حوارات عامة
عائشة بنور.. صوت ملهم يعانق ثقافة الجزائر ويناضل من أجل المرأة

نساء رائدات في الوطن العربي
عائشة بنور: حاصلة على الجائــزة الأولى دوليــا في مسابقة أدب المرأة عن هيئة اتحاد الأدباء بالولايــات المتحدة الأمريكية ماي 2017. وتم تكريمها من قبل رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون.
س- نود التعرف على الكاتبة عائشة بنور من حيث المولد والنشأة،؟
- وللطفولة حكايات… من عام 1970 وفي ليلة مقمرة فتحت عيني والناس من حولي، ووجدت صبيانا ونساء في خيمة الشاعر الكبيرة، يصل مسامعي ثغاء الخرفان وصياح الديكة وخوار الثيران والطبيعة مزهوة بعطر الربيع وهو يكسو الأرض بحلة خضراء مزينة بألوان مختلفة من بديع السموات والأرض. رأيت النور في عائلة بنور التي تتنفس القرآن الكريم وترتله ترتيلا من الجد إلى الجد وتنتسب إلى جدي الولي الصالح سيدي الحاج بن عامر بن محمد (من الأشراف).
كانت الفرحة عارمة بالبنت البكر، “بختة” ذاك اسم أمي الذي تعرفه ناحية الغرب الجزائري كما تعرف الشمس كواكبها وتغنى به شعراء الشعر الملحون في قصائدهم.. وبنت “المختار” ذاك أبي الرجل الذي غمرني بحبه الفياض، ورجل القرآن الكريم بالوراثة، أهله يتنفسون القرآن من الأجداد إلى الأحفاد وحب الفروسية. أبي معلم قرآن في قرية فلاحية اشتراكية تسمى “المعمورة” (بولاية سعيدة، الجزائر) من عهد الرئيس الراحل هواري بومدين الذي أشرف على تدشينها سنة 1973م ووزع مفاتيح السعادة على السكان.
كان عمري ثلاث سنوات عندما كانت تصل مسامعي أصوات الصبيان وهم يرتلون القرآن ترتيلا، فينتعش وجداني وتشرئب روحي بسيمفونية الخلود ونغمات الوحي.. قرأت القرآن الكريم عند أبي في (الشريعة) والشريعة هو اسم المداس القرآنية في الناحية، كانت تلازمني لوحة ومدواة (قرطاس) وقلم قصبي بهما نقشت حروفي الأولى على صدر هذه اللوحة الخشبية ..كان يعجبني كثيرا رسم أبي لحروف القرآن وكتابتها في ألواحنا..وتعجبني تلك اللوحات المزينة بتشكيلة من الرموز والألوان والخطوط كلما يختم أحدنا ربع القرآن الكريم أو نصفه، وتكون الفرحة عارمة حينما تذهب مجموعة من الأولاد يجوبون البيوت وهم يحملون لواحاتهم المنقوشة على أنهم ختموا، فتقدم لهم الهدايا بكل فرح وسرور كحبات البيض أو السكر وقطع من النقود، دون أن ينسى المحتفل به تكريم شيخه بهدية رمزية تقديرا له، كما يحظى الحافظ نفسه بالتقدير والاحترام الكبير…الخ
وأكيد أن مرحلة النشأة قد أثرت على تكويني الفكري لأنني عشت في مجتمع منغلق خاصة في الأرياف والقرى، مجتمع مازال يخطو خطوات نحو التطور بعد الاستقلال لأن الجزائر في تلك المرحلة واجهت وضعا اقتصاديا واجتماعيا معقدا نتيجة للإرث الاستعماري الفرنسي، كما أن المجتمع كان يعيش تحولات على مستوى النظام الاجتماعي الأبوي الذي يرفض أن تتعلم فيه الفتاة، فتميزت هذه المرحلة الصعبة بالتحدي وبإصراري على مواجهة كل الصعاب ومساندة والدي ودعمه لي وفي الوقت نفسه مرحلة خصبة في تكويني المعرفي وبنشاطي الكثيف والمتميز في الدراسة خشية التعثر....كبرت وكبر معي حلم الطفولة يراقص خطواتي خطوة خطوة، وولجت عوالم المراحل الدراسية بأطوارها التي كانت مرحلة حاسمة في حياتي التعليمية ومنعطف إثبات الذات..
