حوارات عامة

حوار جوشوا كوهين مع فلاديمير سوروكين

أحشاء البنتوصور- البقرة الروسي

بقلم: جوشوا كوهين

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

بدأت مشاكلي قبل ليلة الموعد النهائي بوقت طويل - بل بدأت في طفولتي، عندما فشلت تمامًا في تعلّم اللغة الروسية. ورغم أن عجزي عن فهم لغة الكاتب الأصلية لم يوقفني قط ولا ينبغي أن يوقف أيًّا كان عن تقييم ترجمةٍ ما، إلا أنني أعترف أني واجهت مع تقدمي في العمر صعوبات متزايدة، منها حقيقة أنني لم أعش قط في بلدٍ يقمعني، أو أضطر لمغادرة وطن لغتي لأسكن المنفى، أو أُجبر على التكيّف مع هوية جديدة تُفرض عليّ في الغربة بوصفي ناطقًا فنيًّا باسم المعارضة السياسية. والأهم - صدّقوا أو لا تصدّقوا - أنني لم أُخطَأ قط باعتباري خزّانًا فرديًا أو تجسيدًا رمزيًّا لثقافتي الأدبية، التي تصادف أنها إحدى أعظم الثقافات الأدبية في التاريخ. أدرك الآن كم هو أسهل بكثير أن أقدّم كتابًا لكاتب بقي في وطنه المتواضع، محاطًا بناشريه الذين يحترمونه - إلى حد ما - ويطبعون أعماله، وقرّائه الذين يُعجبون به - إلى حد ما - ويقرأونه. بكلمات أخرى، كم من السهل أن أقدّم كتابًا لكاتب ميت، وهو بالمناسبة ما أشعر به أحيانًا في وجودي المنغلق داخل شقتي الإنكليزية.

أما فلاديمير سوروكين فهو حي؛ بل حيٌّ بكل معنى الكلمة. وعندما سألته كيف ولماذا - إلى جانب حفنة من الأسئلة الأكثر صدقًا - أجابني بكلامٍ يحوي كل الذكاء والدعابة المتوقّعين، ولكن أيضًا بلطفٍ ونبلٍ مفاجئين بل ومقلقين. ربما فاتني هذا الجانب في قراءاتي لعشرينيات كتبه تقريبًا، أو ربما هو عنصر جديد - مناقض تمامًا لذلك الجليد الفضائي الذي يسقط على أرض سيبيريا في ثلاثيته "الجليد" - عنصرٌ محبّ، إيجابي، بنّاء (ويجب أن أضيف أن الحديث بهذه التفاؤلية أمر جديد عليّ).

أجريت هذه المقابلة عبر البريد الإلكتروني، وبمساعدة المترجم الخارق ماكس لوتون في شتاء ٢٠٢٤-٢٠٢٥. أتمنى أن ينقل محتواها الاحترام العميق الذي أكنّه لسوروكين، أحد عمالقة النثر في جيله الروسي الاستثنائي المولود حول حقبة موت ستالين، جيلٌ يضم على الأقل فلاديميرًا آخر جديرًا بالتقدير، الراحل فلاديمير شاروف، والذي يقيم أفضل كتّابه وشعرائه الأحياء اليوم في برلين، باريس، لندن، تبليسي، يريفان، زيورخ، أثينا، روما...

المُحاوِر: عندما كنتُ أقرأ لك على مر السنين - مع التأخير الحتمي للترجمة - كنتُ دائمًا أتساءل: "هذا عبقري، لكن انتبه!" لو اضطررتُ إلى تحويل هذا الفكر/هذا الشعور إلى أسئلة، فسأسأل التالي: هل المحاكاة الساخرة أمر خطير؟هل تسهم السخرية من نظامٍ ما في نهاية المطاف في خدمته؟ربما كان عليّ أن أوجّه هذا السؤال إلى سياسي بدلًا من ذلك. هل يمكنك السخرية من شيء دون أن تمنحه قوة؟

