حوارات عامة

أحمد مكتبجي يحاور القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي

- يبقى الشيء المميِّز في كل قصة قصيرة، هو توظيف بعض الأحداث العابرة لإثارة بعض الأسئلة التي تنتهي بلحظة شجن.

- القراءة هي بدء وعَوْدٌ على بدء، وهي ورشة الكاتب الوحيدة للارتقاء بأدواته وأفكاره.

- أنا وإن كنت قد كتبت الكثير من الروايات، إلا أنني أعتبر نفسي لا زلت مخلصة لفن القصة القصيرة.1082 maysaloun hadi

أقر وأعترف ليس من باب تضخم الأنا، ولا انتفاخ الذات، حاشا وكلا، وإنما ثمرة محصلة تراكمية للعمل الدؤوب والمضني في مهنة المتاعب وعالم السلطة الرابعة، بأنني قد اعتدت على امتطاء صهوة قلمي لأشق به غبار الكلمات دون أن يعاندني كحصان جامح إلا لماما، ولا سيما حين تختمر الفكرة، وتنضج الثمرة، وتنسج شمس الالهام خيوطها، وقد عاهدت نفسي على كتابة مقدمة شائقة تتواءم مع نخلة روائية باسقة، تتناسب مع شجرة قصصية سامقة، وبما يتماهى مع العطاء الأدبي والروائي الثر الدافق الذي أتحفتنا به على مدار عقود لـ تنهل من معينه العذب الرقراق أجيال تلو أجيال وبما يليق بقامة وقيمة رفيعة على المستويين العربي والعراقي خلدت في الذاكرة الجمعية، وحفرت في الذائقة الفنية، إلا أنه وعلى قول الكاتب والأديب الروسي الشهير انطون تشيخوف "لقد تعبت لدرجة أنني لن أحرك إصبعا من أجل خلاصي" وكيف لا تتعب أصابع صحفي، وقد تبعثرت أوراقه، تبدد غرور قلمه، جف حبر دواته لتستحيل كلها أثرا بعد عين، وهو لا يدري يقينا من أي المحطات يبدأ، والى أي المرافىء ينتهي وكيف يمسك بطرف الخيط، متسائلا في ديالوج داخلي، هل نبدأ برسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه التي كتبت عن سيرتها الأدبية؟ أم بقصصها ورواياتها إلى ترجمت إلى لغات عديدة كـ " نبوءة فرعون" التي ترجمت الى الانجليزية والفارسية، تليها "أخوة محمد" التي ترجمت الى الكردية " وعلى منوالها"العرش والجدول "التي ترجمت إلى الانجليزية والفرنسية؟!

هل نبدأ برواياتها التي حازت، أو نافست، أو حصدت أرفع الجوائز تتصدرها"رواية شاي العروس"التي دخلت القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2012، كذلك الحال مع رواية (جانو أنت حكايتي) الحائزة على جائزة الإبداع العراقي عام 2019، ورواية (العرش والجدول) الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية عام 2015؟!

هل نستعين بالكتب التي ألفت عن مسيرتها الابداعية وفي صدارتها"ميسلون هادي وأدب عصر المحنة"و"الفراشة والعنكبوت، دراسات في أدب ميسلون هادي القصصي والروائي" و"بين الخيال العلمي والواقع: قراءة نقدية في مجموعة ماماتور باباتور لميسلون هادي"، و"الحضور والغياب في الخطاب الأنثوي، ميسلون هادي نموذجاً"؟!

أم ترانا نبدأ بمحاضراتها في كل من العراق والأردن والإمارات والجزائر وأمريكا، أم برواياتها وقصصها وكتبها المنشورة وفي مقدمتها "انتظرني في البيت"، "التلصص من ثقب الباب"، "ساعة في جيب الملك"، " المتّيم"، "زينب وماري وياسمين"، "بدلاً من الأبيض"، "الغرفة وضواحيها"، " فِكْشنري"، "سيارة مكشوفة في يوم مشمس"، "أجمل حكاية في العالم"، " جائزة التوأم "؟!