س- تُعد الطفولة الأساس الذي تُبنى عليه حياة الفرد، فما نزرعه فيها نحصده في الكِبَر. كيف أثرت هذه المرحلة التي نشأتِ فيها على تكوينك الفكري؟
- الطفولة... نبع الذاكرة الأول، الطفولة ليست مجرد مرحلة من العمر تمر فكل لحظة فيها تشكل جزءًا من شخصيتي، كانت طفولتي بسيطة تركت في إحساسًا دفينًا بالأمان مع والديَّ والحنين للأمكنة والتحدي من أجل مستقبل أفضل.. الطفولة ليست فقط ما عشته في صباي، بل ما لا يزال يعيش في داخلي من ذكريات، ويذكرني دائما بأن البراءة قوة، وأن الأحلام لا تُولد كبيرة، بل تكبر بنا، وما يتعلمه الطفل من والديه أو من بيئته يصبح جزءا من تكوينه، تكوين ذات إنسانية وكل لحظة منها تزرع في الذاكرة.
س- من الشخص الذي وقف بجانبك منذ البداية، وآمن بموهبتك ودعمك بكل ثقة دون تردد؟ وماذا تودي أن تقولي له؟
- أبي، يكفي أن أقول هو أبي وأنا ابنته المدللة.
س- هل كانت أسرتك تشجعك على تطوير موهبتك في الكتابة أم كانت رافضة لهذا الأمر؟
- في الحقيقة كان دور أبي وأمي هو متابعة دراستي ونجاحي، ويفرحون حينما يتابعون ما أنشره على صفحات الجرائد في الملاحق الثقافية وقتها.
س- ما أهم المواقف التي أثرت على كتاباتك؟
- المواقف كثيرة ومتعددة، والكاتبة لا تولد في عزلة من مجتمعها، وأنا مررت في حياتي بسلسلة من المواقف التي أثرت في مسيرتي الإبداعية لا يمكن حصرها أو التطرق لها في هذه العجالة سواء كانت في الطفولة أو باحتكاكي بكثير من النساء وسماع قصصهن، أمي، جدتي، نساء العائلة، الجارة، وغيرهن، لم يكنّ بالضرورة كاتبات، لكنهن كنّ ملهمات لي بالصمت، بالصبر الأنثوي الجميل أو حتى بالانكسار سواء من محيطي أو خارجه، كنّ يتحملن دون أن يشتكين، نساء كثيرات كنّ في الظل، ولكنهنّ أضأن لي طريقي. صحيح أنهن لا يعرفن القراءة والكتابة لكنهن كنّ مثاليات وعلمنني من خلال تجاربهن التي كنت أستنطقها من قصصهن و يومياتهن ومعاناتهن وصمودهن ومقاومتهن أن الكتابة التي أعشقها ليست حبرًا يزين الورق الأبيض فقط، بل وجعًا نبيلاً.
س- كيف استطعت تحقيق التوازن بين الحياة الأسرية والعملية؟
- تحقيق التوازن بينهما ليس بالأمر السهل، هناك أولويات يجب مراعاتها، كما أن تحقيق التوازن يتطلب الرضا ووعيًا وتنظيمًا للوقت ومرونة في التعامل والتنازل من أجل الأسرة...
المرأة، خاصة في مجتمعاتنا العربية، كثيرًا ما تجد نفسها مطالَبة بأن تكون "كل شيء في وقت واحد"، ولذلك ومن المهم أن يكون هناك وعي بالمسؤولية قبل كل شيء.