فلاديمير سوروكين: جوشوا، أنت تطرح سؤالًا وجوديًا بالغ الأهمية. يمكنني بسهولة الانجراف إلى التأملات المفاهيمية حول هذا الموضوع لتبرير نفسي، وأظن أنني قادر على إيجاد حجج تبرر استخدامي للسخرية والفكاهة، بالاستشهاد برابليه وسويفت وهاشيك. لقد فعلت ذلك في مقابلات عديدة، كما أنني كونت جلدًا سميكًا إلى حد ما تَرتد عنه مثل هذه الأسئلة بسرعة. لكنني في حواري معك، ككاتبٍ آخر، لا أرغب في ذلك. عندما كنتُ أكتب "يوم الأوبريتشنيك" ثم "الكريملين السكري"، كان آخر ما أفكر فيه هو الفائدة أو الضرر الذي قد تُحدثه هذه النصوص في مواجهة شر الدولة أو انتصار محتمل عليها (وبالنسبة لي، فإن هرم السلطة الروسي كان دائمًا تجسيدًا للشر). عندما أبدأ في كتابة أي عمل، فإنني أريد شيئًا واحدًا فقط: أن يتحول هذا العمل إلى كتاب جيد، أي أن يكون عملًا أدبيًا مكتفيًا بذاته، غير مرتبط بقضايا الناس أو الدولة الراهنة، حتى لو كان موضوع الكتاب نفسه هو دناءة السلطة.

المُحاوِر: سألتُ هذا لأنكَ تنتمي إلى ثقافةٍ كان فيها الكُتّاب في الماضي ذوي أهميةٍ استثنائية. ولكن، ما معنى أن تكون كاتبًا روسيًا اليوم؟ هل تشعر وكأنك روسي في المنفى في ألمانيا؟ (سنتفق الآن على أن برلين هي ألمانيا).

سوروكين: سأكون صريحًا هنا—لا أعلم ما الذي يعنيه أن تكون كاتبًا روسيًا اليوم. أبسط إجابة هي أن تكون شخصًا يكتب بالروسية. على قبر نابوكوف في مونترو، نُقشت ببساطة كلمة "كاتب" (écrivain). أشعر بقرب شديد من هذه الفكرة .في الغرب، لا يزال هناك للأسف العديد من الصور النمطية عن الكتّاب الروس - الروحانية، الميتافيزيقا الخاصة بالمكان الروسي والطبيعة الروسية، والمعاناة، والحب القاتل لامرأة فاتنة وأهوال الكولاج، والشمولية، إلخ... أنا لست ضد هذه الموضوعات، لكنني ضد الصورة النمطية. تآمرت الظروف لأجد نفسي في برلين، لكن آخر شيء أرغب فيه هو اعتبار نفسي مهاجرًا كما فعل نابوكوف. على عكسه، يمكنني العودة إلى موسكو في أي وقت، فلا يوجد "ستار حديدي" اليوم. أنا ببساطة لا أرغب في الذهاب إلى موسكو بوتين حاليًا. كان وضع نابوكوف أكثر قسوة بكثير - فهو كان يفر من الموت. أما أنا فقد انتقلتُ إلى برلين. حتى قبل ذلك، كنتُ أعيش أنا وزوجتي بين موسكو وبرلين. وآمل أن أعود إلى موسكو إذا تغير الوضع وانتهت الحرب في أوكرانيا.

المُحاوِر: "الكريملين السكري"، مثل بعض أعمالك، تنتمي إلى عدة أنماط وأنواع أدبية—حكايات شعبية، نصوص مسرحية أو سينمائية، رسائل، أحلام، وأغانٍ—لكن يبدو أن هذا التعدد ليس مجرد إعادة ابتكار ما بعد حداثية أخرى للرواية، بل أقرب إلى إعلان استيقاظ من كابوس طويل مفاده أن الرواية لم تكن موجودة أصلًا. هل تتفق مع هذا التفسير؟ وماذا تعني لك الرواية؟

سوروكين: يبدو لي أن أفضل الروايات تُنتَج عندما يعمد المؤلفون إلى تفجير شكل الرواية إبداعيًا. دعونا نتذكر ببساطة " Gargantua and Pantagruel"، أو"يوليسيس"، أو "الحرب والسلام". يُشار إلى هذه الأعمال بوصفها روايات عظيمة، رغم أنها، من الناحية الشكلية، تكاد لا تكون روايات على الإطلاق. إنها ببساطة روايات كانت ملائمة لعصرها بشكل جيد، ولهذا تحوّلت إلى روايات عظيمة. العالم المعاصر معقد ومتغير لدرجة أنه لم يعد ممكنًا وصفه بنثر خطي وحشره في هيكل الرواية التقليدية. لكي أتصور العالم المعاصر، أستخدم بصريات معقدة يمكن تسميتها " "الرؤية المتعددة الأوجه" ، مثل تلك التي تمتلكها الحشرات. وإذا وضعنا في الاعتبار أن الماضي الإمبراطوري في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، والذي لم يُطوَ زمنيًا بعد، لا يزال يضغط على الحاضر كأنه نهر جليدي، فإن سؤال المستقبل يبقى معلقًا.كما يعترف لي شباب روس: "نحن لا نشعر بالمستقبل كمسار للحياة والتطور". هذا وضع مرضي تمامًا، ويحتاج الكاتب إلى رؤية خاصة لإعادة خلق هذا على الورق (لاحظ أنني أقول "إعادة خلق" وليس "وصف"). لهذا الغرض، أستخدم نظام مرايا مثبتًا على منصتين: واحدة تمثل الماضي والأخرى تمثل المستقبل. يمكنك تسمية هذا "ما بعد حداثة" أو "ميتا- واقعية هجائية"، لا يهمني التصنيف. لكن هجائية الحياة الروسية لم تبدأ مع روسيا ما بعد السوفيتية، فما علينا إلا أن نتذكر عوالم جوجول.