هل نستهل حوارنا بمسيرتها في أروقة صاحبة الجلالة، يوم حلقت كحمامة بيضاء في سماء الصحافة الملبد بالغيوم الى أفق أرحب، لتكتب في الموسوعة الصغيرة، ومجلة الطليعة الأدبية، والقسم الثقافي لمجلة ألف باء، فضلا على تميزها بمجال كتابة العمود الصحفي والترجمة وأدب الأطفال، علاوة على كتابة المقالات في الشأنين العربي والمحلي وقضايا المرأة العربية؟!1083 maysaloun hadi

الحقيقة وبعد كم من التساؤلات الحائرة فقد آليت على نفسي وآثرت أن أترك الأديبة العراقية ميسلون هادي، المولودة في مدينة الأعظمية برصافة بغداد، وهي خريجة قسم الإحصاء في كلية الادارة والاقتصاد جامعة بغداد /1976، وزوجة الناقد الأدبي الدكتور نجم عبد الله كاظم، لتسترسل بالحديث عن نفسها، وبادرناها بالسؤال الأول:

* لماذا وقع اختيارك على فن كتابة الرواية التي تعد من أصعب الأجناس الأدبية واعقدها فضلا على الجهد والوقت الكبيرين المبذولة في كتابتها، وكم عدد رواياتك المطبوعة حتى كتابة السطور، وهل في الجعبة أو في أدراج مكتبك رواية جديدة لم تر النور بعد؟

- الكتابة بحد ذاتها هي مختبر لتفاعل الأفكار وإنتاج أفكار مختلفة، وهذا المسار الجدلي لا يحدث فقط بين الكاتب ومجتمعه، ولكن يحدث أيضاً بين الكاتب ونفسه، فيتغير الكاتب ويتطور باستمرار.. وهذا الكاتب لا يختار أو يقرر أن يكون كاتباً، ولكن غزارة الأفكار هي الزاد الذي يجعله يعيش داخل هذا المختبر، فإذا كان يمتلك اللغة، والحس النقدي أو الأدبي، سيجد نفسه يحول تلك الأفكار إلى قصص أو قصائد أو روايات، وبالتالي فإن طبيعة الفكرة هي التي تحدد موضوعها، وأيضاً مدى قدرته على صناعة العمل ضمن تقنيات القصة أو الرواية، لأن كلا منهما هو فن مختلف عن الآخر، فلا يمكن أن يكون التدرب على كتابة القصة القصيرة هو الطريق إلى كتابة الرواية. فالرواية لها قدرة أكبر على احتواء شخصيات عديدة وعوالم مختلفة وأزمان عديدة، بينما زمن كتابة القصة القصيرة هو زمن حدوثها على الأكثر. أحياناً أتحمس للواقع كثيراً وأشعر بأني معنية ومهمومة به وبتقديمه بالصورة التي يجب أن يكون عليها بعيداً عن الأحقاد والكراهية والاستبداد بالرأي. وهذا متاح في الرواية من خلال تعدد الشخصيات واختلاف وجهات النظر. فيكون تقديمها من خلال مكان واقعي أو قريب من الواقع، أما إذا حلقت فوقه قليلاً، فسأكتب في الفنتازيا أو الخيال الجامح او الغرائبي.. في الحالين هناك قاسم مشترك لا أستطيع التخلي عنه.. وهو التشبث الخفي ببساطة الحياة، ونبذ المبالغات التي أصبحنا نعيش فيها سواء في العقيدة أو الإستهلاك أو التكنولوجيا أو الاتصال عبر الأقمار الصناعية. كتبت عشرين رواية تنوعت بين المجالات التي ذكرتها. ولدي مخطوطات مكتوبة سابقا لم أنشرها لحد الآن.1084 maysaloun hadi

* "حفيد البي بي سي" واحدة من روايتك الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، تدور حول صداقة النساء مع جهاز المذياع وذلك من خلال الجدة، حدثينا عن هذه الرواية بايجاز؟

- هذه التجربة سببت لي القلق الشديد، لأنها مختلفة تماماً عن تجاربي السابقة، مع هذا وجدتها ضرورية من أجل نقل السرد إلى مستوى جديد من التعامل مع الواقع المأساوي بالتهكم عليه، ومن الضروري أن تنتقل هذه الروح الساخرة إلى الخطاب الإعلامي والفني في العراق، لأن هذه الروح تخفف من الاحتقان وتجعلنا نتقبل النقد والرأي الآخر.... في (حفيد البي بي سي) تكون الجدة شهرزاد هي صديقة المذياع والبطلة التي تسخر من كل شيء حتى من حفيدها عبد الحليم الذي يتمسك بسلوكيات غير قابلة للتغيير.