س- كيف يؤثر كون زوج الكاتبة عائشة بنور كاتبًا على حياتها الإبداعية؟
- نحن أسرة مبدعة، مولعة بالكتابة والبحث والقراءة، لدينا مؤسسة للتأليف والنشر (دار الحضارة) وبالتالي نحن مع الكتب يوميا، نؤسس لمشروع ثقافي على المدى البعيد، زوجي الأديب رابح خدوسي له أكثر من 60 مؤلفا، منوعة، سواء في الكتابة القصصية أو الروائية أو الدراسات التاريخية…الخ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كوننا مبدعان واهتماماتنا نفسها، نناقش أوضاعًا ثقافية، نناقش أفكارًا وحتى في كتاباتنا نتبادل الرؤى حولها وننقد بعضنا البعض قد يكون اختلافا وقد يكون توافقا، المهم أن هناك مناخ ثقافي، إبداعي، فكري، وكلانا يكمل الآخر…الخ
س- ما أبرز اللحظات التي تتذكرينها من مشاركاتك في الملتقيات الأدبية الدولية، وأي منها كان الأكثر تأثيرًا بالنسبة لك؟
- هي محطات كثيرة لا تنسى.. بصفة عامة كانت مشاركتي في الملتقيات الأدبية الدولية محطات جميلة لا تُنسى رفقة زوجي الأديب رابح خدوسي (باريس، المغرب، مصـر، الهنــد...) لأنها عمّقت إحساسي بأن الكلمة الصادقة قادرة على عبور الحدود والقلوب وأنني قبل كل شيء أمثل الجزائر ومحملة بذاكرة الوطن في كل محفل دولي، كما كنت أشعر بثقل الرسالة والمسؤولية وكذلك كصوت نسائي يكتب عن المرأة ومن أجل السلام عند توقيع أعمالي للمهتمين.
لحظات التأثير والتأثر كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
- زيارتي إلى الهند كضيفة الملتقى الدولي لمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي،حول تصوير الهند في الأدب العربي سنة (2020) وأبرز نقطة أثرت في اهتمامهم باللغة العربية وإصرارهم على تعلمها رغم الصعاب وتعلم الدين الإسلامي وربط العلاقات بين العرب...الخ.
- أما في مصر الحبيبة وأثناء حضوري المعرض الدولي للكتاب (48) بالقاهرة 2017، لتوقيع رواياتي " نساء في الجحيم-الأسيرة- " الطبعة الثانية، و" اعترافات امرأة " الطبعة الثالثة عن دار النخبة ( مصر).فقد حظيت بجلسة أدبية بمكتبة كتبخانة تحت إشراف الدكتور الأديب صالح شرف الدين وبحضور كوكبة من المثقفين والنقاد وهنا لا أنسى أبدا شهادة الدكتور والناقد الألمعي صالح شرف الدين من مصر قائلا لي: " أنه بكى وهو يقرأ روايتي " نساء في الجحيم- الأسيرة-".
س- كيف تؤثر الثقافة الجزائرية في كتاباتك، وهل تشعرين بأنك تمثلين صوتًا خاصًا لها؟
- الثقافة الجزائرية عريقة جدا وزاخرة بموروثها الثقافي المتنوع عبر مختلف أرجاء الوطن،فهي تمثل لي ذاكرة ضاربة بجذورها في التاريخ وقيمة تراثية تسكنني، وتنوع يغذي خيالي وخصوصية عميقة تميز كتاباتي ومادة خصبة أتكئ عليها في تشكيل عوالمي الروائية ممّا يجعل صوتي الأدبي متفردا ومتشبعا بالانتماء وتعززه.
س- في أعمالك الأدبية، حاولتِ تسليط الضوء على قضايا المرأة لذلك أود التطرق إلى:
- ما الأسباب التي دفعتك للاهتمام بقضايا المرأة؟
- منذ بداياتي، وجدتُ نفسي مشدودة إلى معاناة المرأة، لا كموضوع أدبي فقط، بل كهمّ إنساني وشخصي. رأيت في الطفولة وفي محيطي نساءً صابرات، مهمّشات، موهوبات صامتات، مقهورات، حقوقهن مسلوبة،عشتُ قضايا المرأة ليس من الخارج، بل من الداخل. كتبت من جرحها، من صمتها، من عنادها، ومن صمودها أيضاً.
حاولت أن أمنحها صوتا على الورق لأنها مثقلة بالأحلام وبالقيود،فاهتمامي بقضايا المرأة هو شكل من أشكال المقاومة، وسؤال مستمر عن العدالة، والكرامة، والاعتراف.
