي الجسر الذي يحول الجوائز المحلية إلى شهرة عالمية. وهو ما يفسر بقاء كاتب ياسين -رغم جودته وفوزه بجوائز عربية مرموقة - مجهولًا عالميًا لأن أعماله لم تُترجم بشكل واسع أو لم تحظَ بدعم نشر دولي يتيح الوصول إلى القراء خارج الوطن العربي. وعلى العكس حظي أمين معلوف، بفرصة الترجمة المبكرة وبدعم الناشرين الدوليين، ما جعل نصوصه تتخطى الحدود وتصل إلى جمهور عالمي.

سهام حمودة: بعد مسيرة إبداعية حافلة مثل مسيرة مدحت شنن، والتي تزخر بإصدارات متنوعة بين الرواية والقصة، كيف يمكن للقارئ الناقد أن يُميّز بين مرحلة الإبداع المبكر (ما قبل النضج) ومرحلة النضج الفني؟ وهل تعتقد أن هناك أعمالاً مبكرة في مشوار أي كاتب -بما في ذلك شنن- تستحق إعادة الكتابة لو أتيحت له الفرصة؟ مع العلم أن أعمالاً مثل رواية "الوهم" تُعتبر علامة فارقة في مشواره، فما العوامل التي صنعت هذا التميّز: هل هي خبرة الكاتب الإنسانية المتراكمة، أم تطور أدواته الفنية.

مدحت شنن: تمييز مرحلة الإبداع المبكر عن مرحلة النضج الفني يعتمد غالبًا على العمق والاتساق والرؤية المتكاملة في النصوص. في الأعمال المبكرة، قد نجد أفكارًا رائعة ونبرة صادقة، لكنها أحيانًا تفتقد الانضباط الفني أو التماسك البنائي، بينما الأعمال الناضجة تعكس وعي الكاتب بتقنيات السرد، وتنوع أدواته وثرائها، وتظهر قدرته على المزج بين الفكرة والأسلوب والعمق الإنساني بشكل متقن.

بالنسبة لإعادة الكتابة، أرى أن كل كاتب، بما في ذلك أنا، ينظر إلى أعماله المبكرة بعين النقد والتأمل، وقد يرى أنه لو أتيحت له الفرصة لتطويرها، لكان قد أضاف لها عناصر أكثر قوة أو صقل أسلوبها. أو أتقن حبكتها، لكن، في الوقت نفسه، هذه الأعمال المبكرة جزء من رحلة النمو الفني، وهي التي تشكل الأساس لتجارب لاحقة مثل رواية "الوهم".

أما ما صنع تميّز "الوهم"، هو صدق التجربة، القائم على عاملين رئيسيين: الخبرة الإنسانية المتراكمة التي تمنحني القدرة على فهم الشخصيات وصراعاتها النفسية والاجتماعية، وتطور الأدوات الفنية من حيث بناء الحبكة، استخدام الرموز، والمزج بين العناصر البوليسية والنفسية والسياسية والفلسفية. هذه الخبرات، صعودًا وهبوطًا، هي التي صقلت قدراتي وجعلت من "الوهم" علامة فارقة في مساري الإبداعي.

سهام حمودة: إذا طُلب من شنن اختيار عمل واحد من إنتاجه لإعادة كتابته، أي عمل تظن أنه سيختار، ولماذا؟

مدحت شنن: لو طُلب مني اختيار عمل لإعادة كتابته، ربما أختار أحد أعمالي المبكرة التي كتبتها قبل أن أكتسب الخبرة الفنية والعمق الإنساني الذي أملكه اليوم. ليس لأن النص سيء، بل لأنني أرى فيه بذورًا لأفكار قوية لم تُستغل بالكامل بعد، وهناك مساحة لإعادة الصقل والبناء ليعكس رؤيتي الأدبية الحالية بشكل أفضل.

هذا يعني أن الكتابة تجربة مستمرة، مرنة ليست عصية على التطوير، والاستفادة من تراكم الخبرات وزخم التجارب. ومسألة التأمل في النصوص السابقة وإعادة صياغتها ليس مجرد تصحيح، بل هو تطوير للنضج الفني، وتجربة لإظهار ما كان يمكن أن يكون أفضل، مع الاحتفاظ بالروح الأصلية للعمل. وهذا الأمر مررت به في أكثر من عمل فقد سبق وأن أعدت صياغة مسرحية (منشار خسبون) وهي مسرحية ساخرة تعبر عن واقع القضية الفلسطينية. وكذلك أوبريت (القدس عربية) وأوبريت (سيناء أرض البطولات).

سهام حمودة: في ظل التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي (مثل ChatGPT وبرامج توليد النصوص)، هل تعتقد أن العالم سيستغني عن الكاتب البشري في المستقبل؟

مدحت شنن: الكتابة ليست مهنة بل طريقة حياة، وهذه الطريقة في الحياة لا يمكن أن تُنتج في معمل أو تُبرمج في خوارزمية. بل تصاغ من خلال الكاتب البشري الذي يمنح النص روحه، لأنه وحده من يعرف كيف يلتقط أنفاس الحياة في الكلمات⸳

لذلك أعتقد أن الذكاء الاصطناعي وإن كان سيلعب دورًا متزايدًا في تسريع إنتاج النصوص وتوليد الأفكار، لكنه لن يستغني عن الكاتب البشري. ذلك لأن الإبداع الأدبي ليس مجرد تركيب كلمات أو بناء حبكات، بل ملكة وتجربة إنسانية معيشة، ممتزجة بالمشاعر والتناقضات والجرح الداخلي والذاكرة الفردية والجمعية. هذه الطبقات الإنسانية لا يمكن لآلة أن تحاكيها بالكامل، حتى لو نجحت في تقليد الأسلوب أو اللغة. لكن ذلك لا يمنع من أن يصبح الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة للكاتب – كمنح أفكار أو تبسيط بحث أو تنظيم نص – لكنه لن يحلّ محل الكاتب الحقيقي الذي يعيش التجربة ويعيد صياغتها في نص حيّ⸳

سهام حمودة: كيف يُجيب الكاتب مدحت شنن على السؤال المتكرر: "كيف أكتب قصصًا جيدة؟" – خاصةً للكتّاب الصغار الذين يخطون أولى خطواتهم في عالم السرد؟

مدحت شنن: هناك عنصرا مفترضا أوليا وهو الموهبة بعدها تأتي مسألة تطويرها وصقلها من خلال القراءات المتعددة لكُتاب متنوعين، حتى يستطيع الكاتب هضم تلك القراءات والانفراد بأسلوبه. ونصيحتي للكتاب المبتدئين لا تتوقفوا عن الكتابة فالاستمرارية تمنح التطور والتجويد. والقراءات المتنوعة تمنح الثقافة والمخزون⸳

سهام حمودة: بهذا نختتم حوارنا مع الأستاذ مدحت شنن، الذي أتحفنا برؤى ثرية تفتح أبوابًا جديدة للتأمل. نترك لقرائنا متعة اكتشاف أعماله، وربما العثور على إجابات أخرى بين سطورها⸳

***

حوار ﺃدبي ﺃجرته الكاتبة التونسية سهام حمّودة

في المثقف اليوم