* "الخطأ القاتل" و"الطائر السحري "و" سر الكائن الغريب "و" الخاتم العجيب" و" الهجوم الأخير لكوكب العقرب" خمس روايات مخصصة للفتيان صدرت تباعا في أماكن وتوقيتات مختلفة، بعضها عن دار ثقافة الأطفال في بغداد، والسؤال المُلح هاهنا، ماذا تمثل لك الكتابة للفتيان وماهي المواضيع التي تناسب عقولهم وأعمارهم؟

- بالنسبة لقصص الأطفال أو الفتيان، فببساطة شديدة تطرأ على بالي فكرة عن مغامرة أو قصة خيالية لا تصلح إلا للصغار، وأحيانا كنت أرويها لأولادي في مراحل مختلفة من أعمارهم، فأكتبها بلغة بسيطة بدون فذلكات أو مفردات صعبة. ستكون الكتابة عفوية إلى حد كبير، ويجب أن أحافظ على هذه العفوية عند مراجعة النسخة الأخيرة للعمل، على العكس من كتابة رواية للكبار، التي قد تخضع إلى مراجعات كثيرة جدا قد تصل إلى خمسين مرة.

* وماذا عن مجموعاتك القصصية وأبرزها "رومانس"الصادرة عن الإتحاد العام للكتاب العرب في دمشق، كذلك الحال مع مجموعة"لا تنظر إلى الساعة" و"رجل خلف الباب" و"الفراشة "و"الشخص الثالث"، الصادرة عن دار الشؤون الثقافية في بغداد، اضافة الى مجموعة"أشياء لم تحدث" الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب في القاهرة؟

- يبقى الشيء المميِّز في كل قصة قصيرة، هو توظيف بعض الأحداث العابرة لإثارة بعض الأسئلة التي تحرك البركة الساكنة، وإحداث هزة في وعي القارئ. الكثير مما كتبته من قصص يندرج تحت التجارب اليومية التي تنتهي بلحظة شجن وأسى، لا يمكن قراءتها الآن إلا ضمن سياقها التاريخي. وإذا ما وجدنا قصة من هذه القصص صالحة لكل زمان ومكان فهذا يعني أنها تجاوزت حاجز الزمن، لأنها معنية بهواجس الإنسان الوجودية. وجدتُ أيضا في القصة اقترابا للاحتجاج على تدمير الإنسان لبيئته الطبيعية، وجاءت مجموعتي (ماما تور بابا تور 2015) مكرسة لقصص من هذا النوع. أختار منها، قصة اسمها (عطر الوردة)، التي تقدم فكرة عن تدهور البيئة، وافتقاد الرائحة الطيبة المميزة في الكثير من الفواكه والورود والخضروات، مما يجعل النحل يهاجم البيوت بحثاً عن العطور المحفوظة في القناني، بدلاً من التجوال في الحدائق.1085 maysaloun hadi

*جمهورك ومحبوك يودون معرفة أيهما الأقرب الى قلبك ونفسك، فن كتابة القصة القصيرة بفروعها المختلفة "القصة القصيرة جدا، القصة القصيرة، القصة القياسية، الرواية القصيرة" أم فن الرواية الطويلة، ولماذا؟