س- أذكري بعض من هذه الأعمال، وما الرسائل التي كنتِ تحاولي إيصالها حول تجارب النساء في المجتمع العربي؟
التزامي بقضايا المرأة لم يكن من موقع الشفقة بل من موقع الصدق الإنساني والوعي بالمعاناة المزدوجة التي تعيشها المرأة في المجتمع العربي: كأنثى، وكإنسانة داخل منظومة أفكار غالبًا ما تقيدها، كذلك هي صرخة في وجه الصمت والقهر الاجتماعي ومعاناتها من الحرب والإرهاب والفقر والجوع و..و..و...، فجاءت الروايات: اعترافات امرأة أو السوط والصدى أو نساء في الجحيم – الأسيرة- أو سقوط فارس الأحلام أو الزنجية وغيرها محملة بهذا الوجع ولتعرية هذا الألم. وكذلك مرآة لواقع عربي يحتاج إلى المصالحة مع نصفه المهمّش، وأن المرأة ليست هامشًا، بل هي الحياة ..
ورسالتي إلى كل النساء أقول أنتن الماجدات، صانعات خبز الحياة والعطاء الإنساني رغم كل شيء.
س- كيف يمكن للأعمال الأدبية أن تودي دورًا في إبراز معاناة المرأة العربية في مناطق النزاعات المسلحة، وهل يمكن أن تساهم في إيجاد حلول للتحديات التي تواجهها؟
- بطبيعة الحال أنها تؤدي دورا كبيرا، وهذا ما حاولت الاهتمام به في أعمالي الروائية من خلال تسليط الضوء على معاناتها في مختلف السياقات: القهر، العنف، التهميش والاستغلال من خلال صرخات البطلات في العمل الروائي وقد جسدت ذلك في رواياتي ( نساء في الجحيم- الأسيرة- أو الزنجية، السوط والصدى ( هذه الروايات صدرت في عدة طبعات عربية وترجمت إلى الفرنسية والانجليزية والاسبانية وبعض من قصصي إلى الايطالية والتركية.
الأدب يعري الواقع ولا يقدم حلولًا بل يحرك القلوب والضمائر ويحرك الوعي لدى القارئ، وهو بداية لتغيير حقيقي نحو تلك القضايا وفرصة لرؤية العالم من خلال تلك التجارب الإنسانية.
س- ما رأيك في تصنيف كتاباتك ضمن الأدب النسوي؟ هل تري أن هذا التصنيف ذو فائدة أم أن له سلبيات؟
- أرفض أن يحاصر الأدب في هذا الإطار الضيق وتحاصر الكاتبة في زاوية معينة، فالكتابة لا جنس لها، إنها إنسانية بالدرجة الأولى، تخص الرجل والمرأة، قد تصنف أعمالي في هذا الجانب لأنها تتناول قضايا المرأة التي تعكس همومها، نضالها وأسئلتها الوجودية، ومعركتها من أجل الكرامة، لكن هذا لا يعني أنها لا تبحث في جوهر الإنسان وفي التجربة البشرية بكل أبعادها الإنسانية .
أنا أكتب من منطلق إنسانيتي الطيبة التي فطرت عليها، كإنسانة تحمل في داخلها أنثى جزائرية، عربية، ذات ذاكرة وتجربة وليست كصوت معزول وبعنوان ضيق.
س- لقد حصلتِ على العديد من الجوائز والتكريمات، حدثينا عن أثر هذه الجوائز والتكريمات على الكاتبة عائشة بنور؟
جميل أن ينال الكاتب جائزة وأن يكرم لأنه ثمرة طبيعية لمسارٍ طويل (منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي) من الإبداع والتعب والصدق في الكتابة، ولأنها تشعرني بشيء من الطمأنينة وأن ما أكتبه يصل ويُحدث أثرًا في القارئ لأعمالي.
كل تكريم هو بمثابة اعتراف ومسؤولية تجاه نصوصي الإبداعية كما يعد انتصارًا للكلمة والتي تطالبني في الوقت نفسه بأن أظل وفية لرسالتي التي أؤديها من موقع صدق والتزام، كما منحتني الجوائز دفعة معنوية كبيرة، وعزّزت إيماني بأن الكلمة الصادقة لا تضيع، وأن الكتابة الهادفة لا تمرّ مرورًا عابرًا في ظل الفوضى بل تترك أثرها.