المُحاوِر: لماذا تفضل كلمة "إعادة خلق" بدلاً من "وصف"؟ وما الفرق؟ ولماذا يبدو "إعادة الخلق على الورق" ممكنًا - أو على الأقل أكثر إمكانية - من "الوصف" عندما يتعلق الأمر بالمعاصر؟ هل حدث شيء للواقعية أو للواقع نفسه؟

سوروكين: لا أحب مصطلح "وصف العالم"، فهو يحيل إلى فكرة الثانوية - إلى التوضيح المجرد. لا، على الكاتب بدلاً من ذلك أن يبتكر عوالمه الخاصة، لا أن يصف عالمًا مُخلَقًا سلفًا. لقد استطاع تولستوي وكافكا وجويس خلق عوالمهم الخاصة، ولهذا تُذهلنا نصوصهم لما فيها من أصالة فكرية حقيقية.

المُحاوِر: وماذا يعني لك الأسلوب - موسيقى جُمَلك - خاصة أن حمقى مثلي مضطرون لقراءتك مترجمًا؟ ما الذي يفوتني؟

سوروكين: جوشوا، أنا ببساطة أحمق أدبي يثق فقط بحدسه - هذا كل ما أملك. بشكل عام، نبرة الكتاب مهمة جدًا بالنسبة لي. إنها القاطرة القادرة على جر الرواية نحو آفاق جديدة، آفاق جديدة، أو إسقاطها في هاوية الرتابة. نغمة الصفحة الأولى أشبه بلحن تلتقطه—لحن يفتتح سيمفونية كاملة. ولهذا السبب، هناك كثير من الكتب لا أتم حتى قراءة عشر صفحات منها، إذ أشعر أنها "لا تعزف اللحن الصحيح". لكن، للأسف، أنا أيضًا قارئ سيء... في حياتي، كُرِّس الكثير، ولا يزال، للفنون البصرية.

المُحاوِر: بأي معنى؟ أعني، لقد سخرت للتو من فكرة "الطابع التوضيحي".

سوروكين: حتى العشرين من عمري، ظننت أنني سأكون فنانًا، وكَرَّستُ وقتًا طويلًا للرسم. في الثمانينيات، كنت أعيش من رسومات الكتب، مما سمح لي بإعالة أسرتي وكتابة النثر ليلًا. يمكنك القول إنني منذ ذلك الحين وأنا واقف بقدم واحدة في الأدب والأخرى في محيط الفن. هذا يمنحني فرصة فريدة للنظر إلى الأدب كجسم فني. لهذا أفهم تمامًا نابوكوف الذي أراد - كما قال مرة - "تحويل القارئ إلى مشاهد". الفن يساعدني على خلق فضاءات أدبية، هذه الرؤية ترافقني دائمًا، لكن شرح المبادئ التي تقوم عليها هذه الرؤية مسألة صعبة.

المُحاوِر: كيف ترى العلاقة بين الفصل المعنون هنا بـ"الطابور" وبين روايتك المبكرة المفضلة لديّ، الطابور (كما تُرجمت إلى الإنجليزية)؟ هل الطابور هو الوحدة العظمى لعصرنا - وهل هناك غير الكلمة ذاتها، أو نفاد الصبر نحو المعنى، ما يربط بين الطوابير التي ننتظر فيها والطوابير التي نقرأها؟

سوروكين: الطابور موضوع أبدي في العالم الروسي—لكنه ليس حكرًا على روسيا وحدها. أثناء الجائحة في برلين، وقفتُ أنا وزوجتي أربع ساعات تحت المطر والبرد في نوفمبر لنحصل على لقاح موديرنا. كل شيء كان منظمًا بطريقة مقززة من حيث انعدام الإنسانية. رأيت طابورًا من أناس يرتعشون من البرد، كأننا لسنا في القرن الحادي والعشرين، بل في أربعينيات أوروبا القرن العشرين! لهذا، أرى أن الطابور وحش بدائي يعيش في داخلنا، ويمكن أن يظهر بسهولة في أي لحظة، غير آبهٍ بالزمن أو بالقرن.