- كل اتصال بين الكاتب وفكرته يحتم شكلها النهائي.. أي لا يمكن أن تتحول قصة قصيرة إلى رواية إلا فيما ندر.. وأنا وإن كنت قد كتبت الكثير من الروايات، إلا أنني أعتبر نفسي لا زلت مخلصة لفن القصة القصيرة، الذي يتيح لكاتبها التجريب كثيراً، فنجد طيفاً واسعاً من التجارب السردية اختصت بها القصة تحديداً، فكانت قصيرة جداً أو برقية، أو على شكل ومضة من سطر واحد، أو أنها استخدمت تقنيات السينما وتكنولوجيا التواصل، كالموبايل والسكايب والفيس بوك، ولكن الرواية هي الأقدر على استيعاب التغيرات التي يمر بها العالم مقابل اغتراب الفرد أو شعوره بالعزلة. هذه أزمة وجودية قديمة، لكن تناولها أصبح مختلفا من خلال تجارب جديدة، كأن تكون ساخرة كما في بابا سارتر لعلي بدر، أو علمية كما في محنة كورو لرغد السهيل، أو فنتازية كما في روايتي (انتظرني في البيت) التي تقدم تناظرا غرائبيا بين منطقة نائية غير مأهولة ومجتمع إعلامي زاخر بالتضليل والمبالغات. أميل إلى أن تتنوع الشخصيات في رواياتي، وبالرغم من تنوع تلك الشخصيات بين طبائع مختلفة، فهي تشترك بشيء واحد، أنها تبدو واقعية جداً في ظاهرها.. ولكنها ليست كاملة ولا مستقرة، وتعيش حالة من التوجس لحدوث خطأ ما في مكان ما.. في (العيون السود)، مثلا، تقع يمامة في حب رجل غريب الأطوار هو نسخة طبق الأصل، شكلياً، من حبيبها الأول، ولكنه نقيضه في المضمون.. وفي (نبوءة فرعون) تجد يحيى الذي يُفقد في الحرب، يختفي بطريقة غريبة تشبه الخرافة.. وهناك أيضاً المذيع وربة البيت وموظفة البدالة والجار الملحن عبد الملك، وكلهم يَبدون في غاية الواقعية، ولكنهم يخضعون لبنية إيهامية تجعل تحركهم داخل القصة شبيها بالحلم.. أنا إذن أجد الرواية تتوافق مع طبيعتي كإنسانة يتوحد عندها الواقع مع الحلم.

* هناك العديد من البحوث النقدية ورسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه التي تناولت جانبا من نتاجاتك الأدبية الغزيرة، فهل تطالعين وتتابعين عن كثب كل ما كتب ويكتب عنك، أم تراك لا تولين هذا الجانب اهتماما يذكر، ومالذي يلفت انتباهك أكثر، النقد الأدبي، أم البحث الوصفي والتحليلي؟

- بالتأكيد يحدث ذلك، لأجد أن النقد استطاع تأطير تجربتي أو وضعها ضمن سياق معين.. هناك نقود تكتب على شكل انطباعات وهي مفيدة للإضاءة أو الترويج فقط. ولكن النقد التحليلي يضع العمل ضمن سياق تاريخي أو أدبي، أو يؤشر أهمية عمل دون غيره من الأعمال. الدراسات الأكاديمية مهمة جدا للكاتب، وهي تغني تجربته وتثريها.

* من وجهة نظرك لماذا لم تولد من رحم الساحة الروائية والقصصية العراقية المكتظة بالمواهب والابداعات، روايات أو مجموعات قصصية تدور حول مواضيع نحو"الخيال العلمي، القصص البوليسية، قصص الرعب، الروايات التاريخية، أدب السجون، أدب المنافي، أدب الخيام، الرواية السياسية الفكرية لا السردية "، إذ وباستثناء الرومانسية وهذه الأخيرة كلنا نتفهم أسباب عدم بروزها في مجتمعاتنا المحافظة، إلا أن الذي لا أفهمه هو القصور المشخص في المجالات الأخرى وقد أحصيت ورصدت من خلال جولاتي شبه اليومية في سوق الكتب بشارع المتنبي انكبابا غير مسبوق للشباب على هذه الفروع الأدبية ولاسيما التاريخية والبوليسية والرعب والخيال العلمي والسياسي منها، ونحن الذين عشنا أجيالا تلو أجيال ننبش التاريخ وتستحضره نوستالجيا فيما عشنا الحروب المرعبة زيادة على المهاجر والمنافي والسجون والخيام لنتنفس دخانها ونتلظى بنيرانها؟