لكن يبقى التكريم الأكبر بالنسبة لي، هو عندما تأتيني رسالة تقدير أو أسمع من قارئة تقول لي:"رأيت نفسي في روايتك" سواء في الزنجية أو اعترافات امرأة أو السوط والصدى أو الأسيرة ...أو ...أو
كذلك من أجمل لحظات العرفان التي طبعت مسيرتي الأدبية، تكريمي من طرف السيّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون (2024) كامرأة متميزة نظير جهودي الإبداعية وهو ليس فقط تكريمًا لي كشخص، بل تقديرًا للأدب الجزائري النسوي ولصوت المرأة الكاتبة.
لقد كانت لحظة مؤثرة، شعرت فيها أن الوطن يحتضن من يكتب له ومن أجله.
كما تشرفت أيضًا بتكريم من ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود بدعوة كريمة ضمن ضيوف خادم الحرمين الشريفين لأداء العمرة وزيارة المدينة المنورة والمعالم الثقافية (2025).هذا التكريم بمثابة جسر ثقافي رائع، أثبت أن الكلمة النزيهة والصادقة قادرة على أن توحّدنا رغم اختلاف أوطاننا ولهجاتنا.
أضيفي إلى ذلك تكريمي بالجائـزة الدوليـة لرائــدات الأدب والإبداع بالهنــد (2020)..وغيرها من التكريمات والجوائز القديرة والتي أعتبرها محطات مهمة شكلت لي دفعة قوية للاستمرار، وأكدت لي أن الكتابة الملتزمة، حتى وإن تأخّر صداها فإنها تصل في النهاية إلى حيث يجب أن تُسمع.
س- لقد شاركتِ في عدة ملتقيات ومؤتمرات أدبية دولية، كيف ترين دور الأدب في تعزيز الحوار الثقافي بين الدول؟
- نحن في زمن تتقاطع فيه الثقافات وتتقارب فيه الشعوب رغم اختلافها وخاصة من خلال الوسائط التكنولوجية الحديثة التي كسرت البعد الجغرافي فأصبح بإمكان القارئ في أوربا أن يتعاطف مع نضال شعب عربي مثل الشعب الفلسطيني من خلال قراءة نص روائي أو سيرة ذاتية أو قصة لأنها تنقل وجدان وذاكرة جمعية، وبالتالي فإن الأدب هو جسر إنساني يتجاوز الحدود ويصبح الأدب أداة لفهم الآخر ونقل التجارب الإنسانية خاصة من خلال ترجمة الأعمال الأدبية إلى لغات أخرى وتعزيز قيم التسامح .
س- ما أبرز التحديات التي تواجه الكاتبات العربيات في العالم اليوم، وكيف يمكن التغلب عليها؟
- المرأة العربية تواجه الكثير من التحديات وفي مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة، وتختلف من بلد إلى آخر، لكنها تلتقي في جوهرها وهو البحث عن الاعتراف بإنسانيتها وحقوقها وبكرامتها التي حفظها لها الإسلام . والتغلب عليها يكون بالمعرفة والوعي والعلم والإرادة والصبر وأن تكون إنسانة مساهمة في بناء أسرتها ومجتمعها.
ورسالتي لكل امرأة عربية والمنتظر منها اليوم هو استيعاب الرهانات والتحولات العالمية وممارسة دورها بوعي وبنظرة مستقبلية تحافظ فيها على خصوصيتها الأنثوية وتتماشى مع عصرها والمحافظة على مقومات شخصيتها الحضارية وألّا تنقاد وراء ما يسلب أنوثتها وكرامتها وشخصيتها وأن تكون مؤثرة ايجابيا في مجتمعها.
س- ما أبرز الأعمال التي تعتبرينها علامة فارقة في مسيرتك الأدبية؟
- كل عمل إبداعي أشتغل عليه أكتبه بروح خاصة وظرف خاص، بدءا من روايتي "سقوط فارس الأحلام إلى الزنجية، لكن بعض هذه الأعمال شكّلت بالنسبة لي منعطفًا حقيقيا، أو لحظة انكشاف جديدة مع نفسي والكتابة.
أولًا: اعترافات امرأة:
هذه الرواية مكّنتني من الغوص في أعماق الذات الأنثوية، لا كضحية فقط، بل كقوة مقاومة، تفكر، وتشعر، وتنتفض، وقد لاقت صدى قويًا لدى القارئات والمهتمين بالأدب النسوي. والتي ترجمت إلى اللغة الفرنسية وصدرت في خمس طبعات عربية.