المُحاوِر: إذًا لقد تلقيت اللقاح! وهذا يقودني إلى أسئلة تتعلق بجنون الارتياب ونظريات المؤامرة. أشعر أن الروائيين، خاصة في ما يسمى بالغرب، كانوا يواجهون الشكوك والرعب بالسؤال: "هل هذا حقيقي؟" أما اليوم، في زمن يمكن فيه لأي شيء—بل كل شيء—أن يكون "ممكنًا وصحيحًا"، فالسؤال الجديد أصبح: "هل يمكننا أن نتعايش مع هذا؟" كيف تغيّرت الرواية مع ازدياد جرأة الثقافة على نسج الخيال الذاتي؟

سوروكين: "هل هذا حقيقي حقًا؟" سؤال أبدي في عالمنا حيث يتكاثر الزيف كل دقيقة. لكنني، كما في السابق، أعتمد على حدسي. تجربتي في الحياة، وشعوري الداخلي، هما كل ما أملك حين أقيّم ظاهرة، أو شخصًا، أو حدثًا. يبدو لي أننا لا نملك غير ذلك.فأن تصدّق شيئًا على عماه في زمننا هذا أمر بالغ الخطورة

المُحاوِر: السياسة في هذا الكتاب مباشرة تمامًا. فالملك، الذي يحكم بسلطان، ويبني الجدار، هو أيضًا "جرذ مجاري"، سلطته مزيج من الحقبة الثورية السوفيتية وروسيا الجديدة في المستقبل القريب. ما الذي يربط بين تلك الحقبة التاريخية والعصر القادم؟ أم أنه لا يوجد فرق، سوى بعض الاختراقات التكنولوجية ومأكولات صينية أفضل خارج الصين؟

سوروكين: في روسيا، ترتبط جميع العصور بأمر واحد: هرم السلطة. بناه إيفان الرهيب في القرن السادس عشر، ولم يتغير جذريًا منذ ذلك الحين. تغيرت لغة الروس في القرن السادس عشر، لكن نظام السلطة لم يتغير! هذا الهرم عتيق، غامض، لا يمكن التنبؤ بمساره، غير إنساني، وشرّير تمامًا تجاه الشعب المحيط به.وفي قمة هذا الهرم يجلس شخص واحد يملك كل السلطة لنفسه—القوانين التي تنطبق على المواطنين العاديين لا تنطبق عليه. جميع علل روسيا هي نِتاج لهذا الهرم.لقد كان هذا البناء ملائمًا في القرن الثامن عشر، بل حتى في القرن التاسع عشر، لكنه في القرن العشرين أنجب نظامًا شموليًا وحشيًا، وفي القرن الحادي والعشرين، أصبح مجرّد أثر تاريخي متكلّس، يعوق تطوّر البلاد ويرعب جيرانها. وقد باتت عواقب هذا الهرم الآن واضحة أمام العالم أجمع. هرم السلطة هذا أشبه بمفاعل للطاقة الإمبراطورية، يُنتج إشعاعًا قويًا. ومن يجلس على قمّته يتعرّض لتحوّل—يفقد كل صفاته الإنسانية، ويتحوّل إلى عبدٍ لفكرة الإمبراطورية .كما في "سيد الخواتم".

المُحاوِر: هل هرم السلطة الروسي في جوهره مقبرة، مثل سابقه المصري، أم نوع من المسالخ المعيّنة من الآلهة، كما في أهرامات أمريكا الوسطى؟ وكيف يتوافق الهرم الروسي - أو على الأقل استخدامك له - مع هرم الطبقات عند ماركس؟ أو هرم فريتاج السردي؟ لماذا كل هذه الأهرامات؟ وما نوع الهرم الذي يمثّله "كرملين" كتابك؟

سوروكين: هرم السلطة الروسي هو كيان غيبي. تم تشكيله على مر القرون، بدءًا من القرن السادس عشر. وقد توحّدت فيه المبادئ السلطوية لكلٍّ من الحُقبة الذهبية للمغول وبيزنطة، إلى جانب المعتقدات الوثنية لدى الروس. في روسيا، احتلت السلطة مكان الإله، وقد تجلّى هذا بوضوح خاص في زمن الاتحاد السوفيتي،حين صار ستالين إلهًا حيًّا، ولينين إلهًا ميتًا، مومياء وُضعت داخل هرم يشبه معبدًا أثريًا في الساحة الحمراء.وقد عبدَ الشعب السوفيتي تلك المومياء.