- كل هذا الذي ذكرتَه مكتوب عنه في السرد العراقي سواء أدب السجون أو المنافي أو الخيال العلمي. هناك أيضاً كتاب جدد يهتمون بهذه الجوانب المهمة في الكتابة السردية، أي الرعب والخيال العلمي، وبالنسبة لي فأجدها فسحة مهمة في الكتابة عندما تصبح مجالاً لارتيادات فكرية وتجريبية، وهذا ما أفعله أحياناً عندما أكتب أعمالاً خارج المألوف، كما في مجموعتي القصصية (ماما تور بابا تور) في الخيال العلمي، أو (انتظرني في البيت) في الفنتازيا، أو (حفيد البي بي سي)، التي ضمنْتُها عشرات المواقف المضحكة والمفارقات، وهي ساخرة منذ عنوانها وحتى سطرها الأخير، ولدي نَفَس تهكمي في هذا المجال الساخر مع بعض القصص القصيرة.

* نود من جنابك الكريم تقديم نصيحة ذهبية الى الشباب ممن قد ولوجوا فعليا، أو أنهم يرغبون بولوج عوالم كتابة الرواية، أو القصة القصيرة التي تستهويهم حاليا وعلى غير سبق مثال؟

- القراءة هي بدء وعَوْدٌ على بدء، وهي ورشة الكاتب الوحيدة للارتقاء بأدواته وأفكاره. ولهذا لا أؤمن بورشات الكتابة، وأعتذر عنها عادة، لأن التصورات أو الأسرار التي يحتاجها الكاتب الجديد سيجدها أثناء القراءة. إنها فعل شبيه بنقطة ضوء داخل بقعة كبيرة من الظلام، وبتراكم مثل هذه العلامات الضوئية يصبح القارئ أكثر وعياً بجمال الحياة وأشد حساسية ضد الظلم والاستبداد بالرأي... نستطيع القول أن القراءة تدير المفاتيح في العقول وتغسلها مما يتراكم عليها من مغالطات. والقراءة ليست مهمة للكاتب فقط، وأنما سنجد أي صاحب مهنة سيكون متميزاً في عمله، لأنه يحّدث نفسه ومعلوماته باستمرار.. ويستطيع عن طريق القراءة جمع عشرة عقول في عقل واحد.1086 maysaloun hadi

* في ذهني سؤال حائر سبق لي وأن طرحته على العديد من الروائيين والقصاص العراقيين، وأجدني مضطرا لتكراره هاهنا أمام قيمة أدبية يشار لها بالبنان لعلني أجد في جعبتها جوابا شافيا لم أجد له نظيرا في سابق حواراتي خلاصته" لماذا لم تتحول معظم رواياتنا الى مسلسلات درامية، أو الى أفلام سينمائية، أو حتى برامج اذاعية على منوال روايات احسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ، وأسامة أنور عكاشة، على سبيل المثال وليس الحصر؟

- هذا السؤال طرحتُه أكثر من مرة على صفحتي في الفيس بوك، ورشحت بعض الروايات العراقية التي تصلح لتحويلها إلى مسلسلات، والجواب عليه هو أن جهات الإنتاج تفضل التعامل مع نصوص جاهزة يكتبها كتاب السيناريو المتخصصون. هذا طبعا بالإضافة إلى وجود فجوة بينهم وبين الأعمال المكتوبة في مئة عام من تاريخ الرواية العراقية.