ثانيًا: "السوط والصدى"
هي صرخة ضد الصمت، وأعتبرها مرآة فاضحة لوجع المرأة الجزائرية وحتى العربية في زمن الإرهاب والتطرف. كتبتها بحسّ توثيقي وإنساني معًا، وصدرت في ثلاث طبعات عربية.
ثالثا: "نساء في الجحيم –الأسيرة-
هذه الرواية قرّبتني من قرّاء خارج الحدود، وترجمت إلى لغات أخرى( الانجليزية والإسبانية)، وهو ما فتح أمامي آفاقًا جديدة ككاتبة، وصدرت في أربع طبعات عربية.
رابعا: "الزنجية"
أعتبرها منعطفًا وخطوة نحو الأمام و أكثر اختزالًا وتركيزًا وتأثيراً لأنني كتبتها بعد فترة من الصمت والذي لم يكن صمتا عن واقع ووضع المرأة الإفريقية ومعاناتها، صدرت الرواية في ثلاث طبعات عربية وترجمت إلى الفرنسية وقريبا إلى الانجليزية.
س- ما الرواية الخاصة بك التي تشعري أنها الأقرب إلى قلبك ولماذا؟
- كل رواياتي هي جزء من روحي، والرواية التي أشعر أنها الأقرب إلى قلبي، والتي أعتبرها جزءًا من روحي، هي "نساء في الجحيم – الأسيرة- ليست فقط لأنها لاقت صدى واسعًا، أو لأنها تُرجمت وتناقلها القرّاء سواء داخل الوطن أو خارجه، بل لأنها تحكي نضال الشعب الجزائري والفلسطيني ووُلدت من جرح عميق وتجربة وطنية وإنسانية موجعة.
روايتي "نساء في الجحيم- الأسيرة- كان كل من يقرؤها يعتقد أن كاتبتها فلسطينية وأذكر هنا أن سعادة السفير الفلسطيني بالجزائر الأستاذ أمين مقبول قرأها على متن الطائرة لأنه وجدها في مكتب سابقه فأخذها معه وقرأها بالطائرة من عمان إلى الجزائر دون أن يبرح قراءتها، لما تركته فيه من أثر، وقد كان يظن هو أن صاحبتها فلسطينية وقد فاجأه الأديب أحمد ختاوي والشاعر رائد ناجي أثناء زيارتهما له أنني جزائرية وعبر لهم عن إعجابه الكبير بالرواية.
س- ما الأعمال الأدبية القادمة التي تعملي عليها، وهل هناك موضوعات جديدة تودي مناقشتها في أعمالك المستقبلية خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة؟
- بعد صدور روايتي "الزنجية" ولله الحمد والتي حققت صدى كبير في الوسط الثقافي لما تحمله من موضوعات إنسانية مهمة وعميقة وبُعد إفريقي زاخر وعريق، أنا أعكُف حاليا على مشروع رواية جديدة، هي بالنسبة لي الحلم الذي راودني منذ سنين للاشتغال عليه، وأكيد سوف يكون لهذا العمل الروائي الجديد صدى مثل كافة أعمالي الروائية السابقة كسقوط فارس الأحلام أو اعترافات امرأة أو السوط والصدى أو نساء في الجحيم، ليست كباقي النساء، الموءودة تسأل.. فمن يجيب؟ ….الخ، لأنه مهم لجميع القراء ومهم للقارئ الجزائري خاصة والعربي عامة أن يكتشف جزءًا من الذاكرة المنسية.
س- ما النصائح التي تودين تقديمها للكتاب الصاعدين لتحقيق النجاح والتميز والإبداع؟
- اكتبوا بصدق، اقرؤوا كثيرًا فالكتابة مسؤولية ورسالة وليست شهرة فقط، والنص الحقيقي لا يموت وما الروائع الأدبية التي تعتبر ذات قيمة فنية عالية وتأثير ثقافي كبير إلّا شاهدة على ذلك.
كلمة أخيرة:
- أتمنى أن يرى القارئ في نصوصي ومتخيلي الروائي الصورة الجمالية والإنسانية، فشكرا لكل من آمن بحرفي وشكرا للقارئ، لقارئ كتابات عائشة بنور، شكرا لك عزيزتي د. آمال طرزان على مساحة الضوء هذه.
***
حاورتها د. أمال طرزان مصطفى