المُحاوِر: هذا هو المقطع المفضّل لدي من هذا الكتاب:

"قبل ستة عشر شهرًا، أُلقي القبض على ستة أعضاء من الطائفة الصوفية المعادية لروسيا المسماة "ياروسفِت". بعد أن رسموا خريطة روسيا على بقرة بيضاء، قاموا بطقس سحري معين، ثم شرعوا في تقطيع البقرة، وأخذوا أجزاء من جسدها إلى مناطق نائية من الدولة الروسية لإطعامها للأجانب. نُقلت مؤخرة البقرة إلى الشرق الأقصى، وسُلقت، وأُطعمت للمستوطنين اليابانيين، بينما حُولت الأضلاع والجزء السفلي إلى فطائر 'بيلمني' في بارناول وأُطعمت للصينيين. وفي بيلجورود، صنعوا بورشت من صدر البقرة وأطعموه لتجار أوكرانيين أغبياء. ثم حُولت الأرجل الأمامية إلى كرات لحم للعمال الزراعيين البيلاروسيين في روسلافل، بينما حُول الرأس إلى طبق 'خولوديتس' وأُطعم لثلاث عجائز إستونيات قرب بسكوف. اعترف جميع أفراد الطائفة بأفعالهم، لكن بقيت نقطة غامضة في القضية: أحشاء البقرة."

هنا لديك ما تسميه "الطقس السحري لتقطيع روسيا" - لكن هل تقصد الدولة الروسية أم الثقافة الروسية - أم كليهما؟ وما الذي تمثّله الأحشاء في هذا الاستعارة؟ المعدة، والأمعاء، ، والقلب، والكبد، والرئتان—هل نقرأها نحن من خلال قراءتنا لك؟ أو بعبارة أخرى: إلى أي درجة تؤدّي، بوعي، طقسًا أدبيًا شبيهًا بقراءة الأحشاء في الجسد الروسي—جسدًا ونصًا؟ وإلى أي مدى تُمارسون قسوةً أدبيةً على الجثة الروسية؟

سوروكين: إذا تحدثنا عن روسيا بوصفها "بقرة مقدّسة"، فإن هذا بالفعل تصوّر قائم في أذهان كثير من مسؤولينا ووطنيّينا. لكن عند النظر إلى خريطة روسيا وحجمها، تدرك أنها ليست بقرة، بل بنتوصور. إن الخوف من أن جيران هذا البنتوصور سيعضونه من الخلف يطارد وطنيينا. ولهذا تهاجم روسيا جيرانها بشكل دوري – وهو فعل ينتهي عادةً بمأساة لروسيا. فقد انهارت روسيا الإمبراطورية بعد الحرب التي خسرتها أمام اليابان الصغيرة، كما انهار الاتحاد السوفيتي بعد حربه في أفغانستان. أما ما سيحدث الآن... فذلك ضرب من التخمين المحض. وإن أردت الحديث عن "أحشاء بنتوصور-البقرة الروسي"، فذلك ضربٌ من الميتافيزيقا الروسية الخالصة.

****

............................

* هذا الحوار مأخوذ من مقدمة مجموعة فلاديمير سوروكين القصصية القادمة "الكريملين السكري"، التي ستنشرها دار دالكي أركايف في أغسطس.

* جوشوا كوهين هو الفائز بجائزة بوليتزر للرواية عن عمله "النتانياهو: سرد لحادثة ثانوية وبالغة الضآلة في تاريخ عائلة شهيرة".

رابط المقابلة:

https://www.theparisreview.org/blog/2025/07/21/the-guts-of-the-russian-brontosaurus-cow-a-conversation-with-vladimir-sorokin/?utm_source=Klaviyo&utm_medium=campaign&utm_id=01K11HKCF76G6VSQJGW5B3AWYA&_kx=_eGnyKxvjY2rMrVvfreS1xdg_SmcF30VCoAeDX7bLW_r_9jh1wKtlgq1-Wn30M41.U5D8ER

في المثقف اليوم