* لقد كتبت العشرات من مقالات الرأي والأعمدة الصحفية في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية، فهل وظفت بعض فروع وفنون الصحافة وأهمها التحقيقات الاستقصائية، ضمن نصوصك الادبية، وهل جل شخصيات رواياتك متخيلة، أم أن بعضها حقيقي مستلهم من صميم الواقع المعاش من حولك؟

- أنا أكتب عن أشياء أعرفها وهناك غيري يكتب عن أشياء يعرفها أيضاً.. كتبتُ عن بغداد مثلاً والبيت البغدادي، وهناك كتاب غيري كتبوا عن البصرة والكوت والموصل والحلة والعمارة وكوردستان. وبتنوع التجارب والأمكنة ستكتمل صورة المكان والزمان العراقيين... الأحداث التي تتضمنها رواياتي بعضها حقيقي وبعضها متخيل، والخيال هو جزء أصيل من النشاط العقلي للإنسان، وبسببه تم خلق الكثير من النظريات والفرضيات والشخصيات الأسطورية أو الافتراضية، وبهذا المعنى تكاد أن تكون شخصيات لديستوفسكي ثيربانتس وكازانتزاكيس ونجيب محفوظ وفؤاد التكرلي، حقيقية يمكن اعتمادها.. حفيدي الصغير سيف مثلاً يعتقد بوجود الأشباح والوحوش، سألته:

- كيف ذلك؟

قال بحماس شديد:

- مادام لديها أسماء (أشباح ووحوش) فهي موجودة.

قلت له:

- ولكننا نحن من أطلق عليها هذه الأسماء؟

قال:

- لو لم تكن موجودة لما كنا أسميناها بهذه الأسماء.

بصراحة حيّرني جوابه، وجعلني أعيد حساباتي، لأن بعضنا لا يؤمن بالحسد أو الكارما مثلاً، لكن نظرية سيوفي تقول إن أي شيء نطلق عليه اسما فهو موجود. وإذا أخذنا نظريته إلى مستوى الخيال فهي أيضاً صحيحة، لأن الخيال جزء لا يتجزأ من الإنسان، وبهذا المعنى فإن شخصيات مثل سوبرمان وباتمان وسايرون هيد (شخصيته المفضلة) أيضاً موجودة. ولا زلت أفكر ملياً بنظرية حفيدي الحبيب سيوفي (أي شيء نطلق عليه اسماً فهو موجود).

***

تأبطت أوراقي قبل أن تتزاحم الأفكار في ذهني ولسان حالي يردد ما قالته الاديبة والكاتبة الامريكية، مايا أنجلو" إن مهمتي في الحياة ليست مجرد البقاء، بل الارتقاء، مع بعض الشغف والرأفة والفكاهة والجمال" وانطلاقا من هذا الارتقاء الممزوج بالجمال والشغف عقدت العزم على اقتناء الطبعتين الجديدتين من روايتي (العيون السود) و(العرش والجدول) لميسلون هادي، بعد وصولها حديثا الى شارع المتنبي، يحدوني الأمل بالعثور هناك على مجموعتها القصصية الجديدة أيضا "ديدن العروس الابدية" ضمن سلسلة (آفاق عربية) التي تنشر أعمالاً قصصية للكتاب العرب، لأواصل مشواري بعدها وأتابع عن كثب أعمال تطوير وتحديث وتأهيل شارع الرشيد العريق ضمن فعاليات "اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025م" قبل أن تختتم الرحلة الماتعة بـ"مقهى الزهاوي "الذي شهد ذات يوم جلوس شاعر الهند الكبير طاغور، على احدى طاولاته في ثلاثينات القرن الماضي عند قدومه الى بغداد، وكذلك فعل رائد التفعيلة بدر شاكر السياب، ومن هذا المقهى التراثي تحديدا انطلقت أشهر المساجلات الأدبية بين زبونه الدائم حتى وفاته "الشاعر جميل صدقي الزهاوي" من بغداد، وبين الأديب والمفكر المصري عباس محمود العقاد، من القاهرة، فهذه هي بغداد الأصالة والحضارة والعراقة التي قال فيها ابن خلف النيرماني، وكما ورد في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي:

فدى لك يا بغداد كل مدينة.. من الأرض حتى خطتي ودياريا

فقد طفت في شرق البلاد وغربها.. وسيرت رحلي بينها وركابيا

فلم أر فيها مثل بغداد منزلا.. ولم أر فيها مثل دجلة واديا

ولا مثل أهليها أرق شمائلا.. وأعذب ألفاظا وأحلى معانيا

***

حاورها: أحمد مكتبجي

في المثقف اليوم